بعد زيارة قمت بها مؤخراً إلى المغرب، إبان انتخابات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016، تسنّت لي الفرصة لأراقب عن كثب التقلبات التي رافقت تشكيل الحكومة. وقد تبيّن لي أن السياسة المغربية في طور التغيّر، مع قدر كبير من الاستمرارية في ما يتعلق بغلبة السيطرة الملكية. لذا، تُساور عدد كبير من المغاربة شكوك حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة سوف تتمكّن من تحقيق الكثير، على رغم أن البلاد أحرزت تقدّماً في العديد من المجالات الأخرى.
فاز حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الإسلامي الأساسي في المغرب، بـ126 مقعداً من أصل 395 في الانتخابات. وقد كلّف العاهل المغربي، الملك محمد السادس، عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة. لكن مالبثت عملية التشكيل أن تعثّرت في غضون أشهر قليلة. وفي حين أشار الأكاديمي المغربي المعطي منجب إلى أنه كان نصراً غير مسبوق لم يحققه أي حزب من قبل في التاريخ المغربي، نظراً إلى تعدّد الأحزاب في البلاد والطريقة التي تُجرى بها الانتخابات، إلا أن حزب العدالة والتنمية كان ملزَماً بتشكيل حكومة ائتلافية. وقد واجهت هذه المهمة تعقيدات لأن خصمه الأساسي، حزب الأصالة والمعاصرة، رفض الانضمام إلى حكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية، فاضطُرّ بنكيران إلى التفاوض مع أحزاب أصغر حجماً، وهكذا دخلت المشاورات مرحلة مطوَّلة.
كانت عملية تشكيل الحكومة غير مسبوقة في طول مدى أمدها وتعقيداتها. لكن العامل الذي جعل الأمور مختلفة في هذا الإطار هو أن بنكيران تحلّى بالجرأة ووضع حداً للمفاوضات عندما لم تسر الأمور وفق رغبته. فرئيس الوزراء المكلّف، وانطلاقاً من اعتقاده بأنه في موقع قوّة بالاستناد إلى الأداء الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، شعر بأنه غير ملزَم بالقبول بتشكيل ائتلاف من شأنه أن يُضعف حزبه ويحول دون تطبيق برنامجه. وهكذا تمسّك بموقفه، متسلّحاً بهذا الاعتقاد، من أجل ضمان مكاسب حزب العدالة والتنمية. لكن مع استمرار التأخير في تشكيل الحكومة التي لم تبصر النور بعد ستة أشهر من التكليف، ازداد الانقسام في صفوف المغاربة حول ما إذا كانت المقاربة التي يعتمدها بنكيران تصب في مصلحة البلاد، أو حتى في مصلحة حزب العدالة والتنمية نفسه. وعلى رغم أن عدم استعداد بنكيران للمساومة أثار خلافات في صفوف الحزب، إلا أن هذا الأخير ظهر في صورة جبهة موحّدة.
في الأحاديث التي أجريتها مع أعضاء في الحزب ومناصرين له، لمست أن هناك مَن يعتبرون أن المشاورات التي أجراها بنكيران مراعية للمبادئ، وتتسّق مع رغبته في تشكيل حكومة قوية قادرة على استكمال برامج الإصلاح التي كان قد بدأها خلال ولايته السابقة على رأس الحكومة على امتداد خمسة أعوام. كان موقفه محط إعجاب أساساً من الشباب الأكثر انخراطاً على المستوى السياسي – ليس فقط داخل حزب العدالة والتنمية، إنما أيضاً الشباب المتعاطفين مع الحزب والذين ضاقوا ذرعاً من فرض القصر إملاءاته على السياسة في معظم الأحيان. يُجمع كثرٌ على أن الملك لم يتمكّن من تطويع بنكيران وحزب العدالة والتنمية. ومع ان وجّه جزء كبير من الطبقة الوسطى الليبرالية في المغرب انتقادات إلى بنكيران لتركيزه على القيم التقليدية، لكن حتى هؤلاء أقرّوا على مضض أنه حاول تطبيق العديد من البرامج الطموحة، مثل خفض عجز الموازنة، حتى ولو كان سجل حزب العدالة والتنمية يكشف عن تقصير شديد في الوفاء بهذه الوعود.
لعل هذه الآراء التي تنطوي على تباينات، تُغفل النقطة الأهم عن بنكيران. فهو يُنظَر إليه بصورة مطردة في صورة القائد، والشخص المقرّب من الناس، والسياسي النادر الذي يبدو مستعداً لمواجهة المؤسسة السياسية المغربية في سبيل ما يؤمن به.
لاينظر شباب حزب العدالة والتنمية إلى بنكيران باعتباره شخصية سياسية وحسب، إنما يرون فيه أيضاً قائداً وطنياً صاحب رؤية وكاريزما وحكمة، ما يذكّر بالسياسي المعارِض الذي قضى اغتيالاً، المهدي بن بركة، الذي كان شخصية يندر وجودها بين الساسة المغاربة. وفي قصة معبّرة في هذا الإطار، روى شاب من حزب العدالة والتنمية أن جدّته التي بالكاد تتكلّم اللغة العربية، و التي لم تكن على علم بانتمائه إلى حزب العدالة والتنمية، وهي لاتفقه شيئاً في السياسة. لكن غالباً ما تصف بنكيران بعبارات الإعجاب، وتتطلع بحماسة إلى سماعه يتكلم. وروى شاب آخر من الحزب أنه أثناء شنّه حملة في قرية نائية، سئل مرات عدة إذا كان "مع بنكيران"، وكان يلقى ترحيباً عندما يردّ بالإيجاب.
على رغم أنه لبنكيران عدد كبير من المنتقدين، إلا أن هذا النوع من الجاذبية الشعبية، الذي يجعله محط إعجاب ويمنحه على ما يبدو شرعيته الخاصة بغض النظر عن علاقاته مع القصر، يُسبّب التوتّر للنظام الملَكي. وقد دفع ذلك بالبعض إلى الاعتقاد أن القصر سعى، من خلال الامتناع عن ممارسة ضغوط على الأحزاب السياسية لحملها على الموافقة على شروط حزب العدالة والتنمية من أجل تشكيل ائتلاف حكومي، إلى إضعاف بنكيران عبر إظهاره في صورة العاجز عن تشكيل حكومة. غالب الظن أن هذه الأفكار كانت وراء القرار الذي اتخذه الملك في 15 آذار/مارس الماضي وطَلَبَ فيه من بنكيران التنحّي والسماح لمسؤول آخر في حزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، بتشكيل الحكومة.
حل أم انقلاب في الموقف؟
كان الهدف من قيام الملك بتكليف العثماني، وهو قيادي رزين في حزب العدالة والتنمية ورئيس وزراء سابق، وضع حد للمأزق في البلاد. غير أن قواعد الحزب فوجئت وثار غضبها، ولاسيما أنه الحزب كان بدا موحَّداً خلف بنكيران. وقد أظهرت الأحداث أن هذه الوحدة هشّة وضعيفة.
ظهر في محطات مختلفة بعد الانتخابات وكأنّ بنكيران يتّجه نحو تشكيل حكومة مع بعض شركائه السابقين في الائتلاف، وربما أيضاً حزب الاستقلال الوطني. لكن طرأت مشاكل مع التجمع الوطني للأحرار الذي كان شريكاً في الائتلاف السابق والذي طالب بضم أحزاب أخرى إلى الائتلاف المنوي تشكيله. لقد مارس أمين عام التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، وهو رجل أعمال ثري ووزير الفلاحة والصيد البحري سابقاً، تأثيراً كبيراً على عملية تشكيل الحكومة، مع العلم بأن حزبه لم يحصل سوى على 37 مقعداً. شكّل التجمع الوطني للأحرار تكتّلاً مع الحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، غير أن بنكيران رفض ضم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الحكومة. وقد رأى بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية في هذا الرفض انعكاساً لموقف شخصي ضد للحزب ورئيسه إدريس لشكر، فيما شعر آخرون بأن بنكيران يسعى إلى الحؤول دون فقدان حزبه السيطرة على الحكومة.
اتّبع العثماني مساراً مختلفاً تماماً. ففي غضون أسبوع ونيّف، أعلن أن التشكيلة الحكومية الائتلافية باتت جاهزة لديه، وبعد أسبوعَين أبصرت الحكومة النور. وقد تضمّن الائتلاف ستة أحزاب، بينها التجمع الوطني للأحرار، وحزب التقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، فضلاً عن الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. هذا الانقلاب المفاجئ في الموقف من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – ولاسيما بعد أشهر من رفض بنكيران ضمّه إلى الائتلاف، بدعم من حزبه كما يُفترَض – ترك حزب العدالة والتنمية في حالة من التشتّت والضياع. وهكذا، استفحلت الخلافات داخل الحزب بين مَن شعروا بأنهم تعرّضوا إلى الخيانة بسبب قرار العثماني وبين فصيل في القيادة قدّم الدعم للعثماني في تشكيل حكومة تضم هذا العدد الكبير من الأحزاب التي هناك تباين بينها وبين حزب العدالة والتنمية. وكان هذا الشعور بالخيانة ملموساً في شكل خاص لدى شباب الحزب الذين اتجهوا نحو موقع فايسبوك للتعبير عن استيائهم، وادّعى البعض أنهم سيقدّمون استقالتهم في خضم المخاوف من حدوث انشقاق داخل الحزب.
على رغم أن المرارة التي تسبّب بها التبدّل في موقف الحزب انحسرت في الأسابيع اللاحقة، إلا أنه ظلّ هناك التباس حول كيفية التعاطي مع هذه الانتكاسة. في الأحاديث التي أجريتها مع شخصيات في حزب العدالة والتنمية مقرّبة من بنكيران، أشار هؤلاء إلى أن هناك طرقاً محتملة للتخفيف من التداعيات. فقد اعتبروا أنهم قد يتمكّنون، عبر عزل حكومة العثماني عن باقي الحزب، من دون الوصول إلى مرحلة القطيعة معها، من إقامة بعض المسافة بين الحكومة والحزب، وتوجيه رسالة بأن أعضاء الحزب ليسوا جميعاً موافقين على ما جرى. حتى إنهم تحدّثوا عن تأدية نوع من الدور المعارِض للحكومة، من أجل عدم القضاء على المكاسب التي يعتبرون أن بنكيران حقّقها عبر الحفاظ على استقلالية الحزب عن القصر الملكي. لم تكن هذه المقاربات قابلة للتطبيق بسهولة، لكنها كانت لافتة لدى حزب يفتخر بانضباطه ووحدته.
فضلاً عن السؤال الكبير عن كيفية التعامل مع هذا الخلاف في الرأي، ظلت هناك أسئلة كبرى عن مستقبل بنكيران السياسي. ماذا سيكون دوره داخل الحزب وكيف يمكن أن يؤثّر في الحكومة؟ يُفترَض أن تتم الإجابة عن هذه الأسئلة، أو عن بعض منها، خلال المؤتمر المقبل للحزب الذي سيُعقَد ربما في الخريف. في الانتظار، سيستمر حزب العدالة والتنمية في التخبط في قيادة حكومة ضعيفة "لاتمثّل إرادة الشعب"، كما أشار البعض، وغالب الظن أن الصراعات الداخلية ستحاصرها وتجعلها بالتالي عاجزة عن الدفع باتجاه تطبيق الإصلاحات. لقد شدّد العثماني على أن حكومته ستواصل العمل بعدد كبير من الإصلاحات التي أُطلِقت في عهد الحكومة السابقة بقيادة حزب العدالة والتنمية، غير أن الأكثرية الساحقة أجمعت على الصعوبات التي سيواجهها في هذا المجال.
قبضة الملكية المحكمة
في حين تبقى السلطة الفعلية في أيدي النظام الملَكي، أصيب عدد كبير من المغاربة بخيبة أمل بعدما كانوا قد عقدوا آمالاً عالية على تشكيل حكومة لاتكون ذات تبعية كاملة للقصر. وينطبق ذلك في شكل خاص على المغاربة الذين كانوا لايزالون يأملون بأن تساهم التغييرات الدستورية التي أُقِرَّت بعد العام 2011 في تحفيز الديناميكية السياسية وتعزيز مشاركة المواطنين. لقد ساد شعور لدى مختلف الأفرقاء في الطيف السياسي بأن حزب العدالة والتنمية أُرغِم على القبول بحكومة ضعيفة، وبأن ذلك يشكّل انتكاسة للتطوّر السياسي في المغرب.
سلّطت هذه الحقيقة الأضواء على الإشارات المتباينة التي يُطلقها الالقصر على مستوى الانفتاح السياسي في المغرب. لقد سعى محمد السادس، على امتداد حكمه المستمر منذ نحو ثمانية عشر عاماً، إلى تقديم نفسه في صورة الإصلاحي والحاكم المختلف عن والده حسن الثاني الذي كان يخشى التغيير السياسي. إلا أن فرض القيود وتوجيه الانتقادات إلى المعارضة تواصل ، كما تواصل أيضاً الكبح الشديد لحريات الصحافة والتعبير. لقد منحت المراجعات الدستورية في العام 2011 الأحزاب السياسية هامشاً أكبر لتأدية دور في الحكم، لكنها لم تُحدث تغييراً في ديناميكيات السلطة الأساسية في المنظومة السياسية المغربية. فالملك لايزال السلطة العليا في البلاد، لابل إن القصر يستمر في التدخل في الحكومات المنتخَبة من الشعب. لقد سعت الحكومة السابقة برئاسة بنكيران إلى تأدية دور أكبر في الحكم، ليس بصورة مستقلة عن النظام الملكي إنما في سياق محاولة من بنكيران من أجل امتلاك زمام المبادرة بعض الشيء في عمل حكومته. بيد أن ذلك ليس متاحاً عموماً في حالة الحكومات المغربية التي تعمل بناءً على أوامر الملك. أما حكومة بنكيران من جهتها فقد تصرّفت وكأنها تتلقى أوامرها من الشعب.
لعل هذا كان السبب الذي دفع القصر إلى منع بنكيران من تشكيل حكومة جديدة، أو إلى العمل من أجل إبقاء هامش المناورة لدى حزب العدالة والتنمية محدوداً في حال تمكّنه من تشكيل الحكومة. وتحقيق هذا الهدف شبه مضمون في حكومة مؤلّفة من ستة أحزاب سياسية تفتقر إلى تصوّر واضح عمّا يجمع بينها.
بالنسبة إلى المغاربة الذين يريدون أن يصدّقوا أن بلادهم تسير نحو مزيد من الدمقرطة، تتسبّب احتمالات حدوث مشاكل في الحكومة الجديدة بتفاقم الإحباط الشعبي. إنهم مستاؤون من القبضة الشديدة التي يمارسها النظام الملَكي على الحياة السياسية، أو من إفساحه في المجال أمام الزبائنية، ورأسمالية المحسوبيات، واستشراء الفساد. بيد أن هذا الموقف يحجب أيضاً ما أُنجِز حتى الآن. ففي الأعوام الأخيرة، شهد المغرب ديناميكية اقتصادية لافتة واندفاعة نحو استقطاب الاستثمارات الخارجية واستحداث الوظائف.
على سبيل المثال، طوّر المغرب إمكاناته في تصنيع السيارات وتجميعها، بالتعاون مع كبريات الشركات لتصنيع السيارات، مثل "رينو- نيسان" التي تعمل في المغرب حيث هي أيضاً في صدد التوسّع. كذلك وضعت شركة "بي إس أيه بيجو سيتروين" خطة لبناء مصنع كبير في السنوات المقبلة. علاوة على ذلك، وقّعت شركة "بوينغ" اتفاقاً مع المغرب في خريف 2016 لإحضار مورّدي الشركة إلى البلاد في إطار "منظومة مترابطة" من شأنها المساعدة على استحداث الوظائف مستقبلاً.
ويجري العمل أيضاً على تنفيذ مشاريع كبرى في مجال البنى التحتية يمكن أن تولّد منافع اقتصادية في المدى الطويل، مثل السكة الحديد فائقة السرعة بين الدار البيضاء وطنجة، والتي تحظى بدعاية كبيرة ويُتوقَّع أن تُفتتَح أمام الركّاب في العام 2018. في هذا السياق، يرى بعض المغاربة أن عدداً من المشاريع الإنمائية الكبرى هو بداعي التباهي، والهدف منه تعزيز مكانة المملكة الدولية على حساب الإنفاق على الأمور التي تُعتبَر من أمس الحاجات في البلاد. واقع الحال هو أن مناطق كثيرة في المغرب لاتزال تعاني من نقص التنمية المزمن. وقد سلّطت الاحتجاجات التي اندلعت الخريف الماضي في الحسيمة، إبان وفاة بائع سمك، الضوء على العدد الكبير من المناطق التي لاتزال تعاني من الحرمان والنقص في الخدمات.
نداء إفريقيا
من مؤشّرات الديناميكية أن المغرب يعمل على تعزيز حضوره في أفريقيا. فقرار الانخراط أكثر في القارة الأفريقية على الصعيد الاقتصادي يندرج في إطار مجهود ديبلوماسي أوسع نطاقاً لاستعادة التأثير في قضية الصحراء الغربية المستمرة منذ وقت طويل. لكنه قرار منطقي أيضاً من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. وفي هذا السياق، قام محمد السادس وأعضاء كبار في مؤسسة السياسة الخارجية المغربية بزيارات عدّة إلى بلدان أفريقية.
يسعى المغرب إلى الاستثمار في القطاع المصرفي، والعقارات، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والزراعة، والتعدين. ويتطلّع إلى إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي على طول الساحل الممتد من غرب أفريقيا إلى المغرب. تماشياً مع هذه المبادرات الاقتصادية، وبتسهيلٍ منها، تمكّن المغرب من الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي. يُنظَر إلى هذه الخطوة بأنها تحمل منافع محتملة للسياسة المغربية في ملف الصحراء الغربية، لابل أكثر من ذلك، تُظهر التأثير الاقتصادي والديبلوماسي والديني والثقافي الذي تتمتع به البلاد. لقد أصبحت الجهود التي يبذلها المغرب لإعادة تثبيت نفسه في أفريقيا مصدر اعتزاز وطني في مواجهة المحاولات التي يُعتقَد أن الجزائر تقوم بها من أجل تعطيل الدور المغربي في أفريقيا، حيث كان لها تأثير أكبر على امتداد التاريخ بسبب دعمها للحركات المناهضة للاستعمار.
عدا عن الاقتصاد والديبلوماسية، يشعر المغاربة بالرضى في شكل خاص عن الدور الديني الذي يمكن أن يؤدّيه النظام الملَكي وبلادهم في مختلف أنحاء أفريقيا الإسلامية. يرمي المغرب إلى استخدام التديُّن المتنامي لمواجهة الجاذبية المتزايدة للوهابية والتطرف الإسلامي على الصعيد الدولي – وهو ما سعى إلى القيام به أيضاً في الداخل، مع نسب متفاوتة من النجاح في هذا المجال. ينطلق السعي إلى مكافحة التطرف في أفريقيا من الإدراك بأن انعدام الأمن في غرب أفريقيا والساحل يمكن أن تترتب عنه تداعيات على المغرب؛ إنما أيضاً من الشعور بأنه للمغرب رؤية قوية الوقع عن الإسلام، نظراً إلى هويته الإسلامية المخضرمة ولقب أمير المؤمنين الذي يحمله الملك المغربي.
المغاربة موحّدون حول النظام الملكي، الذي حافظ على السلام، وحول ضرورة استمرارية الدعم الشعبي له. بيد أن الملك وقف أيضاً في وجه الإصلاح والتقدم في بعض الأحيان، وسيظل الشعب يُبدي اعتراضه في هذا الصدد. على رغم ذلك، يبدو المغرب أمام لحظة مفعمة بالآمال، مع توافر فرص أكبر للتنمية والتقدم لم تعرفها البلاد على امتداد سنوات طويلة. قد يصاب الطامحون إلى سياسة مستقلة ومنظومة خالية من الفساد، بالخيبة، لكن يمكنهم أن يجدوا المواساة في الثقة المتزايدة التي يُبديها المغاربة في التعبير عن مطالبهم والدفاع عن آرائهم.
لقد أظهر المغاربة انخراطاً أكبر في السياسة، وأبدوا اهتماماً بتجربة حزب العدالة والتنمية، وشجّعهم في ذلك بنكيران والمقاربة التي يعتمدها، وهذا الإرث لن تُقوِّضه الطريقة التي أقصي بها بنكيران جانباً. يشهد الاقتصاد المغربي نمواً؛ ويُتيح له امتداده نحو القارة الأفريقية الإفادة من فرص اقتصادية جديدة. وعلى النقيض من الحكّام في الجزء الأكبر من العالم العربي، لايزال الملك يتمتع بالشرعية، ولايبدو الاستقرار السياسي مهدّداً. في هذا السياق، من شأن الاحتجاجات والإضرابات وسواها من أشكال الحراك الشعبي أن تترك المجالات مفتوحة أمام الإصلاح والاستقرار على السواء.