المصدر: Getty
مقال

خطوة أخرى نحو تخفيف حدة التوترات؟

يشرح هـ. أ. هليير، في مقابلة معه، عن سياق العلاقات المصرية الإيرانية، التي باتت ربما أقرب إلى التطبيع.

نشرت في ٢٧ يونيو ٢٠٢٣

هـ. أ. هليير باحث غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وزميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة الملكي المتخصّص في دراسات الدفاع والأمن في لندن، وزميل في جامعة كامبردج. تركّز أبحاثه على القضايا الجيوسياسية، والدراسات الأمنية، والاقتصاد السياسي، والمسائل الدينية في الشرق الأوسط والغرب وجنوب شرق آسيا. أجرت "ديوان" مقابلة معه في منتصف حزيران/يونيو للاطّلاع على وجهة نظره بشأن العلاقات المصرية الإيرانية، في وقتٍ يبدو أن الدولتَين تقتربان أكثر باتّجاه تطبيع العلاقات بينهما.

مايكل يونغ: يبدو أن مضر وإيران تقتربان أكثر باتّجاه تطبيع علاقاتهما. هلّا تصف، بدايةً، ما الذي أدّى إلى تباعدهما؟

هـ. أ. هليير: ثمة سلسلة طويلة من العلاقات المعقّدة بين مصر وإيران، شهدت ورثة حضارتَين قديمتَين (عمرهما 8,000 و6,000 عام على التوالي) ينخرطون معًا حول قضايا مختلفة وصولًا إلى القرن العشرين. وحدث تزاوج بين العائلتَين الملكيتَين في مصر وإيران، فيما شهدتا صراعات حين لم تكن السلطات السياسية والأنظمة الملكية في كلٍّ من البلدَين هي نفسها. وقد خاض الرئيس المصري القومي العربي، جمال عبد الناصر، نزاعًا مع شاه إيران الموالي للولايات المتحدة وإسرائيل، محمد رضا بهلوي.

في سبعينيات القرن الماضي، كانت حكومة الرئيس أنور السادات ونظام الشاه مقرّبَين من بعضهما البعض لكن في العام 1979، وقّعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل، ووضعت الثورة الإيرانية حدًّا لحكم الشاه في طهران، ومنحت على إثرها مصر اللجوء للشاه. وفي العام 1980، تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، وتفاقمت هذه الأوضاع حين دعمت مصر العراق ضد إيران خلال حربهما في الثمانينيات، فيما احتفلت إيران باغتيال السادات في العام 1981. إذا أردنا الخوض أكثر في التفاصيل، وقعت أحداث أخرى كذلك، ولا سيما خلال مرحلة ما بعد حسني مبارك في مصر، حين عيّنت إيران سفيرًا لدى مصر، وزار الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي طهران. لكن الإطاحة بمرسي في العام 2013 أعادت العلاقات المصرية الإيرانية عمومًا إلى ما كانت عليه ما قبل فترة 2011-2013، أي أنها باتت شبه منعدمة.

لنكن واضحين، في الآونة الأخيرة، لم تكن العلاقات قاسية أو بغيضة بين الجانبَين. تسود في الكثير من الأحيان الفرضية القائلة: نظرًا إلى علاقات مصر الوديّة مع دول عدة في مجلس التعاون الخليجي المعادية لأهداف إيران في منطقة الخليج، من الطبيعي أن تكون علاقات القاهرة مع طهران عدائية أيضًا. لكن علاقة مصر بإيران في هذه الفترة لم تكن لا عدائية ولا وديّة، بل يبدو الأمر كما لو أن هذه العلاقة تم تجميدها ونسيانها إلى حدٍّ بعيد.

يونغ: هل تسهم المصالحة بين السعودية وإيران في التقارب بين البلدَين، وكيف ذلك؟

هليير: ربما مهّدت المصالحة بين السعودية وإيران الطريق للمصالحة مع مصر، لأن من غير المرجّح أن تفكّر القاهرة في إعادة الدفء إلى علاقتها مع طهران إذا كانت الرياض تعارض ذلك بشدة. لكن رغبة مصر في تطبيع العلاقات مع إيران لا يمكن مقارنتها برغبتها في تجنّب حدوث خلاف كبير مع السعودية. إضافةً إلى ذلك، تشير كل المؤشرات إلى أن إيران تبادر إلى تطبيع العلاقات مع مصر، إنما بتدخل خارجي، يتمثّل على الأرجح بعُمان خصوصًا. لا شكّ أن طهران من مصلحتها إقامة علاقات طبيعية مع أكبر عدد ممكن من الأطراف في الشرق الأوسط. فاقتصادها المتدهور يقتضي منها التعاون مع مزيدٍ من الشركاء التجاريين، ناهيك عن أن نظامها يواجه معارضة كبيرة (على الرغم من أنه باقٍ في السلطة على ما يبدو). علاوةً على ذلك، قامت إسرائيل أيضًا وعلى الملأ بتطبيع علاقاتها مع دول عربية عدة في السنوات الأخيرة. وقد ولّدت المصالحة النسبية بين إيران والسعودية بعض الزخم في طهران، لكنها عنت أيضًا أن ما من معارضة سعودية لخطوة مصر، حتى لو أن القاهرة لم تكن مهتمة جدًّا بتولّي زمام المبادرة. في الواقع، حتى الآن، بدت القاهرة متحفّظة وباردة بعض الشيء حيال التقارب، لكن بعض الدبلوماسيين العرب أكّدوا، بصورة خاصة، على أن الجانب المصري مهتمّ في هذا الصدد.

يونغ: نعلم أن علاقات جيّدة جمعت إيران بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، حتى لو أن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، الذي كان عضوًا في الجماعة، عجز عن البناء على ذلك من أجل تجديد العلاقات الدبلوماسية بين الجانبَين. كيف يمكن أن يؤثّر تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بمرسي، على علاقة إيران مع الإخوان المسلمين؟

هليير: من المثير للاهتمام ما يُذكر عن أن جمال عبد الناصر الذي عارض جماعة الإخوان المسلمين وقمعهم، أقدم خلال ستينيات القرن المنصرم، على تمويل آية الله روح الله الخميني، الذي أسّس في نهاية المطاف نظامًا دينيًا في إيران. تتغيّر التحالفات وتتبدّل، فقد عيّنت إيران مثلًا سفيرًا لها لدى مصر خلال فترة الحكم العسكري المباشر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في العام 2012 عَقب الثورة التي أطاحت بمبارك، وبعدئذ أجرى مرسي زيارة إلى طهران. لكن مصر لم تعيّن سفيرًا لها لدى طهران، وتدهورت العلاقات بين الدولتَين في وقت لاحق. لكن جماعة الإخوان المسلمين لن تشكّل مشكلة إن عمدت الدولتان إلى تطبيع علاقاتهما. ولن يتغيّر شيءٌ يُذكر في علاقة إيران مع جماعة الإخوان المسلمين في حدّ ذاتها كنتيجةٍ مباشرة لتطبيع العلاقات. سيكون للحظوظ السياسية لجماعة الإخوان المسلمين إقليميًا تأثيرٌ أكبر في هذا الصدد.

يونغ: ما موقف الولايات المتحدة من تقارب مماثل، إن أخذنا في الحسبان أن واشنطن بدت وكأنها، إلى حين إتمام المصالحة السعودية الإيرانية، تسعى إلى تشكيل ائتلاف يضمّ دولًا عربية، بدعم من إسرائيل، من أجل احتواء إيران؟

هليير: بالطبع، لن تُبدي الولايات المتحدة حماسةً كبرى إزاء التقارب. فمن جهة، ليس لدى إيران أصدقاء في واشنطن، وهذا أمر مفهوم، نظرًا إلى سجلّها الإقليمي والمحلي. ومن جهة أخرى، تشهد واشنطن عمومًا انقسامًا بين مَن يسعى إلى احتواء إيران بشكل عدائي، وبين مَن يحاول تخفيف حجم الأضرار التي تخلّفها إيران من دون اللجوء إلى التصعيد. مع ذلك، عدا عن مجموعة صغيرة، لا أعتقد أن الكثير من الأشخاص حريصون على تعزيز موقف إيران في المنطقة. لكن، لستُ أدري إن كانت واشنطن ستعتبر في الواقع أن التقارب النسبي بين مصر وإيران سيغيّر فعلًا ميزان القوى بأي شكل من الأشكال. فعدم تطبيع العلاقات بين مصر وإيران لم يكن يومًا بالحدث الجلل، ولا أعتقد أن علينا افتراض أن تطبيع العلاقات بين الجانبَين سيكون حدثًا جللًا بدوره.

يونغ: كيف تتوقع أن تتطور العلاقات بين مصر وإيران، ولا سيما على المستوى الأمني، وتحديدًا، كيف سيكون ردّ فعل إسرائيل برأيك؟

هليير: يفترض البعض أن مصر، نظرًا إلى ارتباطها العميق بالإسلام السنّي تاريخيًا، ناهيك عن أنها مقرّ جامع الأزهر، قد تجمعها بالضرورة علاقات سيئة مع إيران الشيعية. لكن هذا الأمر مثير للسخرية بعض الشيء، إذ إن مصر شهدت منذ أربعينيات القرن المنصرم مساعي معاصرة نحو إحداث نوعٍ من التقارب السني الشيعي. فقد قام رجل دين إيراني أرسله إلى القاهرة آية الله حسين البروجردي، وهو شخصية شيعية إيرانية شهيرة، بتأسيس جمعية بارزة للحوار بين السنة والشيعة، فضلًا عن أن شيخ الأزهر أصدر في العام 1958 فتوى عن جواز التعبّد بمذهب الشيعة الإثني عشرية. وعلى الرغم من أن ذلك كان مثيرًا للجدل، أيدّت قيادة الأزهر باستمرار الصداقة السنية الشيعية، التي كانت جزءًا من رسالة عمّان في العام 2005 حول الطائفية، إضافةً إلى بيانات أخرى منذ ذلك الحين. لذا، قد تحدث تطوّرات إيجابية على المستوى الثقافي. في المقابل، لن يحبّذ المصريون على المستوى الشعبي على الأرجح النهج الإيراني تجاه سورية ونظام الأسد، لكن نظرًا إلى الخطوات التي اتُّخذت في العالم العربي مؤخرًا نحو تطبيع العلاقات مع دمشق، أشكّ أن يتم التعبير عن هذا الموقف بشكل كبير.

على المستوى الأمني، لا أعتقد أننا سنشهد الكثير من المستجدات على المديَين القصير والمتوسط. فالبنية الأمنية لمصر، إقليميًا، لا تعتمد على مشاركة إيران، ولا أدري كيف يُمكن أن يحدث ذلك نظرًا إلى علاقات القاهرة الأخرى. مع ذلك، ستعارض إسرائيل هذا التطور الأخير بشدة، ولا سيما أن الإسرائيليين كانوا يتطلّعون إلى تشكيل ائتلاف سنّي عربي إسرائيلي في مواجهة إيران. في الوقت الراهن، خفّضت السعودية حدّة موقفها، وتبحث دول أخرى في منطقة الخليج حول سُبلٍ للانخراط مع طهران. وحتى في واشنطن نفسها، فإن التوافق بين الحزبَين حول دعم إسرائيل آخذٌ في التداعي. وداخل الحزب الديمقراطي خصوصًا، توجَّه انتقادات أقوى بكثير إلى إسرائيل، ويُعزى سبب ذلك جزئيًا إلى الحكومة اليمينية المتطرّفة الجديدة هناك، والنفوذ المتنامي للجناح التقدّمي للحزب الديمقراطي. لا يبدو أن أيًا من هذه التطورات يحمل بشائر خير لإسرائيل.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.