المصدر: Getty
مقال

هل تردّت حقوق الإنسان في العالم العربي منذ انتفاضات 2011؟ ولماذا؟

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن

نشرت في ٢٢ فبراير ٢٠١٨

سارة لياه ويتسون | المديرة التنفيذية لدائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش

تتلقّى حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضربات مبرّحة منذ العام 2011، على يد أنظمة قمعية مستعدّة لتنهال عليها بكل ما أُوتِيَت من سبل بربرية وتدميرية وغير قانونية، بهدف سحق التطلعات الديمقراطية لمواطنيها. فالحكومات لم تتوانَ عن استخدام العصيّ والهراوات والرصاص لشنّ حملات قمعية واسعة النطاق، وسجن عشرات الآلاف من المواطنين الذين وُسِموا بأنهم معارِضون سياسيون؛ وطال القمع أيضاً الصحافيين والمنظمات غير الحكومية. كذلك، شنّت الحكومات في دول مثل سورية هجمات بغاز السارين وأطلقت الصواريخ ضد شعبها. لكن بارقة الأمل معقودة على مسار لايُمكن عكسه، ويتمثّل في الوعي الجديد الذي بُثّ في نفوس المواطنين، ولاسيما الشباب، الذين باتوا يفهمون حقوقهم الإنسانية الأساسية. ربما تملك الحكومات راهناً اليد العليا في سلب هذه الحقوق، لكن الوضع لن يبقى كذلك إلى الأبد.


 

ميشيل دنّ | باحثة أولى ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

تدهورت أوضاع حقوق الإنسان، السيئة أصلاً، في الشرق الأوسط منذ اندلاع الانتفاضات الشعبية في العام 2011، لكن هذا التدهور لم يكن نتيجة مباشرة لهذه الانتفاضات. الوضع في سورية وحدها يفوق الخيال، مع مقتل نصف مليون شخص، من ضمنهم عشرات آلاف الأشخاص الذين لقوا مصرعهم من جرّاء التعذيب في السجون. وشهد اليمن مقتل 15,000 شخص على الأقل منذ بدء التدخّل العسكري بقيادة السعودية. وقد اتّهم تقرير صدر مؤخّراً عن الأمم المتحدة كل الجهات المنخرطة في النزاع اليمني بارتكاب انتهاكات جسيمة، من ضمنها شنّ ضربات جوية عشوائية، وممارسة التعذيب، وتنفيذ إعدامات من دون محاكمة.

يُضاف إلى كل ذلك أن انتهاكات حقوق الإنسان آخذة بالارتفاع المطّرد حتى في دول تُعتبر مستقرّة راهناً، مثل مصر والبحرين. فالمصريون يتعرّضون منذ انقلاب العام 2013 إلى انتهاكات لحقوق الإنسان تراوحت بين إعدامات خارج نطاق القضاء، والمعتقلين السياسيين، والتعذيب، والإخفاء القسري، وهي ممارسات لم تكن تحدث حتى خلال أحلك فترات عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. والأمر سيّان في البحرين التي كانت أشبه بمنارة للتعدّدية في الخليج، إذ بات يُزَجّ بالقادة السياسيين في السجن ويتعرّضون إلى التعذيب، ويجري التعامل مع الناشطين في مجال حقوق الإنسان وكأنهم أعداء الدولة. ويترافق ذلك في البلدين مع ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين الاستقصائيين والتضييق عليهم.

لكن هل هذا التصعيد في وتيرة الانتهاكات ناجمٌ عن الانتفاضات في حدّ ذاتها، أم هو ردّ الفعل السلبي للأنظمة السلطوية عليها؟ يشي السجلّ الأفضل حالاً (إنما غير المثالي) للحقوق في تونس بأن الاحتمال الثاني هو السبب الصحيح.


 

شبلي ملّاط | محامٍ دولي وبوفسور في القانون، ورئيس شركة محاماة توفّر المشورة القانونية لمكتب الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية منذ العام 2000

تكمن المأساة السورية في صُلب تراجع حقوق الإنسان حول العالم، ويبدو السبب واضحاً للعيان. فقد ارتكب نظام راسخ أعمال قتل جماعي لم يُعاقَب عليها، تبعها عددٌ من التدخلات العسكرية التي سعت إلى الحؤول دون إسقاطه، ما أدّى إلى تنامي التطرّف في صفوف المعارضة السورية. وقد تسبّب هذا المزيج بفرار ملايين السوريين إلى أوروبا في صيف العام 2015، كما أدّى ذلك، في المقابل، إلى تفشّي خوف كبير في جميع أنحاء أوروبا جرّاء موجة الهجرة غير المسبوقة هذه، بلغ ذروته بعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي العملية التي كانت بمثابة تخندق لسكان قلقين من تهديد المهاجرين الفقراء والمعوزين لمستحقاتهم المتضائلة أصلاً. كما عزّز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الشعبوية المتعصّبة في العالم الغربي، وأسفر عن تسلّم قادة لا يؤمنون بحقوق الإنسان السلطة في أوروبا الشرقية والولايات المتحدة. والآن، غالباً ما تُترك قضية الدفاع عن حقوق الإنسان في يد المجتمع المدني الدولي - وفي الطليعة منه المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية- الذي يحرص على إبقاء شعلة هذه الحقوق متقدة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.