تسجيل الحضور
ستصلك رسالة إلى بريدك الإلكتروني لتأكيد تسجيل حضورك.
سعت الانتفاضات السياسية الأخيرة في المنطقة العربية إلى تفكيك الأنظمة السياسية السلطوية ومعالجة مكامن الغبن المجتمعي العميقة. فالمطالبات بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية حفّزت طرح أسئلة أساسية عن العلاقات بين الدولة والمواطن، فيما يُعاد النظر في العقود الاجتماعية الحالية من خلال الدساتير الجديدة والمؤسسات المتنوّعة التي تروّج للحوار المجتمعي والسياسي. في الوقت نفسه، خضع مشهد النشاط المدني إلى تغيير دراماتيكي. إضافة إلى ذلك، تتحدّى الشبكات الاجتماعية الجديدة، والأطراف الفاعلة الجديدة، والتحالفات الجديدة، علاقات القوة الحالية، وتستعين باستراتيجيات متنوّعة لإعادة النظر في حقوق المواطنين.
نظّم مركز كارنيغي للشرق الأوسط أوّل حوار في سلسلة حواراته عن المواطنة والعدالة الاجتماعية، التي ترمي إلى البحث في مختلف مقاربات العدالة الاجتماعية والمواطنة في البلدان العربية، وإلى تقييم التحديات الناشئة والفرص القائمة في هذه الأوقات الانتقالية. وقد ناقش الخبراء وصانعو السياسات مقاربات العدالة الاجتماعية الإقليمية وتلك الخاصة بكل بلد، إضافة إلى ارتباط العدالة الاجتماعية بحقوق المواطنة، والتحديات التي تقف حجر عثرة في وجه إرساء مجتمعات عادلة.
مسارات الانتفاضات العربية: التقدّم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية
العدالة الاجتماعية هي مبادرة إقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن كيف تبدو المقاربة الإقليمية للعدالة الاجتماعية، وكيف يمكن تطبيقها؟
قام كلٌّ من جهاد أزعور، وزير المالية اللبناني الأسبق، والمنصف شيخ روحو، نائب رئيس اللجنة المالية للجمعية التأسيسية الوطنية التونسية، وعبد الكريم الإرياني، رئيس الوزراء اليمني الأسبق، وزياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية في مصر، بمناقشة العدالة الاجتماعية والتقدّم السياسي من وجهتَي النظر الإقليمية والمحلية. أدارت الجلسة مهى يحيَ من كارنيغي.
العدالة الاجتماعية من منظور إقليمي
- العدالة الاقتصادية: قال أزعور إن القضايا الاجتماعية مثل انعدام المساواة المتزايد ومعدّلات البطالة المرتفعة، كانت مُهمَلةً قبل الربيع العربي. وحالياً يُعَدّ انعدام المساواة الاقتصادية في العالم العربية إلى حدٍّ بعيدٍ نتيجةَ النمو الديمغرافي السريع في غياب أي نمو اقتصادي شامل. أضاف أزعور أن الحلول الراهنة للنمو الاقتصادي ليست كافيةً لسوء الحظ، ويجب أن تُنوَّع: فالدولة هي القوة الدافعة المركزية للنمو في العالم العربي.
- السبيل إلى العدالة الاجتماعية: أشار أزعور إلى أن توطيد الحوكمة والثقة يجب أن يقود إلى عدالة اجتماعية أقوى. وأوضح أن إطاراً أقوى للعدالة الاجتماعية يمكن أن ينتج عن تركيز على التوظيف ونمو القطاع الخاص، وإعادة تعريف التماسك الاجتماعي، وإصلاح النظام الضريبي، وتحسين المهارات والقدرات التي يقدّمها النظام المدرسي.
تعزيز التقدّم السياسي التونسي
- الإنصاف لا العدالة: أكّد شيخ روحو أن الإنصاف، لا العدالة، هي مصطلع معقول أكثر، ذلك أن الهدف يجب أن يكون إنتاج الثروة بشكل فعّال وتوزيعها بشكل منصف. وأضاف أن مقداراً من عدم المساواة ضروري لبناء الاستثمار.
- السبيل الديمقراطي: انطلقت محاولات تونس لبناء دولة ديمقراطية حديثة من مفهوم أن المواطنين كافة يتمتّعون بحقّ المشاركة في التصويت على قدم المساواة. في هذا الإطار، قال روحو إن الديمقراطية هي منصة لتحقيق العدالة الاجتماعية والإدماج الاجتماعي، وإنها ضرورة لتحقيق التقدّم.
تحديات العدالة الاجتماعية في اليمن
- حكومة الوحدة: شرح الإرياني أن القمع العنيف للثورة اليمنية في العام 2011 أدّى إلى تدخّل مجلس التعاون الخليجي، وتشكيل حكومة وحدة منقسمة بين الحزب الحاكم وبين المعارضة.
- التمثيل: أوضع الإرياني أن هدف حكومة الوحدة هذه هو تشكيل برلمان يمثّل بالتساوي النظام السياسي بأكمله في شمال اليمن وجنوبه.
مسار مصر نحو العدالة
- سيناريو جديد مع السيسي؟: قال بهاء الدين إن النمو ومعدلات الإنتاج، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والسياحة، تشهد كلها تراجعاً في مصر، الأمر الذي يطرح تحديات أمام الرئيس المصري المنتخَب حديثاً. إلا أن مصر هي أيضاً أمام فرصة: الشعب مهيَّأ أكثر لمواجهة الصعوبات المستقبلية، ويتحلّى بمزيد من الصبر تجاه الأحزاب الحاكمة الجديدة.
- حيّز للتحسين: رأى بهاء الدين أن لا أحد يتطرّق حالياً إلى أجندة العدالة الاجتماعية في مصر. لكن ثمة مجالاً للتحسين: يجب التشجيع على العديد من الأجندات، مثل الاستثمار في القطاع الخاص، وتطوير البنية التحتية، والنظام الضريبي في القطاعات الاقتصادية. وخلُص إلى أنه من المهم للغاية أن يترافق أي برنامج اجتماعي-اقتصادي مع حالة اقتصادية مستقرة.
منصف شيخ روحو
مسارات الانتفاضات العربية: العدالة الاجتماعية تحت الصراع
حوّلت الانتفاضات العربية مشهد النشاط المدني بشكل دراماتيكي. هل يمكن مناقشة حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية في البلدان التي تخوض صراعاً وترزح تحت الاحتلال؟
ناقش كلٌّ من رضا السعيدي، وزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية والاجتماعية في تونس، وعبد الله الدردري، نائب رئيس الوزراء السوري الأسبق، وربيحة ذياب، وزيرة شؤون المرأة في فلسطين، العدالة الاجتماعية والإسلام السياسي ودوره في المناطق التي مزّقتها الحرب، مثل سورية وفلسطين. أدارت الجلسة مهى يحيَ من كارنيغي.
بين الإيديولوجيا والسياسات الاجتماعية-الاقتصادية
شرح السعيدي أن أحد أهداف النهضة بعد احتجاجات الربيع العربي كان تحقيق مطالب الشعب التونسي الاجتماعية-الاقتصادية. فخلال المرحلة الانتقالية التونسية، وفيما كانت الحكومة عاجزة عن توفير أي خدمات حقيقية، جاءت المساعدة من القطاع الخاص والمؤسسات المدنية. وأضاف السعيدي أنه حالما جرى الاتفاق بين الأحزاب السياسية والطوائف كافة على دستور جديد، أصبح تعزيز التنمية وتوفير فرص العمل أولويةً، وذلك بغية إيجاد فرص عمل متكافئة لجميع التونسيين.
العدالة الاجتماعية في سورية في مرحلة مابعد النزاع
- سورية مابعد النزاع: في بداية القرن الحالي، قرّر النظام السوري أن الدولة تحتاج إلى تجديد العقد الاجتماعي. قال الدردري إنّ إصلاحاً هيكلياً للاقتصاد طُبِّق وترافق مع سياسات السوق المفتوحة. وتابع أنه قبل الحرب في سورية، كان ثمة صراع دائم بين الشفافية والفساد، وبين المواطنة والامتثال، وبين الحرية والسيطرة.
- سورية في مرحلة مابعد النزاع: رأى الدردري أن الحوار في المرحلة الانتقالية سيكون ضرورياً بين النظام السوري وبين المعارضة. ولفت إلى ضرورة إجراء دراسات تحليلية تبحث في مسألة اللامركزية في سورية مابعد الحرب.
العدالة الاجتماعية تحت الاحتلال
قالت ذياب إن معنى المواطنة يتغيّر في مختلف السيناريوهات السياسية. ففي فلسطين كانت المواطنة تعني المقاومة والتضحية. ورأت ذياب أن النمو أو التنمية يغيبان في ظلّ الاحتلال، وبالتالي تغيب العدالة الاجتماعية. وماتحتاج إليه هو الحوار، وتعزيز التماسك الاجتماعي، والمساواة الجندرية. لكنها أضافت أن العالم العربي يبتعد أكثر فأكثر عن فلسطين، الأمر الذي يُضعِف أي مبادرة لتحقيق الأهداف المشتركة.
عبد الله الدردري