في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد عن تعديل حكومي واسع النطاق هو الثالث من نوعه منذ تسلّمه منصبه في آب/أغسطس 2016. وقد شهدت الحكومة الجديدة، التي منحها البرلمان الثقة في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، استبدال ثلاثة عشر وزيراً وخمسة كتّاب دولة في ماوصفه الشاهد بأنه مسعى لتسريع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تعاني من الركود.
أثار التعديل، منذ البداية، سجالاً. فقد بادر المتحدث باسم الرئيس باجي قائد السبسي، أولاً، إلى توجيه انتقادات إلى الشاهد لعدم إقدامه، مسبقاً وبالطريقة المناسبة، على إبلاغ الرئيس بماهو مزمعٌ عليه. في حين أن الدستور ينص بوضوح على أن رئيس الحكومة مسؤول عن "إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة"، وعلى أنه ليس ملزَماً بالتشاور مع رئيس الجمهورية إلا "إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع"، فالقرار الذي اتخذه الشاهد بإجراء هذا التعديل من دون الحصول أولاً على موافقة قائد السبسي، دفع بالبعض إلى التشكيك في دستورية الخطوة. حتى إن بعض الأعضاء في حزب نداء تونس الذي ينتمي إليه الرئيس ورئيس الحكومة، وصفوا الخطوة بأنها "انقلاب".
علاوةً على ذلك، أثارت الخطوة سجالاً على خلفية تعيين وزيرَين بارزين هما: رينيه الطرابلسي، كوزير للسياحة، وهو أول وزير يهودي منذ الانتفاضة في العام 2010، والثالث منذ الاستقلال في العام 1956؛ وكمال مرجان، كوزير للوظيفة العمومية الذي تولّى حقيبتَي الدفاع والخارجية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. لقد أثار تعيين الطرابلسي انتقادات شديدة على المستوى الوطني، إذ ينظر إليه بعض التونسيين على أنه عميلٌ لإسرائيل، في حين دعا آخرون (منهم أعضاء في حزب النهضة) التونسيين إلى قبول الطرابلسي انطلاقاً من أنه تونسي أولاً، وتجاهُل ديانته. ويُوجّه تعيين مرجان، بدوره، رسالةً إلى وجوه النظام السابق الذين يشكّلون شريحة كبيرة من الأعضاء في حزب نداء تونس، ومفادها أنه مرحَّب بهم في معسكر الشاهد.
ليس التباعد بين الرئيس ورئيس الوزراء إحدى نتائج التعديل الحكومي، بل هو السبب الأساسي وراءه. فقد تورّط الشاهد في معركة علنية وقذرة مع نجل الرئيس وزعيم نداء تونس، حافظ قائد السبسي. فقد طالب الوالد وابنه تكراراً بتنحّي الشاهد من رئاسة الوزراء، ومؤخراً عمد حافظ إلى تعليق عضوية الشاهد في نداء تونس. ثانياً، يأتي التعديل الحكومي بعد إعلان الرئيس بأنه أنهى التوافق الذي دام خمسة أعوام بين حزبه، نداء تونس، وحزب النهضة، بسبب الخلاف بين النهضة وقائد السبسي على خلفية تنحية الشاهد.
أدّت المعركة على النفوذ بين آل قائد السبسي والشاهد إلى انقسام الطبقة السياسية التونسية وتسببت بعرقلة قدرات الحكومة والبرلمان على تطبيق سياسات أساسية من أجل معالجة أوضاع الاقتصاد الكلي التي تطرح مشاكل متزايدة. وهكذا يسعى الشاهد وأنصاره، من خلال هذا التعديل الحكومي، إلى تحقيق نصر سياسي لرئيس الوزراء في مواجهة حافظ والآخرين في نداء تونس.
هل ستعود هذه الخطوة بثمارها؟ لقد سجّل الشاهد نقاطاً في مرمى خصومه السياسيين. فالتصويت في مجلس النواب على التعديل الوزاري بأغلبية ساحقة (130 صوتاً، أي أكثر من الأصوات الـ109 المطلوبة لصالح إقرار التعديل)، أظهر أن آل قائد السبسي، وعلى الرغم من مقاطعتهم للجلسة، لم يتمكّنوا من إقناع عدد كافٍ من النواب بالتصويت ضد الحكومة الجديدة. وقد وجّه نداء تونس إنذاراً إلى وزرائه للاختيار بين الحفاظ على عضويتهم في الحزب أو البقاء في الحكومة، مع تحذيرهم بأنه لايمكنهم البقاء في الاثنَين معاً. وقد تكبّد الحزب الذي عرف نزفاً لنوابه خلال الأزمة السياسية بين الشاهد وحافظ قائد السبسي، خسائر إضافية عندما اختار وزيران وكاتبا دولة الاستقالة من الحزب الحاكم للبقاء في الحكومة. وهكذا، يتحوّل نداء تونس، الذي كان في مامضى الحزب الأكبر في مجلس النواب (مع 86 مقعداً من أصل 217)، إنما لديه الآن 46 نائباً فقط، إلى حزب معارِض هامشي في مجلس النواب لايمتلك سلطة فعلية في صنع القرارات.
كذلك ساهمت الحكومة الجديدة في تمكين النهضة، الخصم التقليدي لحزب نداء تونس، عبر منحه ثماني حقائب – أربع وزارات وأربع كتابات دولة.* واللافت هنا هو دخول حزبَين علمانيين، هما مشروع تونس ومبادرة، إلى الحكومة لأول مرة، مع حصول كل منهما على حقيبتَين وزاريتين.
على مشارف الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2019، يرسم التعديل الوزاري معالم التحالفات السياسية من جديد. فبعد أشهر من الصراع السياسي بين آل قائد السبسي والشاهد من جهة، وبين آل قائد السبسي والنهضة من جهة ثانية، الرابحان الأساسيان في هذه الصراعات هما الشاهد والنهضة، في حين يعاني نداء تونس من عزلة غير مسبوقة.
لقد أقدم الشاهد، الذي اعتبره كثرٌ دمية في يد الباجي قائد السبسي، لدى تعيينه رئيساً للوزراء في آب/أغسطس 2016، على مجازفة كبيرة عبر الخروج من ظل الرئيس وإنشاء تحالفات قوى جديدة من دون موافقة الأخير. وفيما يقترب موعد انتخابات 2019، قد تترتّب عن مناورات الشاهد نتائج دائمة على مستقبل تونس. كما شكّلت أيضاً اختباراً لافتاً لترشّحٍ محتمل للشاهد في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. إنما يبقى أن نرى إذا كان رئيس الوزراء سيخرج من هذه الواقعة قائداً قوياً ومستقلاً قادراً على أن يخطو بالبلاد نحو الأمام، أو في صورة مَن يسعى خلف تحقيق مكاسب سياسية شخصية من دون إيلاء قدر كافٍ من الاعتبار للشعب التونسي.
بيد أن التعديل الوزاري قد يتسبب بالضرر أكثر منه بالفائدة. فالبلاد يفصلها أقل من عام عن الانتخابات الوطنية، ولذلك سوف يُظهر معظم السياسيين تردداً في تطبيق إصلاحات لن تعود بثمارها إلا بعد العام 2019. كما أن التعديل الوزاري تسبّب بتصاعد وتيرة المشاحنات الحزبية داخل الحكومة. وهكذا، فإن التونسيين الذين يشهدون على تراجع مستوياتهم المعيشية منذ العام 2011، هم ضحايا هذه اللعبة السياسية، وستتواصل معاناتهم ويتعرّضون لمزيد من الخيبات بسبب العملية السياسية بعد العام 2011.
من غير المرجّح أن يقود التعديل الوزاري إلى تحسينات اقتصادية مهمة على المدى القصير، غير أنه يبدو أن هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها الشاهد أبقته في السلطة – في الوقت الراهن.
*تم تعديل هذا المقال لأن النسخة السابقة منه تضمّنت معلومات غير دقيقة.