تهميش الشباب وتطرّفهم في ظل الأزمة السورية

١٩ مارس ٢٠١٥
بيروت

فيما تدخل الأزمة السورية عامها الرابع، يزداد الوضع صعوبةً بالنسبة إلى اللاجئين والمجتمعات المضيفة والجهات المانحة على حدّ سواء. ويعدّ الشباب من بين الفئات الأكثر تضرّراً من اللاجئين السوريين. فهؤلاء الشباب هم الأكثر عرضة للتجنيد من جانب المتطرّفين، بسبب ضآلة الفرص المتاحة لهم للتحصيل العلمي، وتزايد مخاطر وقوعهم ضحايا للاستغلال في سوق العمل. وينطبق الأمر نفسه على الشباب في المجتمعات المضيفة، والذين يعانون أيضاً من التداعيات الاقتصادية لتدفّق اللاجئين.

عقد مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بالشراكة مع المعهد الدنماركي في دمشق ومركز الدراسات اللبنانية، مؤتمراً استمرّ يوماً كاملاً لمناقشة التحديات التي يواجهها الشباب السوريون واللبنانيون نتيجة الأزمة السورية. وقد حدّد المؤتمر الحلول الممكنة التي من شأنها وضع حدّ لتهميش الشباب السوريين واللبنانيين وتطرّفهم الناجم عنه. كما جرى تقييم التنسيق الحالي للجهود الرامية للتصدّي للأزمة بين القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة.

Thu. March 19th, 2015 9:00 AM - 10:00 AM EST

التنسيق بين الأطراف المعنية والآفاق والتحدّيات

بعد أربع سنوات من العمل، تقترب الأطراف المعنية الآن من مرحلة "الاستقرار" في الأزمة.

بعد أربع سنوات من العمل، تقترب الأطراف المعنية الآن من مرحلة "الاستقرار" في الأزمة. وقد ناقش كل من جورج عيدا، مدير التنمية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية، وكامل كزبر، رئيس شبكة إغاثة سورية في صيدا، وحنين السيد، المنسّق في برنامج التنمية البشرية في البنك الدولي، ومازن عزي، رئيس تحرير صحيفة "المدن" القضايا المعقّدة الناجمة عن استضافة لبنان للاجئين السوريين. أدارت الجلسة مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية.

التزامات الرعاية الاجتماعية وتوفير المعونة

  • الحاجة إلى التنسيق: شدّد المشاركون على الحاجة إلى مزيد من التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة، كي يتسنّى لها الوفاء بالتزامات الرعاية للاجئين السوريين بصورة أفضل.
     
  • خلق الفرص: أوضح عايدة أنه نظراً لتزايد خطر التطرّف بين الفئات المهمّشة، فإن البرامج المعتمدة في وزارة الشؤون الاجتماعية تهدف إلى تحويل التداعيات السلبية للصراع إلى فرص إيجابية. وقد قام المعنيون في الوزارة باتخاذ الإجراءات اللازمة لخلق الفرص، مثل إنشاء قاعدة بيانات للتوفيق بين أرباب العمل واللاجئين الشباب المهرة في المجالات المناسبة، فضلاً عن تنظيم الأنشطة الاجتماعية والندوات والدورات التدريبية لإعداد الأشخاص الذين سيشاركون في إعادة إعمار سورية بصورة مناسبة لمواجهة التحدّيات التي يحتمل أن يواجهونها.
     
  • الأثر الاقتصادي: أوضحت السيد أن البنك الدولي أعدّ، بناء على طلب من الحكومة، تقريراً يقيّم الأثر الاقتصادي للأزمة. وخلص التقرير إلى أن الاقتصاد اللبناني قد خسر 7.5 مليار دولار، وأن عدد من يعانون من الفقر قد ازداد بواقع 200 ألف. وأضافت أن الاقتصاد اللبناني كان بالفعل في حالة يرثى لها، إلى حدّ ما، قبل اندلاع الأزمة، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى 34 في المئة.
     
  • التغلّب على الصعوبات: أشارت السيد إلى صعوبة التعاطي مع زيادة عدد السكان بنسبة 30 في المئة. وأثنت على أداء منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية نظراً للصعوبات التي تواجههاـ غير أنها لاحظت أن الغياب الضمني للتنسيق لايزال يعوق التقدم. كما أكدت على أهمية إنشاء نظام مستدام، بدلاً من المخصص، لتوفير المساعدات وحل القضايا الهيكلية في سوق العمل اللبناني المتعلقة ببطالة العمال ذوي المهارات المنخفضة وشبه المهرة.
     
  • القيود المفروضة على اللاجئين: قال مازن إن الأنظمة والقيود المفروضة على دخول اللاجئين أدّت إلى دخول أعداد كبيرة من السوريين إلى لبنان بصورة غير قانونية. وهذا قد يؤدّي إلى الحدّ من قابلية التنقل لجميع اللاجئين السوريين في لبنان. فغالبا ما يكون اللاجئون عرضة للاعتقالات التعسفية أو الاتهامات بتعاطفهم مع تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي قد يشجع اللاجئين على الانضمام إلى الكتائب الإسلامية والمتطرفة على الرغم من ضعف مشاعرهم الدينية.

التعليم والخدمات

  • الحاجة إلى التعليم: استعرضت شعيب المشاكل الناجمة عن عدم كفاية التنسيق بين القطاعين العام والخاص وخاصة فيما يتعلق بالتعليم. وأوضحت شعيب أنه على الرغم من أن المؤسّسات "الخاصة" تدخلت في البداية بهدف سد الثغرات في التعليم الذي توفره الدولة، إلا أنه تم تقليص هذا التدخّل بسبب انخفاض التمويل وتشبّع البرامج. ولذا ينبغي على القطاع العام الآن أن يتولّى عملية الإشراف مرة أخرى غير أنه يواجه ضغطاً إضافياً سواء من حيث التكاليف أو أعداد الملتحقين بالمدارس.
     
  • التحدّيات: كما شرحت شعيب بالتفصيل عدداً من العوامل التي تؤثّر سلباً على عمليات القطاع العام والمنظمات غير الحكومية اللبنانية، بما في ذلك عدم وجود خطة استراتيجية للاستجابة والتطوير وضعف آليات الرصد وندرة الأموال وفرص التمويل الضائعة، جنباً إلى جنب مع اللوائح المقيّدة أحياناً وسياسات المانحين. وأضافت شعيب أنه في سياق الاستجابة لهذه التحديات، أنشأت الأمم المتحدة هيئة تنسيق، تستضيفها وزارة التربية والتعليم العالي، مكلفة بتقديم التقارير ومتابعة الأهداف، فضلًا عن تعريف التعليم غير النظامي.
     
  • دور القطاع الخاص: تاريخياً، لعبت منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص دوراً رائداً في توفير الإغاثة في أوقات الأزمات في لبنان، حيث أشار كزبر إلى أن الأزمة الأخيرة لا تختلف عن سابقاتها. وأضاف أن منظمته أنشأت قاعدة بيانات شاملة عن كل أسرة تعيش في صيدا وهي تدعم 9 آلاف أسرة منها. وقال إن عدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب أعداد كبيرة من الطلاب الجدد أدّى إلى انعكاسات سلبية على الشعب اللبناني أيضاً. هذا الفراغ يقود الطلاب الشباب في نهاية المطاف إلى التطرّف.

مها شعيب

Thu. March 19th, 2015 9:00 AM - 10:00 AM EST

تطرّف الشباب والأمن

تم تدويل الصراع السوري عندما بدأ عشرات الشباب الأوروبيين يتوافدون من القارة للانضمام إلى صفوف الجماعات المتطرّفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وبالتالي فقد أصبح تطرّف الشباب مصدر قلق عالمي لا محلي فقط.

تم تدويل الصراع السوري عندما بدأ عشرات الشباب الأوروبيين يتوافدون من القارة للانضمام إلى صفوف الجماعات المتطرّفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وبالتالي فقد أصبح تطرّف الشباب مصدر قلق عالمي لا محلي فقط.

شارك ماريو أبو زيد، وهو محلل أبحاث في مركز كارنيغي، كلاً من لارس إرسليف أندرسن وتوبياس غيميرلي، وكلاهما باحث أول في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، ويورغن إيلوم، المفوّض في شرطة شرق جوتلاند، وناتاشا جنسن، رئيس قسم الخدمات الاجتماعية في بلدية آرهوس، في مناقشة جهود معالجة التطرّف. تولّت إدارة الجلسة لينا الخطيب، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

تطرّف اللاجئين

  • أنواع التطرّف: ألمح أبو زيد إلى أن هناك مرحلتين للتطرّف. أولا، هناك مرحلة أولى للتطرّف السياسي، تليها مرحلة أخيرة من التطرّف الديني. وأشار أبو زيد إلى أن التطرّف قد تزايد عندما قلّصت المنظمات الدولية مستويات المعونة التي تقدمها وبرزت جبهة النصرة وأمثالها بوصفها الجهات الرئيسة التي تقدم المساعدات والدعم للاجئين. وبالتالي تمكّنت الحركات الإسلامية من كسب تعاطف وتأييد اللاجئين، حتى من النشطاء الذين كانوا علمانيين في السابق. وأوضح أبو زيد أن هذا التأييد بلغ ذروته في تعبئة تنظيم الدولة الإسلامية مئات اللاجئين بهدف القتال ضد الجيش اللبناني في عرسال.
     
  • التشرّد: أوضح أبو زيد أن هذا أدّى إلى استياء اللبنانيين الذين لم يميزوا بين اللاجئين والمسلحين السوريين في لبنان. وهذا، بدوره، أدّى إلى موجة من النزوح الداخلي وساهم في تطرّف المجتمعات السنّية التي انتقل إليها اللاجئون الآن. كما لوحظ أن التطرّف في أوساط اللاجئين كان مدفوعاً برغبة بعض الأفراد في استعادة المكانة الاجتماعية التي كانوا يحظون بها قبل الأزمة.

مواجهة التطرّف: الداخل والخارج

  • المقيمون المتعاطفون: حذّر أندرسن من أن أكبر تهديد أمني للمجتمعات الأوروبية يأتي من المقيمين المتعاطفين مع جماعات المعارضة لا من المسلحين العائدين، وهو الأمر الذي يتناقض بصورة مباشرة مع وجهة النظر الشائعة. فقد كان معظم منفّذي هجمات كوبنهاغن وباريس "إرهابيين من أبناء البلد"، ممن لم يكونوا على اتصال مباشر مع الإرهابيين الموجودين في مناطق النزاع (على رغم أن أحد الذين نفذوا هجوم باريس تلقّى تدريباً في اليمن).
     
  • مواجهة التطرّف في الدنمارك: لخّص أندرسن النموذج الدنماركي ذو المستويات الثلاثة في مواجهة التطرّف. تشمل المرحلة الابتدائية برامج التوعية وتعزيز الحوار بهدف تسهيل التواصل، وتستخدم المرحلة الثانوية الموجهين والجماعات للوصول إلى الأفراد من ذوي الخطر المعتدل، في حين ينطوي المستوى الثالث على اقتلاع وإعادة إدماج الأفراد والمسلحين ذوي المخاطر العالية في مناطق الصراع.
     
  • خلق الثقة: اتفق المشاركون على أن هذا النموذج سيواجه وقتاً عصيباً في الشرق الأوسط. وأشار إيلوم إلى مثال يوضح السبب في أن خلق الثقة سيكون بالغ الصعوبة. وقال إن 80-90 في المئة من السكان في الدنمارك سيقولون إنهم يثقون في الشرطة. وهذا ليس هو الحال في لبنان.

تحدّيات جديدة، مقاربات جديدة

  • الوقاية: ذكر إيلوم أن الدنمارك تركز على مكافحة الجريمة والوقاية منها. وهم يستخدمون استراتيجية من ثلاثة محاور تتمثّل في التدخل المبكّر، واتباع مقاربة تعتمد على وكالات متعددة والتعاون مع سلطات المدينة. وأوضح إيلوم أن التعاون الوثيق مع المعلمين في الخطوط الأمامية وضباط الشرطة هو سمة أساسية في تلك المقاربة.
     
  • العوامل: قالت جنسن إن سوء الأحوال المعيشية، وكذلك مشاعر الإقصاء والعزلة، هي عوامل بارزة تسهم في زيادة خطر التطرّف في أوساط الشباب. وبالتالي فقد تم إنشاء "بيوت معلومات" مزودة برجال الشرطة والعاملين الاجتماعيين لتقدير كل مصدر للقلق واتخاذ قرار بشأن مسار العمل.
     
  • دور الأسرة: ومضت جنسن إلى استكشاف دور الآباء في مواجهة التطرّف والحاجة إلى تمكينهم وإبقائهم على اتصال مع السلطات. وأضافت أن الآباء الآن هم الذين يتصلون بالشرطة بدلاً من أن يحدث العكس. ويخضع الأشخاص الذين يعودون من سورية إلى تقييم حالتهم العقلية ونواياهم. أما أولئك الذين يرغبون في إعادة الاندماج فتتم مساعدهم في ذلك لمنع المزيد من التطرّف.

الاستنتاجات والمخاوف

  • مكافحة التطرّف: لخّص غيميرلي المفاهيم الأساسية لنموذج "الجزرة" الدنماركي في مكافحة التطرف. وتشمل هذه المفاهيم الحفاظ على حوار صحي في المساجد والبلدية والتركيز على استهداف الأعمال الإجرامية وليس على الآراء المتطرّفة. وشدّد على عدم التوافق بين المبادئ الديمقراطية والإيديولوجية الأصولية.
     
  • قياس النجاح: أضاف غيميرلي أنه نظراً للتحدّي المتمثّل في بناء افتراضات منافية للواقع تحظى بالصدقية، فإن من الصعب أن نعزو النجاحات التي تحققت في الدنمارك إلى برامج مكافحة التطرّف. وأضاف أن توسيع نطاق المراقبة للتعرّف على علامات التطرّف يحمل في طياته آثاراً اجتماعية مزعجة.

لارس إرسليف أندرسن

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.