المصدر: Getty
مقال

استراحة قصيرة للقادة في المغرب العربي؟

ربما أتاحت جائحة "كوفيد-19" للحكومات في شمال أفريقيا أن تأخذ استراحة من الاحتجاجات، ولكن ذلك لن يدوم طويلاً على الأرجح.

نشرت في ٢٥ مارس ٢٠٢٠

غالب الظن أن جائحة "كوفيد-19" سوف تمنح الحكومات في المغرب والجزائر وتونس استراحة، في المدى القصير، من الاعتراض والتعبئة السياسيَّين. فقد واجهت جميعها مؤخراً، وبدرجات مختلفة، اعتراضات شعبية وتحدّيات لشرعيتها. ولكن في المدى الطويل، حين يتخبط كلٌّ من هذه الدول في مواجهة الارتدادات الاقتصادية والسياسية للفيروس، يُرجّح أن المسائل نفسها المتعلقة بالصدقية والفعالية سوف تعاود الظهور بزخمٍ متجدّد.

عدد الإصابات المثبَتة بوباء "كوفيد-19" محدود في منطقة شمال أفريقيا، على الرغم من أنها تقع على مقربة من أوروبا. فوفقًا لـمركز جونز هوبكنز للبيانات حول فيروس كورونا، سجّل المغرب، حتى تاريخ 20 آذار/مارس، 77 إصابة مثبَتة، والجزائر 90 إصابة، وتونس 54 إصابة. وإذ أدركت الحكومات في البلدان الثلاثة هشاشة نظمها الصحية المنهَكة، بادرت سريعاً إلى التحرك واتخاذ إجراءات مشدّدة للتعامل مع الوضع المستجِد. فقد أغلقت هذه الدول حدودها، وفرضت قيوداً على الاختلاط الاجتماعي، وحضّت المواطنين على ممارسة الحجر الاجتماعي. وقد أغلقت كلها الأماكن العامة، بما في ذلك المؤسسات التربوية، ودور العبادة، والمقاهي، ووسائل النقل العام. وطلبت أيضاً من موظفي القطاع العام الذين يزاولون وظائف غير أساسية ملازمة منازلهم.

تخشى البلدان الثلاثة من أن تضعها الجائحة تحت وطأة أعباء تفوق قدرتها على المواجهة، نظراً إلى أنها تفتقر إلى البنى التحتية أو الموارد الضرورية، أو إلى الاثنَين معاً، من أجل الاستجابة في حال تفشّي الوباء. ففي الجزائر، ثمة 1.9 سرير فقط في المستشفيات لكل 1000 شخص، في حين أن المعدل العالمي هو 2.7. وفي المغرب، عدد الأسرّة هو 1.1 سرير لكل 100 شخص. وفي تونس، التي تُعتبَر الأقرب إلى المعدل العالمي، العدد هو 2.3. على سبيل المقارنة، يصل عدد الأسرّة إلى 2.9 لكل 1000 شخص في الولايات المتحدة و13.4 في اليابان. وفي حين يطغى العنصر الشاب الذي الأقل تأثّراً بالوباء على الأرجح، على أعداد السكان في بلدان شمال أفريقيا، نسبة 6.7 في المئة من السكان في الجزائر هي فوق الـ65 عاماً. وتصل هذه النسبة إلى 7.1 في المئة في المغرب، و8.8 في المئة في تونس.

وقد اختلفت أساليب التعاطي من أجل الحد من التداعيات الاقتصادية لوباء "كوفيد-19". فإغلاق الحدود كفيلٌ لوحده بتكبيد المغرب وتونس خسائر اقتصادية كبيرة سوف تنجم على الأرجح عن انهيار القطاع السياحي. ويُشار في هذا الصدد إلى أن السياحة تساهم بنسبة 19 و15.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في المغرب وتونس على التوالي.

لقد أنشأت الحكومة المغربية صندوقاً لمعالجة الأزمة. بلغت قيمته في البداية 10 مليارات درهم، أو مليار دولار أميركي، مخصّصة بمعظمها للمساعدة على تلبية احتياجات قطاع الرعاية الصحية. ونظراً إلى محدودية الموازنة الحكومية، شجّعت الدولة الشركات والمواطنين على تقديم التبرعات، ماساهم في جمع مبلغ قدره 27 مليار درهم، أي نحو 2.7 مليارَي دولار. وقد شعر المغاربة بتفاؤل واسع وبدوا عاجزين عن التصديق إزاء السرعة التي جُمِعت فيها التبرعات وحجمها الكبير. وأشارت الدولة إلى أنها ستقدّم الدعم للقطاعات التي يمكن أن تطالها الأزمة، وبدأت بوضع آليات للتعويض على بعض المواطنين الأكثر هشاشة وتأثّراً.

وقد اتخذت الجزائر خطوات مماثلة، من خلال منح الأمهات إجازات مدفوعة، والحؤول دون حدوث ارتفاع شديد في الأسعار، والتسريع في عملية استيراد المواد الغذائية تجنّباً لحدوث شحّ فيها. والجزائر مختلفة بعض الشيء عن المغرب وتونس في هذا المجال، لناحية أن اقتصادها الذي يسيطر عليه قطاع الطاقة، لم يعتمد قط على السياحة أو التصنيع.

وفي تونس، أنشأت الحكومة صندوقاً لتلقّي التبرعات العامة من أجل مكافحة الفيروس. وقد جمع الصندوق، حتى تاريخه، نحو 4 ملايين دينار، أو 1.36 مليون دولار. وفي 21 آذار/مارس، أعلن رئيس الوزراء التونسي الياس الفخفاخ عن سلسلة إجراءات اقتصادية ورزمة مساعدات للشركات والصناعات التي تعاني من صعوبات. ولكن التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد تزيد من وطأة الأعباء التي يتسبب بها وباء "كوفيد-19"، وتتمثل هذه التحديات بالنمو الاقتصادي المحدود، وارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع نفقات القطاع العام، والمستوى المنخفض لنمو إجمالي الناتج المحلي. وفي هذا الصدد، تتّجه تونس نحو أزمة غير مسبوقة.

سوف تؤدّي التداعيات الاقتصادية المؤلمة من جديد إلى زعزعة الثقة بهذه الحكومات. لقد واجه كل واحد من البلدان الثلاثة اعتراضاً سياسياً متواصلاً في الأعوام الأخيرة. واتخذ الاعتراض إلى حد كبير شكل احتجاجات للمطالبة بمنظومة سياسية جديدة في الجزائر، وبتعزيز المساءلة في المغرب وتونس. وكان الدافع وراء جميع هذه الاحتجاجات المظالم الاقتصادية والاجتماعية التي طبعت المنطقة منذ العام 2011، لابل قبل ذلك. ولكن في المرحلة الراهنة التي يسود فيها التباسٌ شديد، دفعَ الخوف الأشخاص إلى القبول بالهيكليات السياسية القائمة باعتبارها مصدراً لليقين والقوة، ماولّد شعوراً بالتضامن أتاح للحكومات الحصول على استراحة. وقد أدّى ذلك إلى انحسار المعارضة والحد من رغبة الرأي العام في الدفع نحو التغيير.

فيما تصبح التداعيات المترتبة عن جائحة "كوفيد-19" أكثر وضوحاً، يُرجّح أنها ستسلّط الضوء على الإخفاقات السياسية التي جعلت دول شمال أفريقيا شديدة الهشاشة إزاء الفيروس وعرضة إلى حد كبير للتأثّر بتبعاته. فالمنظومات القائمة في هذه البلدان تتّصف باللامساواة والهشاشة الاجتماعية، بسبب سوء الإدارة الاقتصادية وقصور الاستثمار في البنى التحتية والتنمية البشرية. قد تتمكّن الحكومات في البلدان الثلاثة من إعادة اختراع نفسها في المدى لقصير، ولكن أبعد من ذلك، فإن تداعيات الأخطاء التي ارتكبتها هذه الحكومات سوف تؤدّي على الأرجح إلى زعزعة الاستقرار.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.