اقتصاد الظل وتداعياته في الدول العربية

خلال فترة التحولات الاقتصادية التي تمر بها دول عربية كثيرة، يتعرض القطاع غير الرسمي إلى مزيد من الضغوط والمشاكل التي تستدعي مقاربات جديدة. وعليه، يتعيّن على الحكومات العربية تأمين بعض الضمانات خلال مرحلة انتقالية تؤسس لإدماج هذا القطاع من ضمن دورة الاقتصاد.

نشرت من قبل
Al-Hayat
 on ١٢ فبراير ٢٠١٣

تتباين تقديرات اقتصاد الظل، أو الاقتصاد غير الرسمي في الدول العربية. ففي مصر يقدر بعض الخبراء هذه النسبة عند 40 في المئة وهي مرشحة للارتفاع، وفي المغرب يشغل هذا القطاع حوالى 30 في المئة من الأيدي العاملة، وفي سورية ما قبل الأحداث كان ربع القوى العاملة غير منظم ويعمل في الظل. وحتى في الدول الصغيرة مثل الأردن يفاجأ المراقب بارتفاع هذه النسبة إلى ما يزيد على 20 في المئة. فما هو السبب وما هي السياسات التي يمكن اتباعها لإدماج فئات عريضة من المجتمع في الدورة الاقتصادية الاعتيادية؟

تختلف أسباب اتساع الاقتصاد غير المنظم وفقاً لاختلاف الدول، ففي بعض الدول ينضم العاملون والمنشآت المتناهية الصغر إلى القطاع غير الرسمي هرباً من الإجراءات المعقدة كما في مصر، أو تجنباً للضرائب كما في الأردن، أو هرباً من اليد الثقيلة للدولة كما كانت عليه الحال في سورية. والقاسم المشترك بين من يفضلون الخروج من دائرة التنظيم الرسمي هو عدم وجود حوافز كافية لهم كي يكونوا جزءاً من منظومة الإنتاج، فالدول تفرض عليهم ضرائب وخوات، وهم في المقابل يقدرون أن الخدمات التي يتلقونها من الدول لا تعادل العبء المالي الذي يترتب عليهم لقاء ذلك، وعليه فإنهم يفضلون العيش في عوالمهم الخاصة بعيداً من أعين الدولة وإجراءاتها غير المبررة في كثير من الأحيان.
 
وتستند الدراسات حول القطاع غير الرسمي عموماً إلى مسوح تنفذها دوائر دراسات وبحث غير رسمية أو مؤسسات الأمم المتحدة مثل منظمة العمل الدولية. لذلك، نجد كثيراً من التباين في التقديرات، لكن تلك التقديرات تتفق على أن القطاع غير الرسمي في اتساع، ويستقطب كثيرين من الشباب الذين لا يجدون فرص عمل في القطاع المنظم، في ظل وجود بطالة تقدر بحوالى 25 في المئة في أوساط الشباب العربي وفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية الأخير لعام 2012.
 
وهناك جانبان مهمان لفهم هذه الظاهرة، الأول يتعلق بالحكومات العاجزة عن تأمين فرص عمل جديدة، وغير القادرة على تحسين بيئة الأعمال وتقديم حوافز للشباب العاطلين عن العمل، فتجد تلك الحكومات من المناسب أن لا تدقق كثيراً في حجم الظاهرة أو وضع عراقيل أمام انتشارها، فهي، أي الحكومات، تتحلل بذلك من عبء لا تعرف كيف تتعامل معه، وفي الجانب الثاني، يعني انتشار الظاهرة أن وجود أعداد هائلة من العاملين الذين لا تشملهم أية تأمينات صحية أو ضمانات اجتماعية يجعل هذه المجموعات عاملة لكنها هشة وعرضة للخطر في الوقت ذاته، وهذا له تداعيات سلبية على المجتمع. والعمل غير الرسمي عبارة عن صيغة موقتة لكنها قد تتطور وتبقي أعداداً كبيرة من المواطنين على هامش الدورة الاقتصادية فلا تشملهم السياسات العامة.
 
ويزيد غياب التنظيم أيضاً متاعب العاملين في هذا القطاع حيث تشتد المنافسة، ولا توجد بدائل، ويرتفع العدد، لكن العاملين في القطاع يتقاسمون الكعكة ذاتها ما يفاقم الأمور ويشير إلى أن اتساع الظاهرة يخفف الضغط مرحلياً على الحكومات قبل أن ينفجر القطاع ويعود إلى الدولة لمطالبتها بتحسين ظروف العمل. وهذا يحتم شمول القطاع غير الرسمي من ضمن سياسات الحكومات التي تعرف انتشاراً كبيراً لهذه الظاهرة.
 
وبدلاً من دفن الرأس في الرمال، يمكن الحكومات البدء في التعامل مع القطاع الرسمي على أنه قطاع موجود، وله مشاكل ينبغي حلها، وهذا يدخلنا في دوامة هل يعني هذا تحويل القطاع غير الرسمي إلى رسمي؟ ليس هذا هو الحل بالضرورة، لكن يجب التفكير بآليات يمكن من خلالها مساعدة العاملين في القطاع على تطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم وأحياناً تأمين بعض الائتمان اللازم كي يتمكن البعض من الخروج من هذا القطاع إلى نظيره الرسمي من خلال الحوافز الإيجابية التي يمكن أن يحصل عليها حال قراره تغيير الصيغة القانونية التي يعمل بموجبها. فمعظم الدراسات حول القطاع غير الرسمي تشير إلى معاناة القطاع في ما يخص إنفاذ القوانين والحصول على التمويل وتوفير الأيدي العاملة.
 
خلال فترة التحولات الاقتصادية التي تمر بها دول عربية كثيرة، يتعرض القطاع غير الرسمي إلى مزيد من الضغوط والمشاكل التي تستدعي مقاربات جديدة، فالقطاع نظراً إلى طبيعته غير ممثل في مؤسسات القطاع الخاص، ولا صوت له مع أنه يستوعب أكثر من ثلث قوة العمل في كثير من الدول ويساهم في جانب كبير من الإنتاج. ولا يوجد ما يمنع الحكومات من تأمين بعض الضمانات خلال مرحلة انتقالية تؤسس لإدماج هذا القطاع من ضمن دورة الاقتصاد. وبغير ذلك سيبقى العاملون في القطاع مبعثرين، ويعانون تدني كل من الأجور والإنتاجية، وظروف العمل غير اللائقة وهذا لا يستقيم في المدى الطويل.
 
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.