المصدر: Getty
مقال

ازدواجية حقوق الإنسان

تُدين واشنطن أعداءها في الشرق الأوسط على انتهاكاتهم، لكنها تمنح ضوءاً أخضر لأصدقائها.

نشرت في ١٤ سبتمبر ٢٠١٨

غرّد دونالد ترامب مستخدماً عبارة "حقوق الإنسان" أربع مرات خلال رئاسته. وهذه المرات الأربع جاءت على امتداد ثلاثة أيام متتالية كان أوّلها ليلة رأس السنة لعام 2017 (هنا، هنا، هنا، وهنا)، وكانت إيران المستهدَفة في جميع هذه التغريدات.

لم تنتهِ هجمات إدارة ترامب على سجل إيران في حقوق الإنسان عند هذا الحد. ففي أيار/مايو الماضي، فرض وزير الخزانة الأميركي ستيف منوشين، سلسلة جديدة من العقوبات على القادة الأمنيين الإيرانيين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والرقابة، مشيراً إلى أن "أميركا تقف إلى جانب الشعب الإيراني". وكثيراً مايسلّط وزير الخارجية مايك بومبيو الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وبلغ الأمر ذروته في خطاب ألقاه في 22 تموز/يوليو بعنوان "دعم الأصوات الإيرانية". بالفعل، اختارت إدارة ترامب التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران كدعامة محورية في حملتها ضد الجمهورية الإسلامية. بيد أن تخصيص إيران من دون سواها، مع إشاحة النظر عن انتهاكات أسوأ في أماكن أخرى يحمل في طيّاته خطر التسبب بأضرار حقيقية.

لاجدال في أنه لإيران سجلٌّ مشين في حقوق الإنسان. فخلال العام المنصرم، سحقت الأجهزة الأمنية الإيرانية المعارضة الشعبية، ما أسفر عن وفاة متظاهرين سلميين في السجون. كذلك، تضطهد السلطات المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحافيين، والنشطاء، والمثليين والمثليات وثنائيي الميول الجنسية والمتحوّلين جنسياً، والأقليات الدينية، فضلاً عن النساء اللواتي يتظاهرن ضد الحجاب الإلزامي. وتجدر الإشارة  إلى أن نسَب إعدام السجناء هي من الأعلى في العالم، بما في ذلك إعدام الأحداث وأشخاص آخرين يُحرَمون من الإجراءات القانونية الأساسية. وقد ساهمت إيران في الفظائع التي شهدتها سورية من خلال دعمها العسكري للرئيس بشار الأسد والمساعدات التي تُقدّمها للميليشيات الشيعية المختلفة.

السياسة الخارجية عملٌ فوضوي. فاتخاذ القرار حول الطريقة التي يجب التحدث بها عن حقوق الإنسان هو من أصعب أفعال التوازن التي تواجهها الحكومات الديمقراطية. تعتمد حكومات مختلفة مقاربات مختلفة، مع العلم بأنها تكون عادةً أشدّ صرامة مع الأعداء منه مع الأصدقاء. يعود جزءٌ من الجاذبية الدبلوماسية التي تمارسها روسيا والصين بالنسبة إلى الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط، إلى أنهما، وخلافاً للأوروبيين أو الأميركيين الشماليين، لاتُحاضران عن حقوق الإنسان.

أظهرت إدارة ترامب، لدى تسلّمها سدّة الحكم، رغبة في تغيير المعايير الدبلوماسية. فقد أكّد ترامب، في خطاب تنصيبه، على أن الولايات المتحدة لن تسعى بعد الآن إلى "فرض نمط حياتنا على أحد". أثنى بعض المراقبين الخارجيين على المقاربة الوطنية للإدارة الجديدة معتبرين أنها أكثر صدقاً من سابقاتها، ولاسيما عند مقارنتها مع السجل المتفاوت للجهود الأميركية الهادفة إلى نشر الديمقراطية، والتي غالباً ماتعود بنتائج عكسية.

لكن في الممارسة، عنى هذا السلوك المتغاضي تحولاً مقلقاً نحو السلطويين. لقد أشاد ترامب بقادة من روسيا والسعودية والفيليبين، وحتى كوريا الشمالية، فيما أبدى ازدراء لحلفاء أميركا التقليديين.

للوهلة الأولى، تبدو إدارة ترامب وكأنها قلقة على حقوق الإنسان في إيران دون سواها من الدول. بيد أن الخشية على خير الإيرانيين لاتنسجم مع حظر السفر الذي فرضه ترامب، وكان الهدف منه في الأصل "منع هجرة المسلمين". لقد أُدرِج المواطنون الإيرانيون في جميع قرارات حظر السفر الصادرة في العام 2017. وأُعفيَت فئات قليلة من المسافرين من الحظر، منهم 12000 طالب إيراني مشاركين في برامج تبادل، في أحدث تجليات قرار حظر السفر، مع العلم بأنهم لايزالون يخضعون لتفتيش مشدّد. ومن غير المرجّح أن تؤدي إعادة فرض العقوبات التي تهدف إلى دفع الاقتصاد الإيراني نحو الانهيار، إلى المساهمة في تحقيق التطلعات الديمقراطية الإيرانية.

غالب الظن أن هذا الاستخدام الوقح لحقوق الإنسان سيتسبب، لسوء الحظ، بإلحاق مزيد من الأضرار بالمعايير المتّبعة في مجالات أخرى، في لحظةٍ تشتدّ فيها السلطوية. فهو يؤشّر إلى أن إدارة ترامب تنظر بشكل أساسي إلى حقوق الإنسان على أنها أداةٌ يجب استغلالها في الضغط على طهران. أسوأ من ذلك أن الرسالة لحلفاء أميركا السلطويين واضحة: مادمتم تقولون أشياء جميلة عن دونالد ترامب، لكم كامل الحرية بقمع شعوبكم كما يحلو لكم.

لقد أشاد ترامب بالديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ-أون واصفاً إياه بأنه "محترم جدّاً"، مع العلم بأنه يحكم دولة أشبه بمعسكر اعتقال. وأعلن بحماسة أن الرئيس الفيليبيني رودريغو دوترتي قام بـ"عمل لايُصدَّق لمعالجة مشكلة المخدرات"، على الرغم من أن حكومته اتُّهِمت بتنفيذ آلاف عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء.

ولنتوقف عند مصر والسعودية اللتين تُعتبَران من الشركاء الأقرب إلى ترامب في العالم العربي. لقد أشرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الذي "قام بعمل مدهش"، وفقاً لترامب) على توقيف آلاف السجناء من دون محاكمة، وإغلاق مئات المنظمات غير الحكومية والمواقع الإلكترونية. في العام 2017، علّقت وزارة الخارجية الأميركية مساعدات أمنية أميركية بقيمة 195 مليون دولار أميركي، مشيرةً إلى ارتفاع مستويات القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. لكن في تموز/يوليو، عدل بومبيو عن القرار، متحدّثاً عن تحسينات غير محدّدة ومشكوك فيها. لقد تبدّد أيّ تأثير يُحتمَل أن تكون المساعدات الأميركية قد امتلكته من قبل. فقد منحت إدارة ترامب مصر شهادة حسن سلوك.

السبت الفائت، أصدرت محاكم مصرية حكماً بإعدام 75 شخصاً على خلفية دورهم في احتجاجات العام 2013 التي خرجت عن السيطرة في ميدان رابعة في القاهرة. وعلى الرغم من أن القوى الأمنية قتلت مئات المتظاهرين في أعمال العنف التي اندلعت آنذاك، لم يمثل أي عنصر من القوى الأمنية أمام القضاء.

وفي السعودية، يتواصل تطهير المعارضين الذي بدأ الخريف الماضي. لقد سلّطت الحكومة السعودية الضوء على قرارها بالسماح للمرأة بالقيادة، بيد أن هذه الخطوة تزامنت مع توقيف اثنَي عشر ناشطاً سعودياً معظمهم من المدافعين عن حقوق المرأة. ويطلب المدّعي العام عقوبة الإعدام للشيخ المرموق سلمان العودة الذي وجّه انتقادات للأسرة الحاكمة. في غضون ذلك، استمرت إدارة ترامب في تقديم مساعدات عسكرية للحملة السعودية والإماراتية في اليمن، على الرغم من المخاوف المتزايدة التي يعبّر عنها مسؤولون في الأمم المتحدة من أن الهجمات التي يشنّها التحالف ضد المدنيين ربما تندرج في إطار جرائم الحرب.

قال بومبيو في خطابه في 22 تموز/يوليو: "أودّ أن أوجّه رسالة إلى الشعب الإيراني: الولايات المتحدة تسمعكم؛ الولايات المتحدة تدعمكم؛ الولايات المتحدة تقف إلى جانبكم". قد يسأل المواطنون في مصر والسعودية وميانمار وكوريا الشمالية وبلدان أخرى إذا كانت الولايات المتحدة تقف إلى جانبهم أيضاً.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.