المصدر: Getty
مقال

إلقاء القبض على الأمل في مصر

فيما يشنّ نظام السيسي حملة قمعية على الحراك السياسي الشرعي، تلوذ الولايات المتحدة بالصمت.

نشرت في ١٠ يوليو ٢٠١٩

عندما اعتقلت السلطات المصرية مجموعة بارزة أخرى من الشخصيات العامة في حزيران/يونيو، اتُّهم المقبوض عليهم بالمشاركة مع الإخوان المسلمين في مؤامرة تهدف إلى إسقاط الحكم. في غضون ذلك، لاتزال إدارة ترامب تفكّر جديّاً في تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، تلبيةً للطلب الذي وجّهه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته إلى واشنطن في نيسان/أبريل.

قد تبدو مثل هذه الخطوة منطقية للوهلة الأولى: أي أن الولايات المتحدة تساعد حليفاً لها في محاربة عدو خطير. لكن في الحقيقة، ليس هذا ما يحدث إطلاقاً. بل ما يريده السيسي هو تواطؤ أميركي معه في قمع كل أشكال الحراك السياسي التي ينفّذها العلمانيون والإسلاميون على حدٍّ سواء، بما فيها تلك التي يجيزها القانون المصري. الرجال الذين اعتُقلوا في حزيران/يونيو الماضي هم جزء من "تحالف الأمل"، وهو اسم لائتلاف سياسي من المقرّر الإعلان عنه قريباً، يضم نواباً حاليين وسابقين، ورؤساء أحزاب، وصحافيين، ورجال أعمال، وقادة عمّاليين، وقادة شباب يسعون إلى خوض الانتخابات البرلمانية المُقبلة في العام 2020.

تضم قائمة المقبوض عليهم شخصيات معروفة مثل زياد العليمي، النائب السابق والعضو في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي؛ وحسام مؤنس، الصحافي والمدير السابق لحملة المرشح الرئاسي الناصري للعام 2014 حمدين صباحي؛ وهشام فؤاد، الصحافي والناشط العمّالي العضو في حركة الاشتراكيين الثوريين؛ وعمر الشنيطي، الخبير الاقتصادي ومؤسّس شركة استثمارية.

ما من مؤشّر على أن الأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم انتهكوا القوانين. فحتى بعد الانقلاب العسكري في تموز/يوليو 2013، ظل القانون يسمح للمصريين بإنشاء تحالفات أو أحزاب سياسية، والترشّح إلى الانتخابات النيابية أو الرئاسية. لكن نظام السيسي بات يُتقن فنّ الخلط بين السياسة و"الإرهاب"، وهذا ما فعله مجدّداً في هذه الحالة. فقد أدخل المدّعون الحكوميون رجال السياسة العلمانيين في تحالف الأمل في الدعوى القضائية نفسها مع أعضاء أو حلفاء جماعة الإخوان المسلمين المعروفة، بعضهم داخل مصر وبعضهم في المنفى، من أجل تجريمهم جميعاً باعتبارهم داعمين للإرهاب (كما شرح المحامي اليساري والمرشح الرئاسي السابق خالد علي في بيان عبر صفحته على فايسبوك).

يتعذّر معرفة أعداد المصريين الذي لازالوا يصدّقون مثل هذه التّرهات. مع ذلك، تواصل وزارة الداخلية العزف على هذا الوتر، فعلى سبيل المثال، أنتجت الوزارة مقطع فيديو يُظهر مداهمات قامت بها قوات الأمن لمكاتب المعتقلين مؤخراً، متهمةً إياهم بـ"الضلوع في مؤامرة إلى جانب قادة منفيين من جماعة الإخوان بهدف إسقاط الدولة ومؤسساتها".

بغض النظر عمّا يصدّقه أو لايصدّقه المواطنون المصريون، يبقى السؤال المطروح بالنسبة إلى الولايات المتحدة هو إلى أي درجة يتعيّن على الحكومة الأميركية دعم أو تشجيع مثل هذا القمع السافر؟ فالخطوات التي تتخذها إدارة ترامب دفاعاً عن المعتقلين ظلماً في مصر ليست أقل بكثير مقارنةً بسابقاتها وحسب، بل هي تدرس بجديّة إمكانية تبنّي سردية السيسي المخطئة بأن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. لكن المؤكد هنا هو أن السيسي سيستخدم تصنيف الولايات المتحدة للإخوان كجماعة إرهابية من أجل إظهار أنه يتمتّع بدعم واشنطن الكامل في ارتكاب مظالم فادحة بحق أعضاء الجماعة، وكذلك بحقّ كلّ من يدّعي أنه على صلة بالجماعة، مهما كان هذا الادّعاء زائفاً.

يُعتبر العليمي وزملاؤه، الذين أرادوا ببساطة تشكيل تحالف معارض علماني للترشّح إلى البرلمان، أحدث الضحايا من بين العديد ممن طالته حملة السيسي لنسف الحياة السياسية. وفي هذا الإطار، يتعيّن على الإدارة الأميركية الاحتجاج على اعتقالهم، وكذلك رفض التواطؤ مع استراتيجية السيسي المتمثلة في ممارسة أعمال القمع على نطاق واسع، الأمر الذي سيجلب لمصر في نهاية المطاف الشقاء والبؤس وانعدام الاستقرار.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.