المصدر: Getty
مقال

المغرب يستدير جنوباً

زادت الرباط دعمها لدول الساحل، أملاً في تحقيق مكاسب على مستويات عدّة.

نشرت في ٢٨ يناير ٢٠١٩

في الأشهر الأخيرة، عزّزَ المغرب دعمه للمجموعة الإقليمية المعروفة بـ"دول الساحل الخمس". تهدف المملكة، من خلال إقدامها على هذه الخطوة، إلى التنافس مع الجزائر على النفوذ في الساحل وباقي القارة الأفريقية، كما تسعى إلى الإفادة من أي دعم عسكري أو اقتصادي يمكن أن تُقدّمه البلدان الغربية أو العربية للمنطقة – بما في ذلك تعهّدات بالدعم المالي من السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تُعتبران الحليفتَين العربيتين الأقرب إلى المغرب. فضلاً عن ذلك، تريد المملكة أداء دورٍ أساسي في التركيز الأوروبي على أمن الساحل واستقراره، نظراً إلى تبعات ذلك على الهجرة.

هناك أيضاً مكاسب استراتيجية محتملة. فأحد أكبر التحديات التي تعترض الجهود المغربية للانضمام من جديد إلى القارة الأفريقية على الصعيد السياسي، هو غياب الثقة بين الرباط وبين عدد كبير من الدول الأفريقية. فالعلاقات المغربية مع الدول الأفريقية في حقبة مابعد الاستعمار لم تكن، على امتداد عقودٍ، وثيقةً بقدر علاقات هذه الدول مع الجزائر مثلاً. وحتى الآونة الأخيرة، كان الدعم الأفريقي لاستقلال الصحراء الغربية مصدراً للتشنّجات بين المغرب وجزء كبير من القارة الأفريقية – ولاسيما على المستوى المؤسّسي حيث لاتزال القوى الأفريقية المهيمنة تُبدي حذراً في تعاطيها مع المغرب.

لمواجهة هذا الواقع، سعى المغرب إلى تحسين علاقاته الثنائية مع البلدان الأفريقية، ولاسيما في غرب أفريقيا والساحل، حيث يحافظ منذ وقت طويل على روابط قائمة على القوة الناعمة. الانخراط مع مجموعة دول الساحل الخمس هو وسيلةٌ يُبرهن المغرب من خلالها للقارة الأفريقية أنه داعِمٌ للأولويات الأمنية الأساسية في أفريقيا – وليس أقلّه في الفناء الخلفي للجزائر – ولرؤية الاتحاد الأفريقي المتمثّلة بالعمل على تعزيز السلام والتعاون الإقليميَّين. وتُتيح مجموعة دول الساحل الخمس فرصةً إضافية، لناحية أنها استبعدت الجزائر من العضوية الرسمية، وذلك على النقيض من المبادرات الإقليمية الأمنية السابقة التي قادتها الجزائر أو عملت على ترويجها داخل الاتحاد الأفريقي.

النتيجة الإيجابية الأكثر احتمالاً التي يمكن أن يُحقّقها المغرب من انخراطه مع دول الساحل الخمس، هي تحسين العلاقات مع موريتانيا التي لطالما جمعتها علاقات متفاوتة مع الرباط. ويمكن أن يعود الانخراط أيضاً بمنافع على مستوى العلاقات مع دول الساحل كافة، وربما يُمكِّن المغرب من الانضمام مستقبلاً إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهي مجموعة إقليمية مؤلَّفة من خمس عشرة دولة بذلت المملكة جهوداً حثيثة للانضمام إليها.

عموماً، الدعم المغربي لمجموعة دول الساحل الخمس يُعتبر مقاربة متدنّية المخاطر نسبياً، الهدف منها ترقية نطاق الأهداف المغربية الأوسع في أفريقيا. كما أنه يُتيح للمملكة أن تصبح قوة فاعلة أمنية استراتيجية، نظراً إلى أنه ليس بمقدور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القيام بتدخل عسكري مباشر. وهنا، يرتدي التعاون المغربي في مكافحة الإرهاب والتصدّي للتطرف العنفي قيمة كبيرة، إذ يمنح المغرب وسيلةً إضافية لممارسة تأثيرٍ، في مسألة الصحراء الغربية، لدى واشنطن وبروكسل، اللتين تواجهانه بتحدّيات دبلوماسية وقانونية على خلفية السيطرة التي يُمارسها على المنطقة بحكم الأمر الواقع.

المساهمتان الأساسيتان اللتان يُقدّمهما المغرب لمجموعة دول الساحل الخمس هما التدريب العسكري والديني. فعلى الجبهة الأمنية، أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في أيلول/سبتمبر 2017، أن المغرب سيساعد مجموعة دول الساحل الخمس على إدارة الأمن الحدودي، وقطعَ وعداً بالمساعدة على التصدّي للتعاليم الإسلامية المتشدّدة في المنطقة بصورة عامة. وقد حضر مندوبون من المغرب المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول الساحل الذي عُقِد في بروكسل في شباط/فبراير 2018، والذي سلّط بوريطة خلاله الضوء على عدد من مجالات التعاون، منها ضبط الحدود، والأمن الغذائي، والتنمية الاجتماعية، والتدريب العسكري، والتدريب الديني للأئمة. وفي حزيران/يونيو 2018، تعهّد المغرب بدعم القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس التي تُركّز عملياتها على مكافحة الإرهاب والتصدّي للجريمة العابرة للحدود.

يعمل المغرب، منذ وقت طويل، على تدريب عدد كبير من العناصر والقادة العسكريين في دول الساحل الخمس، ومنهم الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز. كذلك تدرّبَ قائد القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، الفريق حننا ولد سيدي، وهو أيضاً موريتاني، في الأكاديمية الملكية العسكرية في مكناس. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أوردت صحف محلية أن أكثر من 1300 ضابط أجنبي – أكثريتهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء – يتلقّون تدريباً عسكرياً وتقنياً في المغرب.

يمتد التأثير الديني للمملكة إلى الساحل نظراً إلى الروابط التاريخية للمنطقة مع سلاطنة المغرب. وقد عمدت الرباط مؤخراً إلى إضفاء طابع رسمي على هذا التعاون في إطار دعمها لمجموعة دول الساحل الخمس، ونظّمت في هذا السياق برامج دراسية لقادة دينيين من الساحل وغرب أفريقيا في إطار ماتُسمّيه "الدبلوماسية الدينية". وهذا يضمن بقاء المغرب في مقدّمة الجهود الأمنية والمساعي الهادفة إلى مكافحة الإرهاب في الساحل، وربما، في نهاية المطاف، في أفريقيا بكاملها وأبعد منها. وكان معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات في الرباط قد قام بتدريب مئات الأئمة من الساحل وغرب أفريقيا.

التعاون خارج إطار الأمن

كذلك، تطوّرَ التعاون بين المغرب ومجموعة دول الساحل الخمس خارج إطار المسائل المتعلقة بالأمن. فالجامعات والمؤسسات التربوية المغربية هي وجهة أساسية للطلاب القادمين من غرب أفريقيا والساحل، وسوف تتوسّع هذه النزعة حكماً. كذلك يريد المغرب أن يؤدّي دوراً مهماً في مجال الطاقة. خلال اجتماع مجموعة دول الساحل الخمس في كانون الأول/ديسمبر 2018، أعلن رئيس الوزراء سعد الدين العثماني عن خطط مغربية لدعم برنامج الاستثمارات ذات الأولوية. تنوي الرباط إتاحة الوصول إلى خبراتها في الكهرباء وإدارة المياه من خلال الوكالتَين الأبرز المملوكتَين من الدولة المغربية والمتخصّصتَين في الطاقة المتجددة، وهما الوكالة المغربية للطاقة المستدامة والوكالة المغربية لكفاءة استخدام الطاقة، بغية تأمين التيار الكهربائي لدول الساحل التي تعاني من نقص في هذا المجال.

خلال الأعوام القليلة الماضية، استهدف الجزء الأكبر من المساعي الدبلوماسية والاقتصادية التي يبذلها المغرب دول غرب أفريقيا والساحل، نظراً إلى قربها الجغرافي وروابطها التاريخية والثقافية مع المملكة. فالعلاقات بين المغرب وتشاد تنمو منذ العام 2013، عندما أرست الرباط لأول مرة وجوداً دبلوماسياً في نجامينا، كما يُشكّل التعاون الأمني الثنائي أحد الجوانب المهمة في هذه العلاقات. كذلك عملت الدولتان على تعزيز التعاون بينهما في مجالات أخرى، آخرها ندرة المياه والصرف الصحي والإدارة.

التعاون المغربي مع النيجر أقدم عهداً. فقد دعم النيجر الاقتراح الذي تقدّم به المغرب للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفي العام 2017، وقّعت الدولتان ستة عشر اتفاقاً للتعاون الثنائي. كذلك أبرم المغرب والنيجر اتفاق شراكة حول مجموعة من المسائل الاقتصادية والاجتماعية في تموز/يوليو 2018، مع التركيز تحديداً على وظائف الشباب والتغيّر المناخي.

بوركينا فاسو هي أيضاً من الشركاء الأفارقة الأقرب إلى المغرب. فقد وقّع البلدان عشرات الاتفاقات الثنائية، والمغرب مستثمِر ناشط في قطاعَي المصارف والاتصالات السلكية واللاسلكية في بوركينا فاسو. كذلك دعمت واغادوغو السعي المغربي للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب آسيا. ومالي هي أيضاً شريك تجاري مهم للمغرب، وتجمع بين البلدَين روابط دينية وثقافية قائمة منذ وقت طويل، ويعمل المغرب أيضاً على توسيع التعاون الثنائي معها. ولهذه الغاية، وقّع ستة اتفاقات معها، منها اتفاق تعاون عسكري، في آذار/مارس 2018.

الاستثناء الأساسي في العلاقات الإيجابية مع دول الساحل هو موريتانيا. فقد تأرجحت العلاقات بين البلدَين، تاريخياً، بين التعاون الوثيق وفتراتٍ من التشنّج. لطالما تسببت الخلافات حول الصحراء الغربية ووجود منتقدين للنظام الموريتاني في المغرب، بعرقلة العلاقات المغربية-الموريتانية. وقد تدهورت العلاقات في الأعوام الأخيرة في عهد محمد ولد عبد العزيز، غير أن المغرب بذل مؤخراً جهوداً لتحسين الأوضاع، وطُرِحت في الاجتماعات الأخيرة بين المسؤولين اقتراحات للعمل معاً من أجل بسط الأمن في المناطق الحدودية.

في حزيران/يونيو 2018، عيّن المغرب حميد شبار سفيراً له في نواكشوط بعد عامَين من الشغور في المنصب. وسُجِّلت بوادر أخرى لحسن النية على الصعيدَين الاقتصادي والسياسي. فقد منعَ المغرب مؤخراً معارِضاً سياسياً للنظام الموريتاني من دخول أراضيه، مايُعتبَر خطوةً مهمة، نظراً إلى أن المعارِضين الموريتانيين لجأوا تاريخياً إلى المغرب حيث وجدوا ملاذاً. الرباط مستثمِرة أساسية في صناعة التعدين الموريتانية، وقد قام وفدٌ من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يُعَدّ الممثل الأساسي للقطاع الخاص في البلاد، بزيارة إلى موريتانيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي لتوطيد الروابط المالية والتحضير لمزيد من التعاون في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والصحة والاتصالات السلكية واللاسلكية وصيد الأسماك.

لكن، ومثلما هو الحال في جميع الاعتبارات التي تندرج في إطار السياسة الخارجية المغربية، ليست مسألة الصحراء الغربية بعيدة أبداً عن سياق العلاقات بين البلدَين. فقد كانت موريتانيا، وهي فريقٌ مهم في نزاع الصحراء الغربية وطرف سابق فيه، حاضرة أيضاً في المفاوضات التي أُعيد إحياؤها تحت رعاية الأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2018. وتزامنَ الاجتماع الأول في جنيف مع اجتماع لمجموعة دول الساحل الخمس في نواكشوط.

من شأن تحسُّن العلاقات مع موريتانيا، في سياق التعاون مع مجموعة دول الساحل الخمس، أن يُساهم في إزالة أحد العوائق التي تعترض السعي المغربي إلى اكتساب نفوذ ودعم إقليميّين في ملف الصحراء الغربية. غير أن ثلاثاً من دول الساحل الخمس – تشاد ومالي وموريتانيا - تواصل الاعتراف باستقلال الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وبحسب ماهو متوقَّع، وجّهت الجزائر، التي تبنّت على مر السنين سياسة خارجية أقل انخراطاً في محيطها، انتقادات إلى الجهود المغربية.

قد يتمكّن المغرب، من خلال الجهود التي يبذلها لأداء دورٍ في الأمن الإقليمي في الساحل، من تحقيق مكاسب على مستوى النفوذ الإقليمي، إنما غالب الظن أنه سيكون نفوذاً ضعيفاً. إذ لايزال أعضاء مجموعة دول الساحل الخمس يعملون على استنباط رؤية استراتيجية للاستقرار الإقليمي. ثم إن المغرب لايستطيع توقُّع الكثير من تدخّله في الساحل، على مستوى المكاسب الملموسة الفورية، فالقوة التابعة لدول الساحل الخمس تواجه بحد ذاتها تحدّيات جسيمة في جمع المساعدات التي جرى التعهّد بتقديمها. لكن المهم هو أن الانخراط المغربي المعزَّز مع مجموعة دول الساحل الخمس ساهمَ في توليد آفاق ممتازة لبلدٍ لايزال يُثير شكوكاً لدى الدول الأفريقية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.