المصدر: Getty
مقال

بين حجري الرحى

مع تفاقم الأزمة حول قطر، يسعى المغرب إلى البقاء على الحياد.

نشرت في ١١ يوليو ٢٠١٧

على رغم أن الأزمة حول قطر بعيدة، جغرافيا، عن المغرب، إلا أنها تسبّبت بتوترات في هذه المملكة الشمال إفريقية المرتبطة بتحالف وثيق مع دول الخليج. فما أن نددت السعودية بقطر حتى اصطف وراءها حلفاء عرب آخرون، بينهم الإمارات العربية المتحدة، والأردن، والبحرين، ومصر. لكن المملكة المغربية كانت استثناء ملحوظاً باختيارها البقاء على الحياد.

رفض قطر الشروط التي حدّدها السعوديون، والإماراتيون، والمصريون، والبحرينيون في الخامس من تموز/يوليو. وعلى رغم أن المملكة والمقربين منها قد يذهبون إلى أن موقف المغرب ينمّ عن حكمة، ويُبرز متانة العلاقات بين الرباط ومجمل دول الخليج، فهو يشير، في الوقت نفسه، إلى الضغوط التي كان يمكن أن يتعرّض إليها لو أنه انحاز إلى جانب دون الآخر.

حتى الآن، تحاول المملكة المغربية التحوّط وتتلهّف إلى العثور على طريقة للحفاظ على علاقاتها مع كل شركائها. فلو تيّسر لها أن تُبقي على علاقاتها مع قطر من دون أن تُغْضِب السعودية والإمارات، فلن يكون ذلك متّسقاً مع العلاقات التي تحرص على بقائها مع مجلس التعاون الخليجي وحسب، بل يمكن أيضاً أن يُعزّز صدقية السياسات الخارجية التي تتبعها. لكن التفاقم الراهن للأزمة يجعل الحفاظ على هذا التوازن أمراً متزايد الصعوبة.

في 11 حزيران/يونيو، أصدرت وزارة الشؤون الخارجية المغربية بياناً موجزاً أكد على الوشائج القوية التي تربط البلاد بكل دول الخليج، على أساس من "الروابط الشخصية المتينة، والأخوة الصادقة، والتقدير المتبادل بين الملك محمد السادس وأشقائه ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي..."وأبرز البيان أيضاً النداء المُوَجّه من الملك لضبط النفس، مؤكداً على أن المملكة لن تتخذ مواقف قد تفضي إلى "تأجيج الانقسامات وتعميق الخلافات". كما أكد البيان على استعداد المغرب للوساطة بين الطرفين المتخاصمين، وتلاه بيان آخر في الثاني عشر من حزيران/يونيو يذكّر بلدان الخليج بالتزام المغرب جانبهم ومساندته مساعيهم الإقليمية كافة.

في الحقيقة، لطالما كان المغرب شريكاً مخلصاً لبلدان الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. وفي المقابل، استثمرت هذه البلدان بكثافة في المملكة، بل وطُرحت، لفترة قصيرة، إمكانية أن تكون المملكة المغربية عضواً في مجلس التعاون الخليجي إبّان الاضطرابات التي اجتاحت المنطقة في العام 2011 . صحيح أن هذا لم ينته إلى شيء، لكن العلاقات الاقتصادية والسياسية للمغرب مع السعودية وبقية بلدان مجلس التعاون الخليجي واصلت الازدهار.

يقال إن الأجيال الشابة من قادة الخليج – وبينهم ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وولي عهد السعودية الذي جرى ترفيعه أخيرا، محمد بن سلمان - وثيقو الصلة بمحمد السادس. وأشار الملك في خطاب ألقاه في 16 نيسان/أبريل 2016في الرياض إلى أن محمد بن زايد شارك حتى في المسيرة الخضراء في تشرين الثاني/نوفمبر 1975 ، عندما سيطرت المملكة المغربية على الصحراء الغربية، مُستبقة الانسحاب الإسباني. وفي 2015 قلّد العاهلُ المغربي وليَّ عهد أبوظبي محمد بن زايد الوسام المحمدي، وهو الأعلى في المغرب، لجهوده في ترقية العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والمغرب، وهي العلاقات التي يحرص البلدان على التنويه بمتانتها.

من بين أقوى المؤشرات على التزام المملكة المغربية جانب السعودية، استعدادها للانخراط في الحرب في اليمن. فهي ساهمت في الحملة العسكرية بست طائرات إف- 16 ، وشاركت في هجمات على الحوثيين. وكانت شاركت، قبل ذلك، في الائتلاف ضد ما يعرف بالدولة الإسلامية. واستهدفت مشاركة المغرب في حرب اليمن طمأنة السعودية إلى التزامها الموقف السعودي من اليمن، لكن من دون كلفة باهظة. وإذا كانت الحكومة المغربية قد تجنَّبت المبالغة في إبراز هذه المشاركة المحدودة، إلا أن مصرع طيار مغربي سقطت طائرته فوق صعدة في 2015 أطلق جدلاً داخلياً في المغرب لم يستمر طويلا، وإن كان جديراً بالاهتمام، حول حكمة الانخراط في حرب تدور بعيداً عن المغرب، وضد عدو لم يسئ قط إلى المملكة.

مع أن المغرب صديق قديم للسعودية، التي تربطها به وشائج اقتصادية، وسياسية، بل وحتى علاقات عائلية بعيدة بين بعض أعضاء الأسرتين المالكتين في البلدين، إلا أن عدم استعداد الرباط للانحياز إلى أحد الجانبين في النزاع مع قطر دليل على تنامي علاقات الرباط مع الدوحة أيضا. قد لاتكون علاقات المغرب بقطر في مثل اتساع علاقاتها بالسعودية، لكنها تنامت في السنوات الأخيرة وهي مُعززة بقوة تعاون اقتصادي.
فمنذ العام 2011، كان عدد اتفاقات التعاون الثنائي ومذكرات التفاهم يتزايد على نحو مطرد، وتبرز قطر كمستثمر رئيس في المغرب. صحيح أن السعودية والإمارات تبقيان من بين أكبر المستثمرين، لكن قطر ارتفعت في العام 2016 إلى المرتبة الخامسة من حيث صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. لكن الرباط، أظهرت في الوقت نفسه عدم ارتياحها إلى تغطية الجزيرة لعدد من القضايا المتّصلة بالمغرب، وتحديدا الصحراء المغربية. وفي العام 2010 ، أغلقت وزارة الاتصالات مكتب الجزيرة، بصفة موقتة، وألغت تصاريح الصحافيين العاملين فيه، وهو تكتيك كانت استخدمته سابقاً ضد بعض مراسلي المكتب. لكن ذلك لم يفض إلى مزيد من التوتر مع قطر.

وفي حين لعبت العلاقات الاقتصادية دوراً في تردد المغرب في التنديد بقطر، يبدو أن المغرب، على العموم، لايرى في عزل قطر على النحو الذي فعلته الدول الأخرى، أمراً إيجابيا. فمع حرصها على الحياد، بعثت الحكومة المغربية بشحنة أغذية لمواجهة النقص الذي عانت منه قطر بعد بداية المقاطعة التي تقودها السعودية، مبررة ذلك بأنه "تكافل رمضاني". وفي الوقت نفسه، تنقَّل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة بين الدول الخليجية- وتحديدا، بين السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت – مؤدياً دور الوسيط.

مع تواصل الأزمة حول مسألة قبول قطر الشروط العربية، من غير المرجح أن يُقدم المغرب على أمر يمكن أن يتهدد علاقاته بالسعودية. بل إن قراره إرسال سفينة محمّلة بالأغذية إلى قطر جاء، على الأرجح، بعد معايرة ودراسة حذرتين. وشاعت، أخيرا، تكهنات بأن السعودية تمارس ضغطاً على المغرب ليتخذ موقفا، وأنها أظهرت عدم ارتياحها عبر استفزاز مهذّب للمغرب حول مسألة الصحراء الغربية – وهي قضية حساسة في المغرب – في أجهزة الإعلام. قد يكون مصدر هذه التكهنات الإفراط في تأويل ماجاء في برنامج "الحدث"، على قناة "العربية" المملوكة للسعودية، حول الصحراء الغربية. وعلى رغم أن البرنامج لم يبد في الواقع أي موقف عدائي تجاه المواقف المغربية، إلا أنه أشار إلى ذلك الإقليم باعتباره "الصحراء الغربية" وليس "الصحراء المغربية"، وهذا الأخير هو المصطلح المستخدم في المغرب. وأشار البرنامج أيضا، في ما نقله عن مصادر، إلى الجمهورية العربية الصحراوية، موضحاً أن هذه الأخيرة تعتبر المغرب قوة احتلال.

وفيما امتدح برنامج آخر، بثّه تلفزيون أبوظبي، التسامح الديني والثقافي في المغرب، فقد عرض خريطة للمملكة من دون الصحراء الغربية. واعتُبِر ذلك أيضاً إشارة أخرى إلى عدم ارتياح دولة الإمارات إلى موقف المغرب.

لكن هذه القراءات تتجاهل حقيقة أن النفوذ الاقتصادي والسياسي الهائل للسعودية في المغرب يعني أن الأخيرة ليست في حاجة للجوء إلى رسائل مبطّنة أو غير مباشرة، أو إلى هذا النوع من التعبير المكتوم عن السخط، لضمان تأييد المغرب. فالرياض، بالنسبة إلى الرباط، حليف استراتيجي أكثر أهمية من قطر. وإذا اقتضى الأمر أن تطلب الرياض من الرباط أن تكون متعاونة معها، من الأرجح أن تستجيب الأخيرة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.