كارين يونغ | باحثة مقيمة في معهد إنتربرايز الأميركي. تركّز أبحاثها على الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط، ومجلس التعاون الخليجي، وشبه الجزيرة العربية
لا أعتقد أن قطر "تعود" بقدر ما هي "تلكز"، لأنها عادةً لاتهتم أو تؤثّر في لبنان بالطريقة التي تؤثّر بها السعودية. وفي هذا الإطار، يُعتبر شراء السندات اللبنانية، (وهو إجراء لم يعد له الآن أكثر من وضعية الخُردة)، خطوة انتهازية. إذ كان من الواضح أنه استثمار خفيض الكلفة (لا بل ربما كان أيضاً بائساً) لشراء حسن النية في لبنان، في وقت لم تُظهر السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤشرات عن استعدادها لدعم هذا البلد.
بالطبع، خطوة الشراء القطرية هذه حفّزت السعودية ووزير ماليتها محمد الجدعان على الالتزام لفظياً بتقديم الدعم المالي للبنان. وهنا يجب أن نذكر أن ثمة منحى أوسع من التدخل المالي الخليجي (في شكل ودائع مباشرة للبنك المركزي، والتزامات استثمارية، ونقل نفط وغاز) في المنطقة وخارجها (بما في ذلك القرن الأفريقي وباكستان)، بهدف شراء الولاء، إنما أيضاً لإجراء تجارب على تصدير نماذج التنمية الخليجية التي تتمحور حول الدولة وتدرّ الأرباح على الشركات المرتبطة بها، والتي تكون في الغالب شخصانية لإرساء روابط بين القادة. وهذا يشكّل طيّاً لصفحة التمويل التنموي التقليدي مع آليات شروطه التي استُخدمت في السابق لدفع الحكومات إلى تطبيق بعض الإصلاحات البنيوية.
هشام ملحم | معلّق سياسي في صحيفة "النهار"، وزميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن العاصمة
قرار قطر باستثمار 500 مليون دولار في أسهم الحكومة اللبنانية، هو أحدث محاولة سياسية للتفوّق في المناورات على خصمها اللدود السعودية، في بلد أدّى فيه سوء الحسابات والعجرفة السعوديين إلى خلق فراغ، الأمر الذي حفّز الدوحة على محاولة ملئه بالطريقة القديمة، أي عبر الدفع نقداً. والحال أن القيادة السعودية تعتبر لبنان بمثابة ثقب أسود لا يخرج منه أي مردود سياسي للمساعدات المالية، ولذا لا يرجّح أن تحذو حذو خطوة الإسعاف القطرية هذه.
ثم: علينا أيضاً ان نُطل على صلية قطر هذه في سياق هجومها الإقليمي لتحسين دفاعاتها ضد الحصار الذي تفرضه عليها السعودية والإمارات العربية المتحدة وحلفائهما منذ العام 2017. وهي تنشط الآن لموازنة هذا التحالف ضدها عبر نسج علاقات قوية مع بلدان مثل العراق والأردن والسودان. كما تحاول قطر أيضاً اغتنام الامتعاض الذي شعر به العديد من اللبنانيين في العام 2017، حين استدعى السعوديون رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الرياض وأجبروه على تقديم استقالته، بعد اتّهامه بالفشل في كبح جماح النفوذ الإيراني في لبنان.
كريستيان كوتس أولريخسن | باحث في قضايا الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس
كان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واحداً من بين حفنة من رؤساء الدول الذين شاركوا في القمة العربية الاقتصادية والتنموية التي عُقدت مؤخراً في لبنان، وأيضاً الممثّل الوحيد من الدول الخليجية الغنية بالطاقة. وتشكّل مشاركة الشيخ تميم تجسيداً لسياسة تطبّقها قطر منذ أمد بعيد، وهي البحث عن حلول عربية للمشاكل العربية. كما تُعتبر هذه الخطوة تكملةً للنهج الذي اتّبعه كلٌّ من والد الشيخ تميم وسلفه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ووزير خارجيته لمدّة طويلة الشيخ حمد من جاسم آل ثاني، خلال التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة. إن الحصار الذي فرضته أربع دول إقليمية على قطر، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حرّرها من القيود المتمثّلة في اضطرارها للاصطفاف إلى جانب المصالح السعودية أو الإماراتية الأضيق في مجلس التعاون الخليجي، كما أفسح في المجال أمام القطريين لاتّباع مقاربة عروبية حيال التطورات الإقليمية.
كريم طرابلسي | محرّر وكاتب في صحيفة "العربي الجديد" ومقرّها لندن
ازدادت قطر ثقةً بالنفس بعد فشل الحصار الذي فُرض عليها بقيادة المملكة العربية السعودية، فباتت تسعى إلى الاضطلاع بدور حازم في المنطقة، وإلى استعادة بعض من النفوذ الذي فقدته خلال سنوات الانتفاضات العربية بدءاً من العام 2011. وقطر تبدو مهتمّة كذلك باستعادة الدور الذي لعبته كوسيط قبل العام 2011. لذا، ينبغي دراسة خطواتها في لبنان وغزة وأفغانستان والسودان في الآونة الأخيرة في هذا السياق.
أدّت المقاربة القاسية التي اتّبعتها السعودية تجاه لبنان في ظل حكم ولي العهد محمد بن سلمان إلى نتائج عكسية، إذ خلت الساحة اللبنانية أمام قطر. وإضافةً إلى إحراز نصر سياسي على الرياض، تريد قطر على الأرجح الحفاظ على رصيدها من القوة الناعمة في بيروت، باعتباره استثماراً طويل الأمد في دولة استراتيجية تُعتبر على نطاق واسع أنها بوابة لإعادة إعمار سورية. إذن، تحتلّ قطر مكانة جيدة نظراً إلى تاريخها في توفير المساعدة إلى لبنان ودورها كوسيط سياسي في البلاد، ما يجعلها نوعاً ما على مسافة واحدة من معظم الأفرقاء اللبنانيين.
مهى يحيَ | مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط
لا أعتقد ذلك. إن زيارة أمير قطر إلى لبنان، التي استغرقت يوماً واحداً خلال القمة العربية الاقتصادية والتنموية، لم تفعل شيئاً سوى ملء الفراغ المتمثّل في الغياب الفاقع لمعظم القادة العرب، ولاسيما العاهل السعودي. وقد أعطى تعهّد قطر بشراء سندات حكومية بقيمة 500 مليون دولار أملاً بأن زيارة الأمير تميم هي تعبيرٌ عن دعم قطر الواضح للبنان الذي يشهد أزمات اقتصادية وسياسية متنامية، فيما تقبع ساحته السياسية المحلية رهينة موازين القوى الإقليمية والطموحات الشخصية لقادته. كما أن عجز لبنان عن تأليف الحكومة أدّى إلى تقويض إيمان المواطنين بمؤسسات البلاد، وإلى إضعاف ركائزها الاقتصادية والمالية. لكن، لو أرادت قطر حقاً دعم لبنان، لعمدت إلى إيداع مبلغ 500 مليون دولار في مصرف لبنان المركزي بفائدة مخفّضة. أما شراء السندات فسيعود عليها بمعدّلات فائدة مرتفعة، ما يضمن لها تحقيق أرباح جيدة في المدى القصير.