المصدر: Getty
مقال

هل ستحدّد إدارة ترامب موعداً ما للإعلان عن خطة السلام الفلسطيني-الإسرائيلي؟

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن.

نشرت في ١٦ أغسطس ٢٠١٨

غسان الخطيب | وزير فلسطيني سابق، ومحاضر في الدراسات العربية المعاصرة والدراسات الدولية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية

لن تعلن إدارة ترامب أبداً عن خطتها للسلام الفلسطيني-الإسرائيلي التي أطلقت عليها اسم "صفقة القرن"، وذلك لسبب أساسي هو إدراكها أن كل الأطراف المعنية غير مهتمّة بها.

فقد أوقف القادة الفلسطينيون كل اتصالاتهم مع المسؤولين الأميركيين في معرض رفضهم الجريء لعزم إدارة ترامب على الإعلان عن الخطة. والسبب الأساسي في ذلك هو اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل وقرارها نقل السفارة الأميركية إلى هناك. إضافةً إلى ذلك، وجّهت دول عربية عدة مؤخراً، ولاسيما الأردن والسعودية، انتقادات رافضة لخطة السلام الأميركية، وخصوصاً للبند الذي ينصّ على أن القدس بكاملها عاصمة لإسرائيل.

الأهم أن التحالف الإسرائيلي الراهن غير متحمّس لتغيير الوضع القائم الذي يسمح لإسرائيل بمواصلة استيطانها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلّة من دون تكبّد أكلاف سياسية وأمنية تُذكر. وعوضاً عن الإعلان عن خطة السلام، يبدو أن إدارة ترامب تسعى إلى أن تحذو حذو إسرائيل، أي إلى تطبيق الأفكار الإسرائيلية بشكلٍ أُحادي، وخير دليل على ذلك الخطوات التي اتّخذتها الولايات المتحدة بشأن قضيّتَي القدس واللاجئين الفلسطينيين.


 

أدريان جولم | مراسل في صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية

إذا صدقت التسريبات، أشكّ في أن يتم الإعلان يوماً عن الخطة التي أعدّتها إدارة ترامب للسلام في فلسطين، على الأقل ضمن شروطها الحالية. فهذه الخطة التي عكف على وضعها كلٌّ من صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، تشوبها عيوب كثيرة.

أوّلاً والأهم أنها لاتحظى بقبول الفلسطينيين. فلن يقبل أي قائد فلسطيني أبداً بالتخلّي عن القدس أو عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. ومع أن الفلسطينيين يدركون جيداً استحالة عودة كل اللاجئين الذين هُجِّروا في العامين 1948 و1967، سيطالبون على أقل تقدير بأن يتم الاعتراف بالخطأ الذي ارتُكب في حقّهم. وتبدو خطة ترامب وكأنها تحاول التخلّص منهم ليس إلا. كذلك، يدرك الفلسطينيون أنهم لن يستعيدوا كامل القدس الشرقية، لكن لا يمكن إنشاء دولة فلسطينية من دون استعادة جزء صغير من المدينة على الأقل.

ثانياً، لاتحظى هذه الخطة بقبول الدول العربية. فمع أن السعودية ودول الخليج الأخرى أقامت علاقات مع إسرائيل ضد إيران وسورية، فيما تدّعي أنها تؤيّد كوشنر، ما من قائد عربي بكامل عقله سيقدّم لإيران انتصاراً دبلوماسياً على طبق من فضّة، عبر تبنّي خطة تسلّم القدس لإسرائيل.

ثالثاً وأخيراً، لن تحظى خطة ترامب على الأرجح بقبولٍ في أوساط الإسرائيليين. ففي الوقت الراهن، يُعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معتدلاً مقارنةً مع معظم وزراء الحكومة الإسرائيلية غير المهتمّين إطلاقاً بإجراء أي مفاوضات مع الفلسطينيين.


 

كريم مقدسي | أستاذ مشارك في السياسات الدولية، ومدير مؤسّس لبرنامج السياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت

تُعتبر "خطة السلام" التي يُعدّها ترامب، مهما كان شكلها، مجرد محاولة أخرى لفرض شروط على الفلسطينين أطلق عليها إدوارد سعيد، على نحو متبصّر، تسمية "فرساي فلسطينية"، في إشارة إلى اتفاقية أوسلو للعام 1993. فقد استندت هذه الأخيرة إلى خديعة، إذ استبدلت بشكل ماكر الإجماع الدولي والمقاربة السياسية القائمة على الحقوق- والمبنية على سياسة مناهضة الاستعمار، ومروحة من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، والقانون الدولي- بمفاوضات ثنائية مباشرة بين طرفين غير متساويين إلى حدٍّ بعيد.

ترتكز خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالياً، بعد تجريدها من المظهر الليبرالي الخادع الذي اتّصفت به اتفاقية أوسلو وذريعة الوساطة الأميركية المحايدة، على الإيديولوجيا المتطرّفة للاستيطان الاستعماري الإسرائيلي التي يتبناها صهره جاريد كوشنر، وعلى الغطرسة الإقليمية للقادة الإسرائيليين والسعوديين. ويبدو أن مكوّن "السلام" المبتذل في الخطة يستند إلى خديعة أخرى سيُطلب من الفلسطينيين على ما يبدو قبولها، وتتمثّل في استراتيجية احتلال أكثر رأفة، وهو ما حاولت اتفاقية أوسلو القيام به وكان مصيره الفشل، ومعه الأحاديث المتداولة عن مكاسب اقتصادية وحكم ذاتي ومساعدات إنسانية. لكن، سيُطلب من الفلسطينيين تخفيض سقف طموحاتهم السياسية الوطنية أكثر حتى مما خفّضته اتفاقية أوسلو. واقع الحال أن كوشنر على الأرجح لايرغب في إجراء مفاوضات بشأن قضايا "الوضع النهائي" على نسق أوسلو. فإيديولوجيته وأنشطته على مدى الأشهر القليلة الماضية تشي بأن خطته قد لا تنطوي على مشروع دولة فلسطينية، وعاصمة فلسطينية (حقيقية) في القدس، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وعودة اللاجئين، وتحقيق المساواة في الحقوق بين اليهود والفلسطينيين. في نهاية المطاف، يبدو أن خطة ترامب-كوشنر ترمي إلى صرف الأنظار عن استيلاء إسرائيل المتواصل على الأراضي الفلسطينية وعن الظروف السائدة التي هي أشبه بنظام الفصل العنصري (الأبارتيد). وتسعى الخطة كذلك إلى تجريد الفلسطينيين من هويّتهم، وكرامتهم، وطموحاتهم السياسية، ووضعهم كلاجئين، وحقّهم في المقاومة. إذاً، تُعدّ هذه الخطة غير ضرورية، سواء أتمّ الإعلان عنها أم لا، ذلك أن المعركة الحقيقية ستُخاض على الأرض.


 

جايك والاس | باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى تونس، والقنصل العام ورئيس بعثة في القدس (2005-2009)

من الصعب توقّع ما الذي يمكن أن تقوم به أكثر الإدارات الأميركية تقلّباً. مع ذلك، يبدو من المستبعد إلى حدّ كبير أن تعلن عن خطة سلام متكاملة كأساس للمفاوضات، في وقت تقترب فيه إسرائيل من إجراء انتخابات الكنيست في العام 2019، ويقاطع الفلسطينيون واشنطن، ويصرّح السعوديون بأنهم لن يدعموا أي خطة لا تتضمن الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً لفلسطين. كل العوامل الآنف ذكرها تُنبئ بفشل مؤكد.

أما الاحتمال الأكثر ترجيحاً فيتمثّل في الإعلان تدريجياً عن رؤية إدارة ترامب لأبرز قضايا الوضع الدائم. وهي باشرت القيام بذلك في كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما أعلنت عن دعمها للقدس عاصمةً لإسرائيل، واستمرت في ذلك في الآونة الأخيرة من خلال اعتماد نهج المواجهة مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واقتراحاتها لإيجاد تعريف جديد لوضع اللاجئين الفلسطينيين. وقد نشهد المزيد من الخطوات المماثلة خلال العام المقبل، ولاسيما حول قضايا متعلقة بأراضي الضفة الغربية، في ظل سعي الإدارة إلى إعادة صياغة قضية رئيسة أخرى بما يصبّ في صالح إسرائيل في الفترة التي تسبق الانتخابات الإسرائيلية التي ستُجرى في العام المقبل.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.