علا قادوم | باحثة في مرحلة مابعد الدكتوراه في جامعة بيرمنغام. زميلة تدريس في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، متخصّصة بقضايا الشتات والسياسات الشرق أوسطية
الاحتجاجات في العراق ليست مجرد لمع سراب، بل هي تمثّل نقطة تحوّل تاريخية بالنسبة إلى جيل ملّ من قصور وعدم كفاءة الحكومة، والطائفية المُسيّسة، والفساد، والمجتمع المفتقد إلى المساواة. والآن، طالما أن هذه الأعراض مستمرة في المجتمع العراقي، فستتواصل الاحتجاجات. وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات تأثّرت بوباء كوفيد-19، إلا أن روحها لاتزال متأجّجة من خلال الاعتصامات الصغيرة في ساحة التحرير في بغداد وفي تجمعات أصغر في الناصرية والبصرة. كذلك، أولئك المتظاهرون الذين لازالوا يحملون الشعلة، يساعدون على تعقيم الأماكن العامة ويوزعّون المؤن على المحتاجين، ورسالتهم المنطلقة من هذه التجمعات لا تزال تنطوي على التصميم: حالما يتم احتواء وباء كورونا، ستعود الثورة وبزخم أكبر وأقوى.
لكن، ثمة تهديدان يفرضان عوائق كأداء أمام قدرة الحركة على البقاء. التهديد الأول هو تواصل قمع الدولة والميليشيات، بما في ذلك استهداف الناشطين وارتكاب الاغتيالات. فقبل فترة قصيرة، جرى اغتيال ناشطة في الناصرية. والتهديد الثاني هو أن الفترة الزمنية لتواصل فيروس كورونا ستختبر قدرة الحراك على الحفاظ على زخمه. حتى الآن، على الأقل، واضحٌ أن الاحتجاجات توقفت، لكنها على الأرجح لن تصمت.
فاضل حورامي | صحافي في شبكة رووداو الإعلامية، ومقرّها أربيل
فاقمت تداعيات فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العراقي تظلّمات الشباب المهمّشين اجتماعياً منذ العام 2003. يبدو أن رئيس الوزراء المكلّف الجديد مصطفى الكاظمي يحظى بقول أكبر في صفوف المتظاهرين، الشباب بمعظمهم، من أسلافه الذين كان مصيرهم الفشل، لكنه سيجد صناديق الدولة مُستنزفة نتيجة الضربة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا من جهة، والهبوط غير المسبوق في أسعار النفط من جهة أخرى. في خضم هذا الوضع، تُعدّ أي جهود جديّة لتخفيف وطأة تظلّمات الشباب العراقيين شبه مستحيلة.
لم يلعب الشباب العراقيون أي دور في بنى السلطة العراقية منذ العام 2003. بل شاهدوا القوى الإقليمية والدولية تمارس تأثيراً هائلاً على نخبة محلية أكثر اهتماماً في حماية نفوذها منه في خدمة المواطنين العراقيين العاديين.
سيواجه الكاظمي أيضاً صعوبة في التخلّص من إرث العنف المفرط على أيدي القوات الأمنية وعدم انصياع الميليشيات للأوامر، كما تبدّى خلال المظاهرات التي كانت مدفوعة من الشباب. قد تكون المظاهرات هدأت في الوقت الراهن، لكن التبعات الاقتصادية الناجمة عن الوباء فاقمت الأوضاع التي يعاني منها الشباب والمجتمع الأوسع، بما في ذلك الأكراد شمال البلاد. لذا، لا شك أن المتظاهرين سينزلون مجدّداً إلى الشوارع بأعداد غفيرة في المُقبل من الأشهر.
هايلي بوبسين | باحثة مستقلة ومُحللّة لشؤون الشرق الأوسط
فيما لاتزال مجموعات صغيرة من المحتجين مرابطة في ساحة التحرير في بغداد، تنفيذاً لإجراءات الحجر التي فرضتها الحكومة للوقاية من فيروس كورونا، إلا أن معظم تجمعات الاحتجاجات توقفت. لكن حتى قُبيل اندلاع هذا الوباء، كانت أعداد المتظاهرين قد بدأت مسيرتها الانحدارية. كما أن الإطباق العنيف لمختلف أجهزة الأمن على المتظاهرين خلّف مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين أو المخطوفين. حتى اليوم، لايزال بعض هؤلاء مفقودين. علاوةً على ذلك، لعبت الحملات الإعلامية دوراً في تشويه صورة المتظاهرين، عبر الزعم أنهم متورطون في أعمال فاحشة ومنافية للأخلاق، وذلك بهدف تقويض صدقية الحراك وصرف الانتباه عن مسؤولية الحكومة في محاسبة مرتكبي الاعتداءات ضد المتظاهرين. لقد تعب المتظاهرون واحتاج بعضهم للعودة إلى العمل، هذا إذا ما وجدوه.
أدى سحب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر دعمه للحراك إلى خروج وازن للصدريين منه بعد أن شاركوا لأشهر عدة فيه. والمجابهات العنيفة التي تلت ذلك مع "القبعات الزرق" التابعة للصدر بثّت المزيد من فقدان الثقة ومشاعر الطعن بالظهر، ما أسفر عن تعميق الانقسامات في صفوف الحراك. يقول متظاهرون إنهم يأخذون استراحة الآن لإعادة تقييم انجازات وأوجه قصور الحراك ولمناقشة وسائل المضي قدما. هذا في حين تَعِدْ مجموعات الاحتجاج على وسائط التواصل الاجتماعي بالعودة إلى التظاهر قريباً.
على أي حال، لا تزال العوامل الاقتصادية الكامنة التي دفعت الناس إلى الشارع عالقة من دون حل، والأرجح أن تزداد سوءاً. فقطاعات الأعمال لاتزال تترنّح جراء الحجر المتعلق بفيروس كورونا، والفئات المُفقرة أصلاً تُدفع إلى حافة الهاوية. أما محاولات رئيس الوزراء المعيّن مصطفى الكاظمي لإرضاء المواطنين خلال أسوأ أزمة مالية يشهدها العراق منذ سنوات عديدة، في خضم جهوده لجلب النخب السياسية إلى حكومة جديدة، فقد تذروها الرياح على الأرجح.
حارث حسن | باحث أول غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت
ثمة سببان يدفعان إلى الاعتقاد بأن الوباء لن يكتم بالكامل صوت المظاهرات العراقية. أولاً، اكتشف الشباب العراقيون أن المظاهرات وسيلة مهمة لإيصال مطالبهم والشعور بالتمكين الناجم عن أنهم باتوا جزءاً من فعل جماعي. حتى اليوم، ثمة بعض المجموعات التي يرفض ترك ميدان التحرير، منتظرةً اللحظة المناسبة لإعادة إطلاق شرارة حراكهم.
ثانياً، سيؤدي الوباء وعواقبه إلى زيادة الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد سوءاً، فيما سيرغم الانهيار الكبير في أسعار النفط الحكومة على تبنّي إجراءات تقشفية، تسفر عن زيادة معدلات البطالة والفقر. ويُرجّح أن يؤدي الإحباط الناجم عن ذلك إلى موجة جديدة من الاحتجاجات، ولاسيما في حال حدوث انقطاع طويل في التيار الكهربائي خلال أشهر الصيف.
لكن، فيما يحاول رئيس الوزراء المكلّف مصطفى الكاظمي تأليف حكومة جديدة، قد يشكّل الجمود الحالي فرصةً لحكومته لسدّ شيء من فجوة الثقة بينها وبين الشارع، وإظهار التزامها تحقيق بعض مطالب المتظاهرين، مثل إجراء انتخابات مبكرة وحرة.