المصدر: Getty
مقال

موسم الهجرة اليمنية إلى مسقط

عُُمان قد تتحوّل إل "مسار إقليمي ثالث" يكسر حالة الثنائية الراهنة في مسار الحرب.

نشرت في ٨ أكتوبر ٢٠١٩

في مارس 2015، غادر الرئيس عبد ربه منصور هادي اليمن، بعد تقدم قوات الحوثي وصالح إلى مقر إقامته في عدن. كانت الحدود العمانيّة آنذاك الوجهة الآمنة للرئيس اليمني، قبل أن ينتقل منها إلى الرياض. وبعد مرور أربع سنوات ونصف من حرب التحالف في اليمن، سقطت عدن في أيدي قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الشريك الرئيس في التحالف، دولة الإمارات. ليخرج هادي من عدن للمرة الثانية، بصورته الرمزيّة التي تمثلها قواته العسكريّة. كان الخروج الثاني من عدن، دافعًا لمقربين من هادي لمغادرة الرياض بحثًا عن مكان آمن، وكانت عُمان الوجهة، للمرة الثانية على التوالي.

ففي منتصف الشهر الماضي، وصلت إلى مسقط شخصيّات حكوميّة مقربة من الرئيس هادي. وفقًا لمصادر يمنيّة وعمانيّة فإن الزيارة التي يقوم بها نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، ونائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جباري، وصالح الجبواني وزير النقل -تتضمن محادثات مع الجانب العماني حول مستجدات الأوضاع اليمنيّة، لكن الزيارة تحولت إلى إقامة غير معلوم نهايتها. لم يكن وفد حكومة هادي هو الأول في التوجه إلى السلطنة، بل سبقه الكثير من الشخصيّات اليمنيّة المحسوبة على حكومة هادي، والذين وجدوا تسهيلات من قبل الطرف العماني. الأمر الذي يعكس تنامي الدور العماني في الملف اليمني، والذي من خلاله يمكن أن تتحول مسقط إلى مسار إقليمي ثالث يكسر حالة الثنائية، المسيطرة على مسار الحرب اليمنيّة منذ اندلاعها.

إلى جانب وفد حركة الحوثييّن وقيادات جنوبيّة، يقيم في مسقط حاليًا الكثير من المسؤولين اليمنيّين، من حكومة هادي، ممن وفدوا إليها مؤخرًا، وأصبحوا على خلاف مع سياسات التحالف الذي تقوده السعودية، بل ويعارضون بقوة نمط التعامل مع الحكومة اليمنيّة، خصوصًا بعد مواجهات عدن الأخيرة، الذي عدته حكومة هادي انقلابًا ثانيًا بدعم إماراتي، يشبه انقلاب الحوثيّين عليها في صنعاء في العام 2014. بينما يرى أطراف في التحالف أن ما حصل كان نتيجة طبيعية لفشل حكومة هادي في إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها.

أفصحت أحداث عدن عن التنسيق السعودي-الإماراتي في الأحداث الأخيرة، والتي أعادت توزيع مناطق النفوذ، ما يُبرر "توجه التحالف لإعادة هيكلة جيش الشرعية"، بحسب ما أعلن عنه وزير الشؤون الخارجيّة السعودي مؤخرًا. فبالنسبة للدولتين، فإن الحفاظ على غطاء الحكومة الشرعيّة أمر مهم، لكن ليس بشكلها الحالي، بل بشروط عدة، تتعلق بإعادة بنائها بطريقة تضمن مشاركة أطراف جديدة، وتستبعد بعض الشخصيات منها. شكلت خسارة الحكومة الشرعيّة لمناطق في الجنوب لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، مناخًا ملائمًا لخطوة كهذه. تبع أحداث عدن ظهور الكثير من التسريبات تتحدث عن شكل الحكومة الشرعيّة الجديد الذي سيكون حضور هادي فيه شكليًا، تتقاسم الكثير من سلطاته شخصيات وكيانات جديدة. وهذه خطوة يعارضها هادي، ويرى فيها خطوة لتفريغ نفوذه لصالح خصومه، ومقدمة لإزاحته كليًا. هذا الرفض انعكس في تصريحات الكثير من الشخصيّات المقربة منه. وبالرغم من أن انتقادات الحكومة الشرعيّة تقتصر على الإمارات، إلا أن السعودية تحاول أن تبقي مساحة تذمر هادي في حدودها الدنيا، للحيلولة دون وصولها بشكل رسمي للدوائر الدوليّة. هذا ما يفسر عدم موافقة الرياض لسفر الرئيس هادي إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمة اليمن في اجتماع الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة. ضغطت السعودية عليه لإيكال هذه المهمة لوزير خارجيته الذي عُيّن قبل أيام من الاجتماع، في مقابل أن يتضمن خطابه انتقادًا للإمارات لإرضاء هادي، على ألّا يرقى إلى مستوى الفعل.

يبدو أن هادي كان يتوقع أن تُقدم السعودية تحالفها معه على تحالفها مع الإمارات، لكن ما حدث عكس ذلك. وهو ما دفعه للتفكير بمناوره سياسية لمقربين منه، كي يستفيد من ذلك في مواقفه أمام صانع القرار السعودي الذي بات مشغولًا بملفات أمنية أهم. تزعّم هذا التوجه شخصيّات الوفد الحكومي المتواجدة حاليًا في عُمان، وقد قررت الذهاب لمسقط بعد تعذر ممارستها لهذا الدور من الرياض أو القاهرة. وتلقيها دعوة من مسقط للزيارة. لم يكن هناك اعتراض سعودي على مغادرة بعض الشخصيات المحسوبة على الشرعية إلى مسقط، فقد أصبحت تدرك أن حكومة هادي في أضعف حالاتها، ما يجعلها غير قادرة على أي تغيير في الواقع مهما ارتفعت أصوات الاعتراض على سياسات التحالف. بالإضافة إلى أن انتقادات الحكومة اليمنيّة تركز فقط على الإمارات وسياساتها في جنوب اليمن.

مسقط، من جهتها، باتت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بضرورة لعب دور يتجاوز موقف الحياد. فهي لا تتردد في استضافة الشخصيّات المعارضة للتحالف، خصوصًا مع توجسها من تنامي النفوذ السعودي في محافظة المهرة اليمنيّة الواقعة على حدودها الغربية، وسيطرة القوات الموالية للإمارات على أجزاء واسعة من جنوب اليمن. الأمر الذي جعلها تحس بالخطر من مآلات الأوضاع في اليمن على أمنها. هذا ما دفعها لدعم فكرة قيام "مجلس الإنقاذ الوطني" الذي يتزعمه الشيخ علي الحريزي، الزعيم القبلي المعروف بمعارضته لتواجد القوات السعودية في محافظة المهرة، ويقيم بين اليمن وعمان. ويبدو أن عرض استضافة الأصوات الرافضة للتحالف من مسقط، جاء ردًا على استضافة الرياض مؤخرًا لزعامات قبليّة من محافظة المهرة بهدف إقناعهم بالتخلي عن مسقط ودعم تواجدها في المحافظة.

ومع وصول وفد حكومة هادي إلى مسقط تكون الأخيرة قد كسبت ورقة جديدة تضاف إلى قوتها الناعمة، الأمر الذي قد يشجع مسقط على تسويق تسويات سياسية بين مختلف أطراف الصراع الداخلي، بما يفضي إلى تحجيم الصراع ويضمن حماية أمنها الحدود الذي قد يتأثر مع طول أمد الحرب. ولعل إعلان الولايات المتحدة محادثاتها المباشرة مع الحوثيين في مسقط، قد يسهم في مثل هذا التوجه. لكن رغم قوة التأثير الناعم والمتنامي لمسقط، لا يبدو أنها قادرة على منافسة السعودية في الملف اليمني، فقدراتها الاقتصادية المحدودة، تجعل تحركاتها ضمن دائرة ضيقة. أما بالنسبة لحكومة هادي، فإن لجوء بعض المسؤولين إلى مسقط لا يبدو سوى عبور تكتيك، لغرض المناورة أمام السعودية والإمارات بغية الحصول على وضع أفضل.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.