المصدر: Getty
مقال

دُفِنَ الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك

وقفة تحليلية لباحثي كارنيغي حول الأحداث المتعلّقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نشرت في ٢٧ فبراير ٢٠٢٠

ماذا حدث؟

توفي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عن عمر يناهز الـ91 عاماً، ودُفِنَ في جنازة عسكرية في 26 شباط/فبراير. والآن، العديد من المصريين يعودون بالذكرى إلى إرث 30 عاماً من وجوده في سدّة الحكم، وربما الأهم أنهم حالياً يقارنون عهده بعهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. وفي حين أن ثمة رهطاً كبيراً من الناس ربما نسوا القمع، والجمود، والفساد الذي اعترى معظم حقبة مبارك، سرت مؤخراً مسحة حنين بين مصريين آخرين بعد أن عاينوا الأسوأ في حكم السيسي.


 

لماذا هذا التطور مهم؟

في الظاهر، يبدو أن الجدل حول إرث مبارك (على غرار: هل كان هذا الأخير مصدر استقرار إقليمي، وبالتالي لم يتوجّب إطاحته قط، أم أنه كان حاكماً مُستبداً وفاسداً استأهل العقوبة التي حلّت به؟) يعكس حالة استقطاب متواصلة بين المصريين. عموماً، كيل المديح له يتمحور حول دوره في الشؤون الإقليمية والدولية، فيما يركّز المنتقدون على الطريقة التي أدار فيها الأمور في الداخل المصري. علاوةً على ذلك، ثمة قادة حول الشرق الأوسط أفاضوا في الحديث عن ذكريات عاطفية حول مبارك، فيما اجتذب إعلان نجله علاء عن وفاته على صفحته في تويتر أكثر من 40 ألف رد، معظمهم كان تعاطفياً.

في هذه الأثناء، لاحظ صحافيون وناشطون، بمرارة، أن الرئيس الأسبق لم يتوان سريعاً خلال عهده عن تحويل ملايين الدولارات من خزينة الدولة إلى عائلته، كما جرت تبرئته من تهمة التواطؤ في قتل أكثر من 800 محتج وقذف آلاف الشباب إلى غياهب السجون (لازالوا يتلوّون فيها حتى الآن) خلال انتفاضة العام 2011.

على مستوى أعمق، تعكس مثل هذه النقاشات توافقاً ضمنياً بين عدد مطّرد من المصريين على نقطتين إثنتين: الأولى، أن المحاولة القصيرة والفوضوية لتحقيق الانتقال الديمقراطي بعد العام 2011، انتهت إلى خواتيم كارثية، والثانية، أن معظم المصريين باتوا أسوأ حالاً الآن، اقتصادياً وسياسياً وفي مجالات حقوق الإنسان في عهد السيسي مما كان عليه الوضع في حكم مبارك. والحال أن ثمة حنيناً وازناً لمبارك تراكم على مدى سنوات، وتجلّى في انضمام 3.5 ملايين شخص إلى صفحة على فايسبوك، عنوانها "أنا آسف يا ريّس" (تم اعتقال القيّم على هذه الصفحة العام 2019)، وفي العدد الكبير البالغ 775 ألفاً لمتابعي علاء، نجل الرئيس الأسبق، على تويتر.

وهكذا، سيكون على السيسي ونظامه أن يمسكا بخيط التوازن الدقيق في تعاطيهما مع وفاة مبارك ومع إرثه. فمن جهة، عليهما أن يُبديا الاحترام لضابط عسكري زميل كان وفق منظورهم رئيساً شرعياً، على عكس محمد مرسي الذي اعتلى كرسي الرئاسة العام 2002 في أول انتخابات رئاسية حرّة في مصر. وحين انهار مرسي، الذي أُطيح به في انقلاب عسكري العام 2013، وتوفي في قاعة المحكمة في حزيران/يونيو 2018، أمر نظام السيسي بدفنه سراً في جنح الظلام، ولم يرد في التغطية القصيرة لوفاته في الإعلام الرسمي ولو إشارة مقتضبة إلى أنه كان رئيساً. في المقابل، أُقيمت جنازة عسكرية لمبارك، فيما اتخذ النظام على الأرجح إجراءات لاحتواء أي تعبير ومشاعر عامة مُحتملة ضد السيسي خلال هذه الجنازة.


 

ما المضاعفات للمستقبل؟

صحيح أن المعارضة للسيسي كانت قوية دوماً في صفوف الإسلاميين والدوائر الثورية، إلا أنها الآن تشهد تنامياً مطّرداً في أوساط شبكة واسعة من المسؤولين المدنيين، والعائلات البارزة، ورجال الأعمال الذين كانوا تابعين وموالين لسنوات عدة لمبارك (الذي جعلهم من القطط السمان). ومع أن معظمهم دعموا السيسي في البداية كترياق ضد جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن السيسي أبدى لامبالاة، لا بل حتى احتقاراً لهم، واعتمد بدلاً من ذلك على الجيش كقاعدة أساسية له.

أوضح دلائل على المعارضة للسيسي، إضافةً إلى التوجهات المتعاطفة مع مبارك في وسائل التواصل الاجتماعي، كان الجهد الذي بذله اثنان من المسؤولين العسكريين في حقبة مبارك، رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق ورئيس هيئة الأركان السابق الفريق سامي عنان، لتحدي السيسي في الانتخابات الرئاسية للعام 2018. وقد مُنع الاثنان من الترشّح، فيما أُلقي بعنان في السجن بسبب عدم ولائه.

هل سيبحث مناصرو مبارك عن المزيد من الفرص لتحدي السيسي؟ يمكنهم فعل ذلك الآن عبر نجلَي الرئيس علاء وجمال (وهذا الأخير تموضع سابقاً لخلافته)، اللذين أمضيا سنوات عدة في السجن بتهمة الفساد. ربما جرت تبرئتهما صدفةً في القضية القانونية الباقية ضدهما (تهمة التلاعب بالبورصة) قبل أيام من رحيل والدهما. لكنهما قد يكونا أيضاً تحت رقابة عيون النظام الساهرة، لكونهما مُوجّهين مُحتملين للمعارضة ضد السيسي في صفوف بعض الفئات التي دعمته في السابق.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.