المصدر: Getty
مقال

حسابات سلطوية

تكشف نتائج الاستفتاء الأخير في مصر عن حقائق بقدر ماتُخفي.

 ميشيل دنّ و كاسيا باردوس
نشرت في ٣ مايو ٢٠١٩

تكشف نتائج الاستفتاء الأخير في مصر عن حقائق بقدر ماتُخفي.

أقرّت مصر للتو تعديلات دستورية في استفتاء جرى ترتيبه على عجل وانتهى في 22 نيسان/أبريل، هذه التعديلات مهمة أساساً لأنها تدعم مشروع حكم الرجل الواحد الذي ينتهجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتمدّد فترة ولايته الحالية، وتكرّس الهيمنة العسكرية على السياسة، وتقوّض استقلالية القضاء. لكن، لم يكن فحوى هذه التعديلات وحده مُغرضاً، بل حتى الإعلان عن النتائج كان بمثابة رشّ الملح على الجرح.

لم تعد مصر في عهد السيسي تُجري انتخابات حرّة ونزيهة، بيد أن الهيئات الانتخابية لازالت تقدّم عرضاً عن نتائج مفصّلة لتعطي انطباعاً بالجدية. فقد أعلنت السلطات أن 27,193,593 مصرياً صوتوا في الاستفتاء، من أصل 61,344,503 ناخبين يحقّ لهم التصويت، لتكون بذلك نسبة الإقبال 44 في المئة. كما أعلنت هذه الهيئات أن 89 في المئة من الأصوات الصحيحة كانت موافقة على قضايا الاستفتاء، بينما عارضها 11 في المئة. إضافةً إلى ذلك، كان هناك أكثر من مليون بطاقة تصويت ملغاة.

الجدير ذكره هنا أن الأرقام المُعلنة، مهما كانت دقيقة، لا تتمتّع بمصداقية. فإذا حضر إلى مراكز الاقتراع البالغ عددها 10,878 مركزاً أكثر من 27 مليون ناخب، سيكون على كل مركز اقتراع تسجيل 69 ناخباً في المعدل في كل ساعة من 36 ساعة تصويت، أي أكثر من ناخب واحد في الدقيقة الواحدة. بعبارة أخرى، كانت مراكز الاقتراع لتكون مزدحمة، مع انتظار طوابير من الناخبين في ساعات الذروة. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام التي تهيمن عليها الحكومة في مصر أشارت مراراً إلى "إقبال كبير" خلال الأيام الثلاثة، كان هناك عدد ضئيل من الصور أو الأدلة المروية التي تدعم ذلك، قدّمها صحافيون أو ناخبون، على عكس الأدلة الواضحة على المشاركة خلال الانتخابات التي اتّسمت بحيّز أكبر من الحرية في العامين 2011 و2012.

إذن، لماذا أعلنت السلطات المصرية أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 44%؟ ربما أنها تحاول إثبات شرعية الاستفتاء الأخير مقارنة بالاستفتاءات السابقة. ففي الاستفتاءات الدستورية السابقة، تم تسجيل نسب إقبال تتراوح بين 27 في المئة (في العام 2007) و42 في المئة (في العام 2011). كما أفادت تقارير أن نسبة المشاركة في التصويت لإقرار دستور العام 2014 بلغت 39 في المئة. بعبارة أخرى، كان من المفترض أن تُظهر نسبة المشاركة المزعومة البالغة 44 في المئة أن التعديلات الجديدة هي الأكثر شرعية على الإطلاق.

ربما الرقم الأكثر إثارة للاهتمام هو 11 في المئة، الذي يمثّل عدد الأصوات الرافضة للتعديلات. في الاستفتاءات التي جرت قبل السيسي، تمّ تسجيل عدد أكبر من الأصوات الرافضة للتعديلات: فقد صوّت 24 في المئة بـ"لا" في 2007، و23 في المئة في 2011، و36 في المئة في 2012. وبعد الانقلاب العسكري، سُجلت نسبة 2 في المئة فقط ضدّ دستور العام 2014. أما في الاستفتاء الأخير، فبدا أن التصويت بـ"لا" تمتّع بأهمية كافية لدرجة أن السلطات قرّرت الاعتراف بأنها نسبة أعلى بكثير مما كانت عليه في العام 2014 - أعلى بخمس مرات – على رغم أنها منخفضة مقارنة بالاستفتاءات السابقة.

حقيقة أن عدد الأصوات المعارضة الكبير كان كافياً بحيث لايمكن تجاهله أو رفضه بالكامل، سلّطت الضوء على نتيجة غير مقصودة لمناورة السيسي الدستورية: لقد بدأت المعارضة تظهر من جديد على رغم مرور ما يُقارب ست سنوات من القمع الطاحن. وفي كانون الثاني/يناير 2019، عندما كانت التعديلات مجرد شائعات، وقّع أكثر من ألف مصري، بمن فيهم شخصيات عامة بارزة، بياناً رفضوا فيه أي تغييرات من شأنها أن تسمح للسيسي بتمديد ولايته. بعد ذلك بفترة وجيزة، تشكّلت الحركة المدنية الديمقراطية، وهي ائتلاف يضمّ شخصيات بارزة مثل المرشحين الرئاسيين السابقين حمدين صباحي ومحمد أنور السادات، للاعتراض على التعديلات. وبعدما منعوا من الحصول على ترخيص للتظاهرات، نظّم أعضاء الحركة مؤتمراً صحافياً وصفوا فيه التعديلات بأنها "اعتداء على الديمقراطية".

خلال الأسابيع القليلة التي سبقت طرح التعديلات في البرلمان والاستفتاء - الذي تم الإعلان عن تاريخه الفعلي قبل أقل من أسبوع على موعده - دعا الناشطون والشخصيات العامة المواطنين بشكل متزايد إلى التصويت بـ"لا" بدلاً من المقاطعة. ونشرت الكثير من الفيديوهات على صفحة الفايسبوك المعارضة للنظام "الموقف المصري". كما قام آخرون بالتغريد عبر تويتر لصالح التصويت بـ"لا"، مستخدمين غالباً هاشتاغ "#لا_لتعديل_الدستور". وجمعت حملة "باطل" الإلكترونية المناهضة للتعديلات الدستورية والأكثر نجاحاً، 250 ألف توقيع حتى 16 نيسان/أبريل، حين حظّرتها الحكومة مع آلاف المواقع الإلكترونية الأخرى.

في الشوارع، بقيت أنشطة معارضة محدودة تطفو على السطح من وقت لآخر. وتشكلّت في آذار/مارس حركة "الحرية لمصر"، التي تألفت في الدرجة الأولى من الشباب، وراحت تعمل على تعليق اللافتات، ورسم الغرافيتي، وتوزيع المنشورات الرافضة للتعديلات. كما تمّ تسجيل العديد من الحالات في الآونة الأخيرة، حيث قام خلالها أفراد مصريون بالسير في الساحات العامة حاملين لافتات مكتوبة بخط اليد تنتقد السيسي، مرحبّين بالاعتقال والسجن الذي يعرفون حق المعرفة أنه سيستتبع مثل هذه التضحيات. وكما شرح الممثل عمرو واكد، الذي تحوّل إلى وجه من وجوه المعارضة، في مقابلة، أن الأساليب السلبية مثل المقاطعة فشلت، مضيفاً: "نحن في حاجة ماسة إلى اتّباع مسار مختلف والتفكير بطرق جديدة".

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.