المصدر: Getty
مقال

جيش الإنقاذ؟

ردود القوات المسلحة اللبنانية على وباء كوفيد-19 كانت ناجحة، لكن لاتزال ثمة مشاكل عالقة.

نشرت في ٦ مايو ٢٠٢٠

على مدى شهر ونيف، كانت مؤسسات الأمن الوطني اللبنانية تُطبّق قراراً أصدرته الحكومة اللبنانية في 21 آذار/مارس بفرض الحجر المنزلي لاحتواء تفشي وباء كورونا المُستجد. وفي يوم إعلان هذا القرار، سجّلت غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث التابعة لرئاسة الحكومة وجود 206 إصابات مؤكدة في لبنان. وبعدها بأكثر من شهر، في 4 أيار/مايو، سجّل الرقم الرسمي اللبناني المُتصاعد 740 إصابة، بما فيها 205 حالات شفاء و25 حالة وفاة.

من السهل وصف رد فعل البلاد على فيروس كورونا ومهمة الجيش في حفظ الأمن العام بأنه نجاح نسبي. فالمعلومات الرسمية تُظهر تباطؤ وتراجع حجم حالات كوفيد-19 على المستوى الوطني، وسجّل عناصر الجيش اللبناني وعائلاتهم أقل من 30 حالة بحلول 28 نيسان/أبريل الماضي.

مع ذلك، التحديات التي فرضها الإغلاق الأولي في لبنان، ستبدو باهتة بالمقارنة مع المزيج الخطر من المسائل الغامضة والملتبسة التي قد يكون على الجيش التعاطي معها مستقبلاً، والتي تشمل على المديَين القصير والمتوسط تداعي التباعد الاجتماعي والمادي، والحاجة للاستعداد إلى مواجهة موجة ثانية مُحتملة من الوباء وما يترافق معها من مهام حفظ الأمن العام. أما على المدى الأبعد، فسينصّب التحدي على كيفية قيام الجيش بتخطيط وتوفير موارد خطط مواجهة أزمات الصحة العامة في العام 2021 وما بعده، من دون أن يؤثّر ذلك على تفضيله مواصلة التركيز على أولوياته التقليدية المتعلّقة بالدفاع الوطني.

هنا تجدر الإشارة إلى أن التوجيه الخاص بـ"التعبئة العامة" لحفظ الأمن العام صدر مع حد أدنى من التنسيق مع القوات المسلحة. وقد تحدّث ضباط كبار عن كيفية صدور قرار من حكومة الرئيس حسان دياب، من دون أن يتضمّن سوى حفنة ضئيلة من الاستعدادات المُسبقة وبروتوكولات الاحتواء لتقليص مخاطر كوفيد-19. كما لم يُعطَ هؤلاء سوى إطلالة محدودة على مدى توافر معدات الحماية الشخصية للعسكريين المنوط بهم الحفاظ على الأمن.

وهكذا، تعيّن على الجيش التركيز بسرعة على التعاطي مع الأزمة. وحين نتذكّر مدى أهمية تجاوز العقلية اللاتعاونية وضرورة التنسيق بين الإدارات، نُدرك أن صناع القرار في السلك العسكري الأعلى وجدوا أنفسهم أمام خيارات عدة لبناء الاتساق الداخلي. وقد عمدوا إلى تشكيل لجنة تركيز للرد على أزمة كوفيد-19 تكونّت من أربعة ضباط من كل من أفرع العناصر، والعمليات، والاستخبارات العسكرية، وإدارات الخدمات الطبية.

هذه اللجنة لم تضم ضباطاً كباراً، بل ضباطاً متوسطي الرتب ما بين رائد وعقيد، أُمروا بالعمل كفريق متماسك ومتسق، وبالتنسيق بسرعة مع سلسلة القيادة وصولاً إلى مكتب قائد الجيش، والاتصال أفقياً من داخل خطوط الجهود العسكرية الكتومة. أما موارد الإمدادات الطبية والهبات، فتم توجيهها من خلال قسم الخدمات الطبية في الجيش وليس من فرع اللوجستيات فيه.

شارك لا أقل من 40 ألف جندي- أي نصف مجموع عناصر الجيش الوطني- في مهمة حفظ الأمن العام. وفي سبيل التخفيف من الانتشار الاجتماعي والحفاظ على الجهوزية العسكرية، جرى تبني نظام المداورة "14 يوماً من الخدمة، 14 يوماً خارج الخدمة"، وقُلّص عدد العناصر الذين لا حاجة إليهم في مقرات القيادة العسكرية اللبنانية، إذ تقدّم 70 في المئة من الضباط و50 في المئة من رتباء ضباط الصف والمُجندين إلى الخدمة. وخّصِّص طابق في المستشفى العسكري لحالات كوفيد-19 فقط يحتوي حالياً على 20 وحدة عناية فائقة.

وبهدف مواجهة محدودية الإمدادات من أقنعة الوجه وأنواع أخرى من معدات الحماية الشخصية، أُنيط بما لا يقل عن وحدتين رئيستين إنتاج الأقنعة بمعدل أوّلي ترواح بين 200 إلى 250 قطعة في اليوم. وفي 4 نيسان/أبريل، شعر كبار ضباط القوات المسلحة بثقة أكبر بأن القوات باتت تمتلك أساسيات الحماية على المدى القصير لنحو 20 ألف عنصر في الخدمة الفعلية.

حصيلة كل هذه الاجراءات، مضافاً إليها التزام المدنيين بالحجر المنزلي بمعدل قدّره العسكريون بنحو 80 في المئة، هي أن الإصابات في صفوف العناصر في الخدمة في الجيش (حتى 3 أيار/مايو) لم تتجاوز ست إصابات بكوفيد-19، ولا أكثر من 20 إصابة بين عائلات العسكريين والعسكريين المتقاعدين. وفي هذه الأثناء، كان 700 عنصر من القوات المسلحة لازالوا في إجازة إجبارية لمدة 14 يوماً، بسبب تماسهم مع فئات اجتماعية قد تكون عرضة إلى خطر الإصابة، أو لأن أعراضاً ظهرت فيهم.

على الرغم من أن هذه النتائج تبدو مشجعة، إلى أن صانعي القرار والمُخططين العسكريين يخشون أن يكون الإغلاق حتى آخر نيسان/أبريل هو المرحلة الأسهل في خضم هذه الأزمة. إذ أن خسارة النشاط الاقتصادي خلال الحجر، وتواصل تدهور المقاييس الاجتماعية- الاقتصادية الحيوية، واستئناف الاحتجاجات الشعبية، قد يكرّسان تداعي التباعد الاجتماعي. وبالتوازي، بدأ عدد ملحوظ من العناصر يظهر تراخياً متزايداً في فرض التباعد الاجتماعي في صفوف القوات المسلحة. ونتيجةً لذلك، يسأل المخططون العسكريون أنفسهم، ليس إذا، بل متى، ستندلع الموجة الثانية من الوباء في لبنان.

سيكون على الجيش في المدى القصير اتخاذ إجراءين لتقليص المخاطر. إذ عليه أن يُعزّز، ويقوّي، وينسّق على نحو سليم، بروتوكولات ومعايير الإجراءات العملانية لاحتواء الوباء مستقبلاً، من مستوى الوحدات الصغيرة صعوداً إلى القيادات. كما سيكون عليه بناء مخزون من معدات الحماية الطبية لمواجهة موجة جديدة من الوباء. وهذا سيشمل تنسيق الهبات وتسلّم معدات إضافية من شركاء الجيش اللبناني، بمن فيهم الولايات المتحدة.

علاوةً على ذلك، سيكون لكوفيد- 19 أيضاً مضاعفات بعيدة المدى. فكما الحال لدى الجيوش في الغرب وحلف شمال الأطلسي، كانت توجيهات التخطيط العسكري السابقة والحالية وفق خطط قدرات التطوير في 2013-2017 و2018- 2022، تعطي الأولوية لمواصلة تطوير وحدات عالية التخصّص لمواجهة التهديدات الكيمائية والبيولوجية والنووية والشعاعية. لكن هذه الخطط لم تركّز على ترقية جهود حماية الجسم الرئيس للجيش خلال أزمات الأوبئة، فيما هو يقوم بمهام حفظ الأمن الوطني.

لقد أظهر الجيش قدرة وبراعة في ردّه على كوفيد-19، لكنه لم يُعفَ من تنفيذ مهام الأمن الوطني كما كان يفعل قبل الوباء، والتي تشمل الحفاظ على الاستقرار على طول الحدود مع سورية، والوفاء بالالتزامات الدولية في جنوب البلاد وفق قرارات الأمم المتحدة، والحفاظ على الجهوزية العسكرية الكافية للدفاع عن وحدة أراضي البلاد. بيد أن مواصلة الحكومة اللبنانية اعتبار القوات المسلحة أداة لحفظ الأمن إبان القلاقل الاجتماعية والاقتصادية هو بمثابة السم في الدسم، لأنه قد يقوّض جيشاً ناضل بضراوة كي يُعتبر المؤسسة الأمنية الشرعية الوحيدة في البلاد.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.