المصدر: اليوم 24
سيبقى رئيس الحكومة يهدد بالاستقالة كأحد أشكال الاحتجاج كلما أحس بأن تجربته الحكومية مستهدفة. فلطالما هدد بالاستقالة مرات عدة منذ تعيينه رئيسا للحكومة كلما وجد عراقيل لتجربته الحكومية، ولكنه لم يقدم على ذلك، باعتبار أن وضعه الحالي يختلف عن وضعه السابق لما كان في المعارضة، فحسّ رجل الدولة يقتضي منه تحمل المسؤولية إلى النهاية وانتظار ما ستفرزه صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة. ولهذا من الصعب تصور استقالة بنكيران في الفترة الحالية لأن المرتكزات التي بنى عليها إمكانية الاستقالة لم تتوفر بعد، وهي أساسا غياب الدعم الشعبي والرضا الملكي. فمن جهة، لازالت شعبية بنكيران وحزب العدالة والتنمية مرتفعة حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، كما أن رئيس الحكومة يؤكد باستمرار علاقته الجيدة مع الملك وحصوله وحكومته على الدعم الملكي. في اللحظة التي سيحس رئيس الحكومة أن أحد هذه المرتكزات أو كلاهما قد اختل، يمكن تصور إمكانية الاستقالة.
ماذا عن دعوة المعارضة رئيس الحكومة للإستقالة؟
دعوة المعارضة رئيس الحكومة للاستقالة تدخل في مجال المزايدات السياسية أكثر منه شيء آخر، وهو مرتبط، أساسا، بالتسخينات الانتخابية التي ستجرى بعد أشهر، والتي ستظهر قوة كل طرف. ومن المحتمل، أيضا، أن ترتفع وتيرة التصعيد بين الحكومة والمعارضة كلما اقتربت الانتخابات أكثر. إلا أن المثير في هذا الصراع هو إقحام المؤسسة الملكية بشكل غير مسبوق، وهو ما قد يؤثر على صورتها إذا لم يتم الانتباه إلى ذلك.
ألا تؤثر التحولات الإقليمية، وموجة التضييق على الإسلاميين، على موقع حزب العدالة والتنمية في النظام السياسي المغربي وعلاقته بالملكية؟
بعد الانقلاب الذي شهدته مصر في يوليوز 2013، والذي أطاح بمحمد مرسي، خلصت قيادة حزب العدالة والتنمية في المغرب إلى أن المناخ العدائي الذي يواجهه الإسلاميون في كل أرجاء المنطقة من شأنه أن يؤثّر على المدة التي سيمضيها الحزب في السلطة. لذلك، تجنّب قادة حزب العدالة والتنمية المواقف المتصلّبة التي أدّت إلى تهميش الإخوان المسلمين في مصر، وأظهروا عوضاً عن ذلك براغماتية لافتة في إدارة التحالف الحكومي. فقد أبدى الحزب مرونة في أكتوبر 2013، حين أرغم انسحاب حزب الاستقلال حزبَ العدالة والتنمية على تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد. فبعد جولة مفاوضات صعبة، سمح حزب العدالة والتنمية لأحزاب موالية وشخصيات تكنوقراطية مقرّبة من القصر بالسيطرة على وزارات أساسية.
ولماذا حرص القصر من جانبه على استمرار التجربة رغم انتفاء مبرراتها الإقليمية؟
القصر على قناعة بأن مصلحة البلد تقتضي دعم الحكومة الحالية لسببين رئيسين: الأول هو أن « الحكومة الحالية تتمتع بمشروعية انتخابية كبيرة، فقد أظهر استطلاع للرأي في مارس الماضي أن 62 % من المغاربة ينظرون نظرة إيجابية إلى حكومتهم ورئيسها بنكيران. كما أن « استمرار شعبية حزب العدالة والتنمية يجعل القصر بعيداً عن الانتقادات التي كانت توجَّه إليه سابقاً، ومفادها أن الحكومات التي شكّلها كانت مجرّد حكومات صورية تفتقر إلى سند شعبي فعلي. والسبب الثاني والأهم الذي يدفع القصر إلى دعم حزب العدالة والتنمية هو أن الحكومة كانت مستعدّة لمباشرة الإصلاحات الملحّة، على الرغم من إدراكها جيّداً أنها قد تقوّض شعبية الحزب.
ماذا لو استقال بنكيران، ما السيناريوهات الممكنة؟ هل ستكون نهاية تجربته وتجربة حزبه؟
رغم أن هذا السيناريو مستبعد في نظري لأن ظروف البلد لا تتحمله، إلا أنه سيشكل في حالة حصوله هزة سياسية باعتبار أن كلفته ستكون عالية على الدولة والأحزاب، وقد تدفع البلد نحو مسار غير متحكم فيه. فمع اقتراب الانتخابات الجهوية والمحلية لن تجازف الدولة بتعريض البلد لهزة سياسية، وهذا راجع للخوف من العزوف السياسي من جهة، إذ سيكون من الصعب إقناع الناخبين بالرجوع للتصويت مرة أخرى في الانتخابات بعد تجربة حكومية فاشلة، ومن جهة ثانية، لا تجد الدولة أمامها بديلا جديا وذي مصداقية يمتلك امتدادا شعبيا، وفي الوقت نفسه لديه الشجاعة الكافية للقيام بالإصلاحات الضرورية.