كارين. إي. يونغ | باحثة أولى مقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن العاصمة
من بين الدول الـ17 في اللائحة السوداء التي وضعها الاتحاد الأوروبي عن "السلطات القضائية غير المتعاونة حيال الأهداف الضريبية"، كانت دولة الإمارات والبحرين الوحيدتين في الواقع الحائزتين على مراكز مالية معتبرة مع سوق الأوراق المالية، وقطاع الخدمات المالية، وصناديق الأسهم الخاصة، وإدارة أصول وثروات خاصة. وكل هذه مراكز مالية عالمية جديدة تعمل كمحاور تجتذب الرساميل الأجنبية التي يمكن بعد ذلك استثمارها عالميا.
تتنافس نيويورك ولندن وفرنكفورت وزيورخ مع هذه المراكز، أو المحاور، الجديدة، كمصدر وهدف لتدفّقات الرساميل. ووفقاً لماكينزي تمثِّل هذه المحاور منذ العام 2007 ثلث الاستثمارات العالمية الإجمالية، كما أنها تعرقل موارد الحكومات الناجمة عن عائدات الضرائب التقليدية. ولذا، وعلى نحو ما، يمكن الإطلالة على اللائحة الأوروبية بكونها عقوبة على هذه المراكز الخليجية بسبب نجاحاتها. وهنا، معروف أن المنامة ودبي هما مركزان متطوران يتمتعان بأنظمة ضريبية "مُستحسنة"، ومن دون ضريبة، أو هي ضريبة ضئيلة على الشركات والأشخاص.
والحال أن المجتمع المالي في دبي على وجه الخصوص فوجئ بهذه اللائحة، لأن هناك إجراءات مالية ضد الإرهاب والتزام جيد جدّاً موضع التطبيق بعد سنوات من التنسيق مع سلطات على غرار وزارة الخزانة الأميركية. ولذلك، المضامين في هذه المرحلة هي في الواقع سياسية وتتعلق بمسألة الاشتهار، خصوصاً أن اللائحة نفسها لاتنطوي على أي آلية عقوبات. فكما هو معروف، تتضمن اللائحة السوداء الناحية الإجرامية، فيما التهمة هنا تتعلّق بمنطقة مالية حرّة منظّمة.
ثيودور كراسيك | مستشار أول في مؤسسة Gulf State Analytics في واشنطن العاصمة
لاريب أن المضاعفات على البحرين والإمارات بعد وضعهما على اللائحة السوداء في الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالملاذات الضريبية، ستكون ثقيلة. فالاتحاد الأوروبي يريد أساساً وقف تدفّق الأموال إلى كلٍ من الأنظمة المالية البحرينية والإماراتية بهدف العثور على المتهربين من الضرائب. ومثل هذه الخطوة تؤثر على مليارات الدولارات التي هي الآن قيد التداول، وتجبر المنامة وأبو ظبي ودبي على تنظيف أنظمتها المصرفية لتحقيق شفافية أكبر أمام الجهات الرقابية والمحققين الخارجيين. علاوةً على ذلك، يعني إدراج البحرين والإمارات ضمن اللائحة السوداء أن المؤسسات المالية فيهما لا تستطيع العمل مع الاتحاد الأوروبي، وهذه الحقيقة بحد ذاتها تضفي طابعاً ملحّاً على الوضع الراهن.
لكي نكون منصفين يجب أن نقول إن كلا البلدين يعملان لتلبية متطلبات الاتحاد الأوروبي، لكن ومع هذا القدر من التأخير بدأ صبر بروكسل ينفد. ثم أن الإعلان عن اللائحة السوداء جاء فيما ينخرط الاتحاد الأوروبي في مفاوضات بريكزيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) ومع اقتراب عام جديد يعج بالمطالب الأمنية والمالية. من جهتها، لاتريد الإمارات، وإلى درجة أقل البحرين، اللتان تروجان للفرص الاقتصادية عبر المناطق الحرة والإبداع، أن تستمر وصمة لائحة الملاذات الضريبية طويلاً بسبب الأضرار التي تتسبّب بها لسمعتهما. ما هو مطلوب على وجه التحديد من كلٍّ من البحرين والإمارات هو الالتزام بمعايير تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح (BEPS ). يذكر هنا أن هذه المعايير هي كناية عن سلسلة من البرتوكولات القانونية الهادفة إلى وقف استراتيجيات تجنُّب دفع الضرائب التي تمارسها الشركات الدولية. وفي حين أن هذه قد تكون مهمة سهلة بالنسبة إلى البحرين من حيث الالتزام بها، إلا أنها يجب أن تُتّخذ في دولة الإمارات في الإمارات السبع، الأمر الذي قد يستغرق وقتاً. وإذا ماوضعنا في الاعتبار الطبيعة الفريدة للنظام المصرفي في دولة الإمارات، سيكون من الأرجح أن تبرز في كل إمارة مستويات مختلفة من الصعوبات في مجال تطبيق معايير الـ(BEPS )، وهذا بالمقارنة مع المستوى الفيدرالي. وهذه ملاحظة نضعها برسم المستقبل حين تبدأ النقاشات حول فرص الاستثمار الخارجية والداخلية في دولة الإمارات.
كريستيان كوتس أولريتشسن | زميل في دائرة الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس
سيعتمد الكثير على ما إذا كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قادرة على الاتفاق حول مستوى ومدى الإجراءات العقابية التي ستفرضها على السلطات القضائية الواردة في اللائحة. وبالتدقيق عن كثب المعاملات المالية التي تتضمن كيانات وأفراداً في البحرين والإمارات، قد نستنتج أنه من غير المحتمل أن يكون لخطوة الاتحاد الأوروبي تأثير كبير على كلفة القيام بأعمال، لا بل ربما تسفر عن محصّلات إيجابية إذا ما عزّزت أكثر أنظمة الرقابة في كلا البلدين. صحيح أن الضغوط السياسية التي سيمارسها الاتحاد الأوروبي على المؤسسات المالية في الدول الأعضاء لحملها على إعادة تقييم علاقاتها المصرفية مع السلطات القضائية المذكورة في اللائحة، إلا أن الأرجح ألا يحدث ذلك لأنه يتوقع أن تقوم دول مثل الإمارات بممارسة ضغوط شديدة وباللعب على التباينات بين الدول الأوروبية. لكن، ومع ما تسبّبت به "أوراق بنما" و"أوراق بارادايس" من دفع للحكومات نحو تشديد المقاربات إزاء التهرّب من الضرائب وغسل الأموال، سيسعى المسؤولون في البحرين والإمارات إلى تقليل أي ضرر قد يلحق بسمعتهما كمراكز مالية إقليمية وملاذات استثمارية.