Source: Yasmine Zarhloule

مقال

النساء والمياه والتكيّف لدى قبيلة آيت خباش

لا تتجلّى وطأة التدهور البيئي من خلال المجهود البدني فحسب، بل أيضًا من خلال ما يصاحبه من تأثيرات وجدانية واجتماعية.

 ياسمين زغلول و إيلا ويليامز
نشرت في ١٢ ديسمبر ٢٠٢٥


ياسمين زغلول وإيلا ويليامز

لا تقتصر عواقب تغيّر المناخ على التحوّلات التي تطرأ على البيئة، بل تشمل أيضًا إعادة تشكيل أنماط الحياة اليومية. وفي أوساط قبيلة آيت خباش التي يقطن أبناؤها واحات درعة–تافيلالت في جنوب شرق المغرب، تُعدّ النساء في صميم هذا التحوّل. فنظرًا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام معدّلات هطول الأمطار يفاقمان مشكلة شحّ المياه، اضطرّت النساء إلى التعامل مع تداعيات بيئية ظاهرة وأخرى خفيّة، بدءًا من قطع مسافاتٍ أطول بحثًا عن الماء، ووصولًا إلى تآكل النسيج الاجتماعي الذي كانت حياة الترحال التقليدية تعزّزه وتصونه.

في درعة–تافيلالت، يتجلّى تغيّر المناخ من خلال مظاهر عدّة: الجفاف الممتدّ لسنوات متتالية، وعدم انتظام هطول الأمطار، واستنزاف مخزون المياه الجوفية. وتُعدّ الزراعة في الواحات مُهدَّدة بشكل خاص، إذ تراجع إنتاج نخيل التمر، وباتت أشجار النخيل أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض والآفات من ذي قبل. يُضاف إلى ذلك أن البنى التحتية التقليدية التي كانت تدعم المجتمعات المحلية وأسلوب عيشها، آخذةٌ اليوم في الاندثار، على وقع زيادة استخدام المضخّات الآلية التي تزيد من استنزاف منسوب المياه الجوفية. وخير مثالٍ على هذه الطرق التقليدية نظام الخطّارة، وهو أسلوب ريّ تعاوني لنقل المياه الجوفية إلى الحقول عبر شبكةٍ من الأنفاق، شكّل في السابق الركيزة الأساسية للري والنسيج الاجتماعي. وفي العام 2017، سلّطت "احتجاجات العطش" التي شهدتها مدينة زاكورة الضوء على هذا الوضع الصعب. فقد خرج السكان إلى الشوارع مطالبين بحقهم في الحصول على المياه الصالحة للشرب، ما دفع الدولة إلى تنفيذ إصلاحات من شأنها تحسين منظومة توزيع المياه وإطلاق مشاريع لتعزيز البنية التحتية المائية. وفيما تركّز السياسات الوطنية على تطبيق حلول كبرى لزيادة الإمدادات المائية، مثلًا من خلال إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، وبناء السدود، ونقل المياه عبر تطوير شبكات التحويل المائي بين الأحواض، إلى جانب إدخال إصلاحات لتحسين إدارة الموارد المائية، مثلًا عبر منع زراعة المحاصيل التي تستهلك كمّيات كبيرة من المياه، تشهد الحياة اليومية في الواحات، وفي الاقتصادات المحلية التي تشكّلت حول ندرة المياه، تحوّلات جذرية، ما يتسبّب بضغوط تُلقي بثقلها الأكبر على كاهل النساء.

على مدى أجيالٍ، كانت نساء آيت خباش جزءًا لا يتجزّأ من إيقاع حياة الترحال. فعند تنقّلهن مع أفراد الأُسرة والقطعان عبر السهول شبه القاحلة، كنّ يشاركن في مهامّ شتّى من ضمنها تأمين الماء، ورعي الماشية، والنسج، وصيانة الخيام. ساهمت هذه الممارسات اليومية في تعزيز أواصر التضامن والتكافل، إذ نادرًا ما كان العمل نشاطًا فرديًا، بل شكّل في الغالب فعلًا جماعيًا يصون الجسد المادّي والنسيج الاجتماعي في آن. فمن خلال هذه الأنشطة الروتينية المشتركة، أنشأت النساء شبكةً من الدعم المتبادل، ولّدت لديهنّ شعورًا بالانتماء الجماعي المتجذّر في التنقّل والتعاون.

واليوم، تشهد هذه الأنماط تغيُّرًا جذريًا. فانحسار نمط حياة الرحّل، الذي تسارعت وتيرته بفعل عوامل مثل التصحّر وتقلُّص الموارد المائية، دفع الكثير من الأُسر إلى الاستقرار في القرى. هذا التحوّل نحو الحياة المستقرّة الذي تكثّف نتيجة التصحّر وتناقص الموارد المائية، ترافق مع ارتفاع معدّلات الفقر والتفاوت في الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، ما أرغم الكثير من الأُسر على ترك أرض الأجداد.

صحيحٌ أن الاستقرار يوفّر بعض المزايا، مثل سهولة الوصول إلى المدارس والأسواق، إلّا أنه يقوّض أساليب العيش المتوارثة جيلًا بعد جيل، ويُغيّر بشكل كبير طريقة توزيع المهامّ. فقد أدّى الانتقال إلى المساكن الثابتة في الكثير من الأحيان إلى تقييد حرية النساء في التنقّل، وتزايد الأعباء المنزلية المُلقاة على عاتقهنّ. ونظرًا إلى أن المسافات التي يجب قطعها للعثور على مصادر المياه تطول باطّراد، وأن منسوب المياه الجوفية آخذٌ في الانخفاض، باتت مهمّة جمع المياه، التي لا تزال النساء يؤدّينها بصورة أساسية، أكثر إرهاقًا واستهلاكًا للوقت. علاوةً على ذلك، حين يغادر الرجال قراهم للعمل الموسمي، تتحمّل النساء مسؤولية الأعمال المنزلية ورعاية الأسرة وتوفير المياه.

وهكذا، يبدو أن النسيج الاجتماعي الذي كان يعزّزه العمل الجماعي آخذٌ في التفكُّك، فيما تحلّ العزلة محلّ الشعور بالتضامن والتكاتف الذي ينبثق من عمل الأفراد جنبًا إلى جنب. فبعد أن كانت النساء يلتقين عند الآبار أو خلال الترحال الموسمي، أصبحن اليوم يؤدّين المهام المنزلية بمفردهنّ خلف جدرانٍ تؤمّن الحماية والأمان، ولكنها في الوقت نفسه تقيّد حريتهنّ. وتعكس هذه التغيُّرات الظاهرة تحوّلًا اجتماعيًا أوسع، إذ حلّ التباعد محلّ التعاون وضعفت قدرة المجتمعات المحلية على الصمود.

عبّرت امرأةٌ مسنّة تُقيم راهنًا في مراكش عن مشاعر الحنين التي تتشاركها مع سائر النساء، قائلةً: "نشتاق إلى لقاء بعضنا بعضًا وقضاء الوقت سويًا، والعمل معًا. اعتدنا الجلوس تحت شجرة الأكاسيا وتحضير السْكْسُو (وهو طبق الكُسكُس المغربي التقليدي) في جلسات التويزة". وتحدّثت امرأةٌ أخرى في أوائل الثلاثين من العمر كانت انتقلت مع زوجها في البداية إلى ورزازات ثمّ مراكش، عن شوقها إلى مشاهد الصحراء الشاسعة، وسماع لغتها الأم، وإلى الإنتاج المحلي من شعيرٍ وتوابل، ولا سيما الكمّون والحنّاء، إضافةً إلى التمر، الذي تطلب من إخوتها جلبه معهم كلّما أتوا لزيارتها. وتختزن الكثير من النساء في قلوبهنّ أيضًا هذا التوق إلى إيقاع حياة الترحال، إلى المساحات المنبسطة على مدّ النظر، إلى تشارك الضحكات الدافئة، والشعور بأنّ لِحياتهنّ معنًى ينبع من العيش في وئامٍ مع الأرض، ما يكشف عن حالة وجدانية عميقة الدلالة. تُبرز ذكريات هؤلاء النساء العلاقة بين التدهور البيئي والهجرة بعيدًا عن أرض الأجداد نحو المدن، موضحةً عواقب ذلك على جوانب الحياة الثقافية والعاطفية. ويشكّل فقدان القدرة على التنقّل وتقويض الانتماء الجماعي تمزّقًا في هوية النساء، تاركًا الكثير منهنّ عالقاتٍ بين الماضي وتقاليده وبين مستقبلٍ مجهول المعالم.

يبدو إذًا أن واقع الهجرة والاستقرار الدائم في أوساط آيت خباش، سواء بسبب تغيّر المناخ والتدهور البيئي أو العوامل الاجتماعية الاقتصادية، يشكّل أزمةً تختلف وطأتها بشكلٍ كبير باختلاف النوع الاجتماعي. فالنساء لا يختبرن عبء التدهور البيئي فقط من خلال المجهود البدني، بل أيضًا من خلال تقويض جوانب من حياتهنّ الوجدانية والاجتماعية. تُذكّرنا تجاربهنّ بأن التكيّف لا يُقاس حصرًا بمشاريع البنى التحتية أو الحلول الكبرى أو الأُطر السياساتية. بل يجب وضع نهجٍ شامل للاستجابة المستدامة، يعطي الأولوية للأبعاد المرتبطة بالنوع الاجتماعي في هذه المسألة، آخذًا في الاعتبار ليس فقط الأعباء الأكبر المُلقاة على كاهل النساء، بل أيضًا ما يواجهن من مستقبلٍ مجهول تخيّم عليه العزلة وتمزّق النسيج الاجتماعي. إن تسليط الضوء على تجارب النساء في خضمّ تغيّر المناخ يعني الإقرار بأن الصمود لا يقتصر فحسب على تأمين الموارد المائية وسُبل العيش، بل ينطوي أيضًا وبالقدر نفسه على إعادة بناء الروابط الاجتماعية والحفاظ على الهوية الثقافية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.