المصدر: Getty
مقال

الرئيس دونالد ترامب أعلن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين

وقفة تحليلية من باحثي كارنيغي حول الأحداث المتعلّقة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

نشرت في ٢٩ يناير ٢٠٢٠

ماذا حدث؟

بعد سنوات ثلاث من التردّد، أزاح الرئيس دونالد ترامب أخيراً الستارة عما يُسمّى "صفقة القرن" بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد أتى ذلك في خضم الانتخابات الإسرائيلية الثالثة خلال عام واحد، ومحاكمة ترامب في مجلس الشيوخ، وتدشين حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في وقت لاحق من هذا العام.

الآن، على رغم أن تفاصيل "خطة السلام"، التي وقعت في 80 صفحة، لاتزال تحتاج إلى الدراسة والتمحيص، إلا أن خطوطها العامة باتت جلّية: دعم المواقف الإسرائيلية المُحددة منذ أمد بعيد، بما في ذلك السيطرة الإسرائيلية على قدس غير مُقسّمة؛ استبقاء كل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ وضمّ غور الأردن إلى إسرائيل. وفي حين أن الخطة تتحدّث عن إمكانية إقامة دولة فلسطينية في ما تبقى من الضفة الغربية وغزة، إلا أن الشروط التي تفرضها إدارة ترامب على مثل هذه الدولة "المتقلّصة"، سيجعل من المستحيل على القيادة الفلسطينية مجرد التفكير بقبولها. لا بل الواقع أنه لم تتم استشارة الفلسطينيين حول هذه الخطة، وهم أوضحوا أصلاً وبتعابير غاية في الشدة أنها من منظورهم فكرة مُجهضة من ألفها إلى الياء.


 

لماذا هذا التطور مهم؟

لماذا طرحت إدارة ترامب خطة سلام تعرف أن أحد الأطراف سيرفضها فورا؟ الجواب: توقيت الإعلان لايمكن فصله عن السياسات المحيطة به في إسرائيل والولايات المتحدة.

فمع مواجهة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اتهامات وخوضه معركة حياة أو موت ستقرر مصير حياته السياسية، توفّر له الخطة الأميركية فرصة ذهبية لإشاحة الأبصار عن هذه المسألة. وفيما الحملة الانتخابية الإسرائيلية تجري على قدم وساق، يجد منافس نتنياهو بيني غانتس وحزبه نفسيهما في موقف صعب، وسيكون من العسير عليهما معارضة الخطوات التي سيتخذها نتنياهو لتطبيق أجزاء من خطة ترامب على نحو منفرد. بيد أن ذلك لا يعني أنه ليس ثمة صعوبات ستنتصب أيضاً في وجه نتنياهو. فالأحزاب الصغيرة على يمينه التي يحتاجها للاحتفاظ بالسلطة، ليست سعيدة لقيام ترامب بترك احتمال قيام دولة فلسطينية قائما مستقبلا. والأرجح أن نتنياهو يعوّل على الفلسطينيين لإبداء ردود فعل مخطئة، ما قد يولّد تحولاً إضافياً نحو اليمين في إسرائيل قبل انتخابات آذار/مارس المقبلة.

في الولايات المتحدة أيضاً، توفّر الخطة لترامب الفرصة لإبعاد الأنظار عن محاكمته. إذ أن المزيد من الدعم اللامشروط لإسرائيل، يمكن أن يفيده مع الناخبين المسيحيين الإنجيليين في الانتخابات الرئاسية أواخر هذا العام.


 

ما المضاعفات للمستقبل؟

التبعات على السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ستكون شديدة للغاية. فإذا ما تحرّكت إسرائيل الآن لمدّ سيادتها بشكل منفرد إلى غور الأردن وأشطار أخرى من الضفة الغربية، ستكون آخر خيوط الأمل بحل الدولتين قد تمزّقت. فالضم سيسجّل نقطة اللاعودة، ومن غير المتصوّر أنه سيكون في مقدور أي تشكيل سياسي مستقبلي في إسرائيل تغيير ذلك، وبالمثل لن يقبله أي مجتمع فلسطيني أبداً. وهكذا، سيعلق الإسرائيليون والفلسطينيون في رحى نزاع مُستدام طيلة المستقبل المنظور.

صحيح أن العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن البلاد قوية بما فيه الكفاية لتحمّل أي رد فعل قد يأتِ من الفلسطينيين، لكن الصحيح أيضاً أن المضاعفات السلبية على إسرائيل ستتجاوز مثل هذا الرد. إذ أن غياب آفاق السلام، سيتسبّب في تآكل علاقات تل أبيب الدولية مع أوروبا والعالم العربي، وفي نهاية المطاف مع الولايات المتحدة والجالية اليهودية. ثم أن إسرائيل لن تستطيع الهيمنة إلى الأبد على ملايين عدة من الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم في الضفة الغربية وغزة، من دون تقويض مواقعها الدولية، ونسف نظامها الديمقراطي في الداخل. أما كيف ستكون مضاعفات ذلك في الآتي من السنوات فلايزال أمراً غير واضح، لكن المخاطر على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ستكون جسيمة.

نأتي الآن إلى الفلسطينيين. هنا أيضاً سنرى أن المضاعفات قد تكون خطيرة. ففي وسعنا أن نتوقّع أن تسعى القيادة الفلسطينية إلى الضغط على المجتمع الدولي للحصول على الدعم، بيد أن هذا لن يغيّر الوضع على الأرض. قد تقطع السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع إسرائيل، لكن ذلك لن يؤدِ سوى إلى جعل قوات الأمن الإسرائيلية أكثر نشاطاً في الضفة الغربية، ما يقوّض مواقع السلطة الفلسطينية الهشّة أساساً. أخيرا، قد يوجّه تلاشي حل الدولتين ضربة قاصمة للشرعية السياسية للقيادة الفلسطينية الحالية، التي حاكت سعيها لتحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية من خيوط مفهوم التسوية المُتفاوض عليها مع إسرائيل. وبالتالي، ومهما كان شكل القيادة الفلسطينية الجديدة التي قد تبرز، ستكون على الأرجح أقل استعداداً من القيادة الحالية لاحتضان فكرة السلام.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.