المصدر: Getty
مقال

برنامج إيران النووي لا يزال قائمًا

ترى روزماري كيلانيك، في مقابلةٍ معها، أن طهران لا تزال تحتفظ بعددٍ كبيرٍ من الأوراق في مواجهتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

نشرت في ٢٩ يوليو ٢٠٢٥

روزماري كيلانيك هي مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز أبحاث "أولويات الدفاع"، الذي يروّج لسياسةٍ خارجيةٍ تُعطي الأولوية إلى ضبط النفس والدبلوماسية والتجارة الحرة من أجل ضمان أمن الولايات المتحدة. تتركّز كيلانيك في أعمالها على قضايا أمن الطاقة وسياسات القوى العظمى واستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى في الشرق الأوسط. لها كتابٌ بعنوان Black Gold and Blackmail: Oil and Great Power Politics  (الذهب الأسود والابتزاز: النفط وسياسات القوى العظمى) صدر عن منشورات جامعة كورنيل في العام 2020. كذلك، شاركَت مع تشارلز أل. غلايزر في تحرير كتاب Crude Strategy: Rethinking the U.S. Military Commitment to Defend Persian Gulf Oil (استراتيجية الموادّ الخام: إعادة النظر في الالتزام العسكري الأميركي بالدفاع عن نفط الخليج) الصادر عن منشورات جامعة جورجتاون في العام 2016. أجرت "ديوان" مقابلة معها في منتصف تموز/يوليو لمناقشة الشكوك التي أبدتها حول حجم الضرر الذي قال الرئيس دونالد ترامب والمسؤولون في إدارته أن الهجمات الأميركية ألحقته بالمنشآت النووية الإيرانية.

مايكل يونغ: استشهدَت صحيفة نيويورك تايمز بكِ في أحد مقالاتها الذي ذَكَرَت فيه أن القصف الأميركي للمنشآت النووية في إيران الشهر الفائت كان أكثر نجاحًا ممّا اعتُقِد في البداية. ولكنكِ أبديتِ تحفّظًا بشأن هذا التقييم. هلّا تشرحين وجهة نظرك؟

روزماري كيلانيك: تركّز التقييمات على ثلاثة منشآت كبرى قصفتها الولايات المتحدة، وهي فوردو ونطنز وأصفهان. لكن هذه المواقع، على أهميتها، ليست كل ما في البرنامج النووي الإيراني. فإيران تخصّب اليورانيوم منذ أكثر من 20 عامًا، وقدراتها محلية بالكامل، أي أنها تصنّع بنفسها أجهزة الطرد المركزي وغيرها من المعدّات الحيوية. وقد خرّجت جيلًا كامًلا من العلماء والفنيين النوويين، يُقدَّر عددهم بالآلاف، وهم يفقهون التكنولوجيا، ويمكنهم إعادة بناء ما دُمِّر. إن المجمّع النووي الإيراني مترامي الأطراف، ويضمّ عددًا من المواقع الأخرى إلى جانب فورد ونطنز وأصفهان، التي لم تُستهدَف بالغارات الجوية. قد يجعلنا التركيز المفرط على مصير المواقع الثلاثة الكبرى عاجزين عن رؤية الصورة الأشمل، وهي أن إيران تمتلك المعرفة اللازمة لإعادة بناء ما دُمِّر، على الأرجح في غضون أشهر.

يونغ: ما هو تقييمك الشخصي لوضع برنامج إيران النووي اليوم، بناءً على المعلومات المتاحة التي تمكّنت من دراستها؟

كيلانيك: بُني البرنامج النووي الإيراني على مبدأ اعتماد خطط احتياطية، وتحديدًا ليتسنّى له الصمود في وجه هذا النوع من السيناريوات. وأعتقد أنه صمد إلى حدٍّ كبير. فالنظام الإيراني كان يعلم عندما شرع في تطوير برنامج نووي أن ثمّة خطرًا من أن تستهدف إسرائيل أو الولايات المتحدة منشآته بضربات جوية، تمامًا كما دمّرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي في أوزيراك جوًّا في العام 1981. وكما ذكرتُ، ثمّة مواقع نووية مهمّة أخرى لا يبدو أنها تعرّضت لضربات جوية أميركية أو إسرائيلية، بما فيها موقع في جبل بيكاكس (كوه كولانغ غاز لا)، ومنشأة تخصيب نووي سرية أخرى، كشفت إيران مؤخّرًا عن وجودها، من دون أن تفصح عن موقعها. يُضاف إلى ذلك أن المنظمة الدولية للطاقة الذرية أقرّت مؤخّرًا بأنها فقدت سلسلة تتبّع الكثير من الموادّ النووية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي ومخزونات اليورانيوم المخصّب التي كانت إيران نقلتها من المواقع الكبرى المتاحة لمفتّشي الوكالة، والتي قد تكون موجودة في أيّ مكان. ولذا، تقييمي الشخصي هو أن وضع البرنامج النووي الإيراني ككلّ لا يزال تقريبًا كما كان عليه قبل الغارات الجوية: فإيران تستطيع على الأرجح إنتاج أسلحة نووية في غضون ستة أشهر إلى عام، إذا ما أرادت حقًا بذل هذا الجهد. ولكن الأهمّ من ذلك أن طهران كانت على بُعد ستة أشهر إلى عام من امتلاك أسلحة نووية لمدة لا تقلّ عن خمسة عشر عامًا، واختارت حتى الآن عدم امتلاكها.

يونغ: في مقالٍ لك نشرَته مجلة فورين أفيرز في أواخر حزيران/يونيو، شاركتِ في كتابتِه إلى جانب زميلتك جنيفر كافاناه (الزميلة الأولى السابقة في كارنيغي)، قلتِ إن "التحدّي الذي تواجهه إدارة ترامب اليوم لا يكمن في حدّة التهديدات التي أطلقتها ضدّ [برنامج إيران النووي]، بل في مصداقية الضمانات التي يمكن أن تقدّمها للنظام الإيراني". وبالنظر إلى أن أعداء طهران يعتقدون أنها ليست في وضعٍ يسمح لها بتلقّي الضمانات بشأن أيّ شيء، بسبب عدم شفافيتها في ما يتعلّق ببرنامجها النووي، هل يمكنك شرح ما تقصدينه؟

كيلانيك: ما أقصده هو أن إيران لا تزال تحتفظ بأوراقٍ مهمّةٍ في هذا الصدد، وأهمّها معرفة موقع موادها ومنشآتها النووية وحالتها. إذا ما أرادت الولايات المتحدة حقًا منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، فهي بحاجة إلى تعاون طهران للتأكّد من وضع برنامجها وتفكيكه فعليًا بطريقة خاضعة للرقابة ويمكن التحقّق منها. ولكن ليس لإيران أيّ حافز للتعاون مع الولايات المتحدة، إلا إذا اعتقدت أنها بفعلها ذلك ستتجنّب العقاب في المستقبل، وهنا تبرز الحاجة إلى الضمانات. لكي تكون دبلوماسية الإكراه فعّالة، ينبغي أن تكون الولايات المتحدة قادرةً على قول أمرَين بمصداقية للإيرانيين: أولًا: تخلّوا عن برنامجكم، وإلا ستكون العواقب وخيمة. ثانيًا، إذا تخلّيتم عن برنامجكم، فلن تتكبّدوا عواقب وخيمة، ولن نهاجمكم مجددًّا في المستقبل بمجرّد أن نحصل على ما نريده منكم. لقد فعل الرئيس دونالد ترامب الكثير لإضفاء المصداقية على تهديداته، ولكنه لم يفعل ما يكفي لإضفاء المصداقية على ضماناته. والآن بعد أن هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة إيران في خضمّ المفاوضات النووية، سيكون من الصعب للغاية إقناع الإيرانيين بأن واشنطن لن تُقدِم على ذلك مجدّدًا في المستقبل.

يونغ: يسود اعتقادٌ لدى كثيرين بأن الصراع مع إيران، ولا سيما تدخّل الولايات المتحدة، عجّلته إسرائيل. أنت تعملين مع مركز الأبحاث "أولويات الدفاع" الذي يدعو إلى ضبط النفس في السياسة الخارجية. ما هي أبرز استنتاجاتك حيال قرار إدارة ترامب بقصف إيران الشهر الفائت؟

كيلانيك: ما اعتبرتُه لافتًا للغاية في هذه المسألة برمّتها عدم تقديم إدارة ترامب أيّ أساسٍ منطقي على الإطلاق للسبب الذي جعل قصف إيران ضروريًا للأمن القومي الأميركي. فهي لم تكلّف نفسها عناء تقديم حججها للشعب الأميركي كما فعل مثلًا جورج دبليو بوش، الذي أمضى ثمانية عشر شهرًا تقريبًا في إقناع الرأي العام بضرورة خوض الولايات المتحدة حربًا في العراق. لم أقتنع قطّ بحجة بوش، التي اتّضح أنها مُضلّلة على أيّ حال، ولكنه على الأقل قدّمها. أما ترامب، فلم يكلّف نفسه حتى عناء المحاولة؛ بل أقدم على العملية من دون خوض نقاشٍ عام حقيقي أو نيل موافقة الكونغرس. ما أستنتجه هو أن الحجج الاستراتيجية التي تبرّر لماذا يخدم قصف إيران المصالح الأميركية لم تكن موجودة. يبدو بدلًا من ذلك أن قرار القصف كان مدفوعًا بالكامل بما أرادته إسرائيل وطلبته، أي المساعدة في تدمير المواقع النووية الثلاثة الكبرى. أعتقد أن العملية برمّتها أتت بنتائج عكسية من منظور المصالح الأميركية. في الواقع، لم تشكّل إيران يومًا تهديدًا كبيرًا للولايات المتحدة، فهي ضعيفة وبعيدة. ولكن الآن بعد أن ضربنا الإيرانيين، أعطيناهم المزيد من الدوافع للخوف منا، والمزيد من الحوافز للسعي إلى امتلاك أسلحة نووية لقيمتها الردعية، وسببًا أقلّ للوثوق في الولايات المتحدة.

يونغ: أخيرًا، وانطلاقًا من السؤال السابق، لقد نشب الصراع وانتهى بشكل مفاجئ. لماذا حدث ذلك برأيك؟ ما الذي أدّى إلى الانتهاء المفاجئ لحملة القصف الأميركية؟ هل لأن إيران أظهرت قدرتها على الردع الفعّال، أم هل من سببٍ آخر؟ وبصورة أعمّ، هل سيُستأنَف الصراع؟

كيلانيك: تفسيري أن ترامب لم يُرِد مهاجمة إيران ولكنه شعر بأنه مُحاصَر من الإسرائيليين. فالتقارير تشير بوضوح إلى أنه طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم ضرب إيران، وعلى الرغم من ذلك قرّر هذا الأخير شنّ الهجوم. وضع ذلك ترامب أمام خيارٍ لا يُحسَد عليه: إما الاعتراف بأن الولايات المتحدة لم تدعم هجوم إسرائيل، الأمر الذي كان سيُظهره ضعيفًا لعجزه عن كبح جماح الإسرائيليين، أو التظاهر بأنه كان يخطّط لذلك منذ البداية، والانضمام إلى الهجوم لحفظ ماء الوجه.

لقد اختار ترامب المسار الأسهل لتجنّب الظهور بمظهر الضعيف، أي ضرب إيران. ولكنه أراد إنجاز المهمّة بسرعة. لم يكن يرغب في أن تُجَرّ الولايات المتحدة إلى حرب كبرى أخرى في الشرق الأوسط. ولذا، اتّخذ خطوةً رمزية إلى حدٍّ كبير بقصف المواقع الثلاثة الكبرى التي طلبت إسرائيل المساعدة الأميركية في ضربها، فوردو ونطنز وأصفهان، في ليلة واحدة، ثم قال للإسرائيليين: حسنًا، لقد فعلتُ ما أردتموه، والآن أوقفوا الحرب. وأعلن ترامب لاحقًا أن الضربات الأميركية حقّقت نجاحًا باهرًا، وحاول أن يقطع الطريق على أيّ طلباتٍ من الإسرائيليين في المستقبل عبر زعمه بأن المواقع "مُحيَت".

لكن هذا لا يعني أن برنامج إيران مُحي، فهو لم يُمحَ، ولا أن ترامب يعتقد ذلك بالضرورة. إن تصريحه ليس وصفًا للواقع بقدر ما هو نهجٌ سياسي. فهو بزعمه النجاح وتدمير برنامج إيران لم يَعُد مضطّرًا إلى التعامل مع المسألة. ويبقى السؤال الأكثر إثارةً للاهتمام الآن هو: هل ستدركه الحقيقة، ومتى؟

أشكّ في أن نتنياهو راضٍ عن نتائج الحرب بين إسرائيل وإيران، التي لم تدمّر قدرات إيران النووية ولم تسقط النظام الإيراني، وهو ما أعتقد أنه كان هدف نتنياهو الحقيقي. من المُحتمَل جدًّا أن تُعيد إسرائيل الكرّة في المستقبل، ولا سيما أن المسؤولين الإسرائيليين صرّحوا بأنهم سيقصفون إيران مجدّدًا إذا أعادت بناء برنامجها. من المُرجَّح أن يحاول نتنياهو الضغط على ترامب المتردّد للمشاركة مرة أخرى. أما إذا كان ذلك سينجح أم لا، فهو أمرٌ لا يعلمه أحد.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.