المصدر: Getty

الرئيس المصري الجديد

الإنتخابات المصرية للرئاسة هامة جداً ولكن المشكلة هي أن الانتخابات الرئاسية تأتي قبل صياغة دستور جديد للبلاد، وهو مايُعَدّ خطأً فادحاً في عملية الانتقال إلى الديمقراطية في مصر.

نشرت في ٨ مايو ٢٠١٢

يتوجَّه المصريون هذا الشهر إلى أقلام الاقتراع لانتخاب رئيس جديد، فيما تشوب المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية في البلاد ظلال من الشك. 

في سؤال وجواب جديد، تحلِّل أوتاوي الانتخابات الرئاسية المصرية وحصيلتها المحتملة. وهي تجادل بأن هذه الانتخابات بالغة الأهمية، لكن من دون دستور جديد ستلوح في الأفق ملامح معركة جديدة حيث يحتمل أن تُقلَّص صلاحيات الرئيس خلال فترة ولايته.

من هم المتنافسون الرئيسيون في الانتخابات الرئاسية المصرية؟

هناك فقط ثلاثة متنافسين رئيسيين، بعد أن حظرت الهيئة العليا للانتخابات ترشُّح عدد من المرشحين البارزين. أبرز المتنافسين: عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس حسني مبارك الذي نفد بجلده من حملات التطهير التي قام بها النظام القديم لأنه لم يخدم خلال السنوات العشر الأخيرة؛ ومحمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة المُنبثق من جماعة الإخوان المسلمين؛ وعبد المنعم أبو الفتوح، وهو قائد سابق في جماعة الإخوان كان قد طرد منها بعد أن أعلن نيته خوض معركة الرئاسة، فيما كان الإخوان يشددون آنذاك على أنهم لن يطرحوا مرشحاً لهذا المنصب.

 وهكذا، يبدو هذا السباق ثلاثياً. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى متنافس رابع هو أحمد شفيق، الذين عيّنه مبارك رئيساً للوزراء خلال الانتفاضة، في إطار محاولة يائسة لإنقاذ الوضع. لكن شفيق لم يشغل منصب رئيس الحكومة سوى لأيام معدودة. وسبق للجنة العليا للانتخابات أن حظرت ترشيح شفيق، لكنه ما لبث  أن ربح طلب الاستئناف الذي تقدّم به ضد القرار.

  من الأرجح أن يفوز؟

تشير استطلاعات الرأي العام الأخيرة إلى أن عمرو موسى يحتل المرتبة الأولى، يليه عبد المنعم أبو الفتوح، ثم محمد مرسي في المرتبة الثالثة. لكن معظم المصريين يقولون أنهم لم يحزموا أمرهم بعد. 

بالطبع، غالبية العلمانيين ستنحاز إلى عمرو موسى، كما يُحتمل أن يجذب هذا الأخير أيضاً مصريين آخرين غير مفتونين بجماعة الإخوان. فالرجل له كيان معروف، وتمتع بقدر جيد من الشعبية حين كان وزيراً للخارجية لأنه تبنّى موقفاً متصلِّباً من إسرائيل، ثم بعدها أصبح أميناً عاماً لجامعة الدول العربية. ولذا فهو يفيد للغاية من سمعته هذه.

 من الصعب قول الأمر نفسه عن المتنافسين الآخرين. فالجاذبية الشخصية لمحمد مرسي محدودة ولم يكن هو حتى خيار جماعة الإخوان الأول، بل وقعت القرعة عليه فقط بعد منع خيرت الشاطر من خوض الانتخابات. ويشير المصريون بسخرية إلى مرسي على أنه "الاحتياطي". صحيح أن الرجل لعب العديد من الأدوار الهامة في منظمة الإخوان، إلا أنه كان دوماً وراء الكواليس، ولذا فهو لايبلي بلاء حسناً في استطلاعات الرأي. ومع ذلك، ستبذل جماعة الإخوان قصارى جهدها وستعبىء طاقاتها التنظيمية على الأرض لمحاولة انتخابه. ولذا، لايجب الاستهانة بمسألة ترشُّحه.

 من جهة أخرى، يحظى أبو الفتوح بشعبية في أوساط العديد من قطاعات الشعب المتباينة. فهو نجح في اجتذاب العديد من الليبراليين، خاصة الشباب منهم، كما اجتذب أيضاً السلفيين وحتى بعض الأصوات العلمانية في القطاعات التي لاتستطيع أن تهضم فكرة التصويت لموسى (الذي على رغم عدم قربه من مبارك، إلا أنه من مخلفات نظامه). ثم أن الشباب في جماعة الإخوان يحبونه.

ومع تشتت الأصوات بين الإسلاميين، فإن الحصيلة الأكثر احتمالاً هي أن يخوض موسى معركة الجولة الثانية مع مرشح إسلامي.

 ما أهمية القرارات الأخيرة الخاصة بمنع بعض المرشحين، بما في ذلك ثلاثة بارزين بينهم، من خوض معركة الرئاسة المصرية؟

 كان قرار منع بعض المرشحين البارزين خطوة سياسية بامتياز. فرئيس اللجنة العليا للانتخابات، فاروق سلطان، وهو أيضاً رئيس المحكمة الدستورية، كان إلى حد ما قاضياً مغموراً  قبل أن ينتشله مبارك من عتمة الشهرة ليجعله يسيطر على المحكمة الدستورية. آنذاك، أثارت هذه الخطوة الكثير من الاستغراب، لأنها بدت بوضوح تعييناً سياسيا. وتبعاً لذلك، قد يكون من الانصاف القول أن سلطان لم يظهر على الساح وهو يحظى بسيرة مهنية قضائية لايكتنفها الشك لا من أمامها ولا من خلفها.

لكن، وبعد قول كل شيء في هذا الشأن، لابد من القول أن قرارات الرجل السياسية كانت متوازنة، لأنه أخرج من السباق العديد من المرشحين البارزين من دون تمييز. فخيرت الشاطر، المرشح الرقم واحد للإخوان المسلمين، وعمر سليمان، مدير الاستخبارات في عهد مبارك، وحازم صلاح أبو إسماعيل، وهو مفكّر سلفي بارز، كل هؤلاء تم استبعادهم لأسباب مختلفة. صحيح أن هذه الأسباب كانت ضعيفة، إلا أنها استندت إلى القانون.

 فإسماعيل استُبعد لأن والدته كانت مواطنة أميركية، وقانون الانتخابات يحظر ذلك بوضوح. وهي نالت الجنسية الأميركية في السنوات الأخيرة من حياتها فقط، بعد أن هاجرت ابنتها إلى الولايات المتحدة. وسليمان لم يحصل على العدد الكافي والمتوزِّع من التواقيع التي تؤيد ترشيحه، على الرغم أن هذا النقص كان ضئيلاً جدا. والشاطر كان في السجن، لكن العفو الذي تلقاه كان من محكمة لم يكن من صلاحيتها إصدار مثل هذا الحكم. الشاطر كان مسجوناً بتهم سياسية - فهو ليس مجرما - لكنه، وفق بنود قانون الانتخابات، لايستطيع الترشُّح. وقد تعزز قرار المحكمة الدستورية هذا حول الشاطر بمنع متزامن آخر لأيمن نور، المرشح الليبرالي الذي نافس مبارك في الماضي وسُجن استناداً إلى تهم باطلة.

 مامدى أهمية الانتخابات بالنسبة إلى العملية الانتقالية في مصر؟

 الانتخابات هامة جداً. فالنظام المُعتمَد في مصر اليوم هو النظام الرئاسي، والثقافة السياسية الراسخة في البلاد لاتزال تُشدِّد على دور الرئيس وتُقلِّل من أهمية دور البرلمان.

لكن المشكلة هي أن الانتخابات الرئاسية تأتي قبل صياغة دستور جديد للبلاد، وهو مايُعَدّ خطأً فادحاً في عملية الانتقال إلى الديمقراطية في مصر. فهذا الأمر يكاد يضمن أن الرئيس سيُنتَخَب لولاية مدّتها أربع سنوات، لكن الدستور الجديد سيحدّ من صلاحياته سرعان مايستلم السلطة.

 ويعود السبب في ذلك إلى أن بعض الأحزاب، ولاسيما الإخوان المسلمين، يريد الانتقال من نظام رئاسي إلى نظام برلماني أو نظام على الطراز الفرنسي حيث تنقسم السلطة التنفيذية مابين رئيس مُنتخَب ديمقراطياً ورئيس وزراء يختاره البرلمان. وبغض النظر عن الخيار الذي سيُعتمَد في نهاية المطاف، ستتراجع صلاحيات الرئيس أثناء ولايته. وحتى إن بقي النظام رئاسياً، فقد سبق للبرلمان ذي الغالبية الإسلامية أن أوضح أنه لن يصادق على قرارات الحكومة بشكل تلقائي، بل سيكون صوتاً مستقلاً.

 كما أن محاولة الحدّ من سلطة الرئيس بعد أن يتم انتخابه ستتسبّب بإثارة التوترات. غير أن حجم المشكلة يتوقّف على هوية الرئيس: إذا فاز إسلامي بالرئاسة، فسيسُرُّ الأحزاب العلمانية أن يتم الحدّ من صلاحياته، ولن يمانِع الإخوان المسلمون في ذلك لأنهم سيسيطرون على البرلمان والرئاسة. أما إذا انتُخِب عمرو موسى، فذلك سيثير حفيظة كلّ العلمانيين المجتمعين وراءه.

 ثمة معركة تلوح في الأفق.

 أين أصبحت عملية صياغة دستور جديد؟

 انتخب البرلمان جمعية تأسيسية في أواخر آذار/مارس لصياغة الدستور الجديد، إلا أن المحاكم علّقت عملها. المشكلة تكمن في تضارب المُثُل حول كيفية صياغة الدستور المصري الجديد، وثمة كمّ كبير من التحايل يجري وراء الكواليس. والإعلان الدستوري المؤقّت، الذي ينظّم عمل المؤسسات المصرية، يمنح البرلمان الحقّ في انتخاب الجمعية التأسيسية من دون مزيد من التقييد، لكن عندما انتخب البرلمان هيئةً ذي غالبية إسلامية، عارضت القوى السياسية الأخرى ذلك ثم دعمتها المحاكم.

 قَبِل الإخوان المسلمون بحلّ الجمعية التأسيسية الأولى، إلا أن المفاوضات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأحزاب السياسية الأخرى لاتزال قائمةً حول تشكيل هيئة جديدة. مصر إذاً في طريق مسدود.

 هل يُحتمَل أن تتجدّد الاحتجاجات؟

 هذه ليست بالمشكلة الكبيرة قبل الانتخابات، إلا إذا استخدم الجيش التظاهرات المتواصلة حجةً لتأجيل الانتخابات، وهذا الأمر مستبعد. المشكلة الكبرى إذاً ليست ماقد يحدث الآن بل ماسيحدث لاحقاً.

 الخطر الحقيقي هو أن يرفض المصريون نتائج الانتخابات وعندئذ قد تندلع احتجاجات هائلة. إذا حقّق أي مرشّح، ولاسيما عمرو موسى، فوزاً من الجولة الأولى، فسيسود شكّ واسع في نتائج الانتخابات.

 أما إذا وضعنا هذا القلق جانباً، فالسيناريوهات التي من شأنها أن تُفاقِم الأمور هي أن يحاول الجيش مراجعة الدستور أو مقاطعة عملية صياغة الدستور الجديد. وطبعاً، كل محاولة قد يقوم بها الجيش لاستعادة السلطة ستدفع الناس إلى النزول إلى الشارع.

 لقد أعطى الجيش وعده بتسليم السلطة والسماح بالانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي بحلول الأول من تموز/يوليو، حينما من المتوقَّع أن يكون الرئيس الجديد تسلَّمَ السلطة. لكن بعض المسؤولين اشتكوا من أن الجيش يجب ألا يسلِّم السلطة قبل الاتفاق على دستور جديد، الأمر الذي لن يتمّ القبول به.

 من الهام أيضاً أن نتذكّر أن البرلمان المصري لطالما كان تحت سيطرة حزب الرئيس، وكان في الأساس يصادق على القرارات كلها بشكل تلقائي. لكن هذه الحال تغيّرت اليوم، ذلك أن أسنان البرلمان تنامت وهو مستعدّ لاستخدامها. وبالتالي، أصبح المجال ضيّقاً أمام الجيش للمناورة بهدف البقاء في السلطة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.