المصدر: Getty
مقال

هل يجب أن تحنّ مصر إلى أيام حسني مبارك، بعد ثمانية أعوام على إطاحته؟

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن.

نشرت في ٢١ فبراير ٢٠١٩

دينا الخواجة | مديرة معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت

بعد ثمانية أعوام على تنحية حسني مبارك، أميل إلى الاعتقاد أن معظم المصريين مشتاقون إلى عهده. هذا لايعني أن أغلبيتهم يؤيّدون عودته إلى سُدة الرئاسة، أو أن المشاعر المضادة للثورة تكتسح الشارع المصري، بل ببساطة أن السخط الشعبي الذي ألهب المظاهرات التي أطاحت به قد همد مع الوقت لتحلّ مكانه أشكال جديدة من الإحباط.

يفتقد المصريون مبارك لأن البلاد تتخبّط الآن في وضع أسوأ بكثير من الذي كان سائداً في العام 2011. فقد تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين بشكلٍ كبير، وخفّضت الحكومة قيمة العملة على نحو غير مسبوق، واتّسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء (أو بين الطبقات الاجتماعية) بما لايُقاس.

إضافةً إلى ذلك، لايغفل عن بال أحد أنه في فترة عقد الغضب في مصر بين 2000 و2010، كان المواطنون يتمتعون بهامش أكبر من الحقوق المدنية والسياسية، على الرغم من القبضة الحديدية التي فرضتها القوات الأمنية المصرية على المعارضين السياسيين للنظام. مع ذلك، احترم نظام مبارك صورته العامة على المستوى الدولي، وتقيّد، وإن شكلياً، بالقانون الدولي ومبادئ الحوكمة – من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية، وغياب المحاكمات العسكرية، ووجود عملية واضحة للتعديلات الدستورية، واحترام السيادة القضائية. لسوء الحظ، لاينطبق ذلك على الواقع المصري اليوم، ويلوح في الأفق خوفٌ من فرض المزيد من الإجراءات السلطوية.


 

شريف محي الدين | باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

واقع الحال أن العديد من المصريين يحنّون راهناً إلى أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ليس لأنه كان ديمقراطياً أو عادلاً أو نزيهاً، بل ببساطة لأن الوضع اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه خلال أيٍّ من الحقبات السابقة التي حكم فيها قادة عسكريون البلاد عَقِب الانقلاب الأول الذي شهدته مصر في العام 1952.

فقد تراجع الوضع الاقتصادي ومعه تقطّعت سبل عيش ملايين المصريين ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة قرار الحكومة خفض قيمة الجنيه المصري في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. كما أُغلق المجال السياسي بالكامل، خلافاً لما كان عليه في عهد مبارك حين كان ثمة هامش، وإن محدود، للنشاط السياسي. في غضون ذلك، يسعى الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تمديد ولايته الرئاسية التي ستنتهي في العام 2022. وقد أُطلقت مبادرة في البرلمان المصري لتعديل الدستور كي يتمكّن من البقاء في الرئاسة حتى العام 2032. هل تُراه يفكّر في كسر الرقم القياسي الذي حقّقه مبارك عبر البقاء 30 عاماً في سُدة الحكم؟


 

تامر بدوي | زميل في برنامج القيادة السياسية في كليّة الحوكمة الانتقالية في معهد الجامعة الأوروبية

وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة زغبي للخدمات البحثية في كانون الأول/ديسمبر 2018، يعتقد 64 في المئة من المصريين أن بلادهم، في ظل رئاسة عبد الفتاح السيسي، باتت أسوأ مما كانت عليه قبل خمسة أعوام، فيما أعرب 59 في المئة منهم عن عدم ثقتهم بالمؤسسة العسكرية. وقد دفع اليأس ببعض المصريين الساخطين إلى التحسّر على أيام حسني مبارك التي شهدت قمعاً محدوداً نسبياً وظروفاً اقتصادية أفضل. ومع أن مبارك انتهج إصلاحات اقتصادية نيوليبرالة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أسفرت عن زيادة ثروات الأغنياء الذين يؤلّفون 10 في المئة من المجتمع المصري، مع تحقيق مكتسبات محدودة للشعب، إلا أنها أدّت أيضاً إلى ارتفاع مستويات النمو.

هزّت الإطاحة الثورية بنظام مبارك أركان الجهاز العسكري-الأمني الراسخ اقتصادياً، وأسفرت أيضاً عن إقالة نجله جمال من السلطة، حيث أن تزعّمه لعملية الخصخصة كان سيهدّد على الأرجح مصالح الجيش الاقتصادية. وعموماً، إن خطوط الصدع السياسية والاجتماعية الراهنة تضرب جذورها في حقبة مبارك. فسياسته الخارجية الموالية لأميركا أرغمته أحياناً على الانصياع إلى واشنطن وتطبيق إصلاحات سياسية محدودة. لكن ذلك أدّى أيضاً إلى تعزيز قدرة المؤسسة العسكرية غير الخاضعة إلى المحاسبة والمساءلة. فالنهج الذي اتّبعه مبارك في السياسة الخارجية، ووعدم معالجة عجوزات اقتصادية بنيوية، سمحا لدول مثل مجلس التعاون الخليجي بتوسيع نفوذهاعلى حساب القاهرة، ما أسهم لاحقاً في حدوث الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.