المصدر: Getty
مقال

نزاع البراميل؟

يشير الخلاف السعودي الإماراتي حول قضايا الإنتاج النفطي إلى حدوث تغيير أوسع في ديناميكيات النفوذ الإقليمي.

نشرت في ١٤ يوليو ٢٠٢١

تسبّب الخلاف العلني الذي وقع بين الإمارات والسعودية الأسبوع الفائت في مجموعة "أوبك بلس"، بزعزعة الأسواق الدولية، نظرًا إلى الرهانات الكبيرة المرتبطة بالتوصل إلى اتفاق يدعم التعافي الاقتصادي العالمي. لقد عارضت الإمارات تمديد الاتفاق وتوسيعه، من دون زيادة طاقتها الإنتاجية أولًا. على صعيد المنطقة، اعتُبِر هذا الخلاف بمثابة تصدّع إضافي بين علاقة الرياض وأبو ظبي، خصوصًا في ظل الشراكة الاستراتيجية السعودية الإماراتية، التي تنامت بعد الانتفاضات العربية في العام 2011، ولا سيما منذ العام 2015، أي منذ تسلّم العاهل السعودي الملك سلمان ونجله محمد بن سلمان مقاليد الحكم في المملكة.

لكن تطور الأحداث يُعبّر عن أكثر من مجرد خللٍ في العلاقات الثنائية. لا شكّ في أن البلدَين سوف يتجاوزان هذا الخلاف الأخير، مثلما حدث عندما اختلفا بشأن مسائل أخرى مثل السياسات المرتبطة بكل من اليمن وقطر وإسرائيل وتركيا، وغيرها، لأن منافع هذه العلاقة الثنائية أكبر بكثير من الأكلاف. وأبعد من العلاقة في حد ذاتها، يعبّر هذا الخلاف الأخير عن الديناميكيات التي تشهدها منطقة تخضع لعملية إعادة دوزنة واسعة يتجلّى أوجه مظاهرها من خلال التنافس الاقتصادي المتنامي في الخليج والصوت الإماراتي الأكثر حزمًا.

كما درجت العادة عند وقوع خلاف بين الدولتين، لجأت شخصيات سعودية وإماراتية إلى التغريد على تويتر للتعبير بشكل غير مباشر عن تحفظات كل جانب تجاه الجانب الآخر. وقد كشفت عملية شد الحبال هذه عن نزعة قومية مفرطة كانت واضحة للعيان في الدولتَين خلال الأعوام الأخيرة. فقد غرّد تركي آل الشيخ، مستشار الديوان الملكي السعودي والمقرب من الأمير محمد بن سلمان، بعد الخلاف في مجموعة "أوبك بلس" ما يلي: "صاحبي.. والله ما عادك صاحبي. الزمن غيّرك.. وظروف الحياة والزمن.. وإن راح بك.. ما راح بي".

كان المسؤولون الإماراتيون أقل شاعريةً، ولكنهم لم يتوانوا بدورهم عن إطلاق كلام لاذع. فقد غرّد المسؤول الإماراتي السابق ضاحي خلفان الذي غالبًا ما تعبّر تغريداته عن توجه الدولة الإماراتية، قائلًا: "المصلحة تسبق العلاقة" و"هذا زمن لا يعرف الصداقة أو الأخوة.. إنه زمن المصالح المادية" و"البقاء ليس للأقوى في عالم البشر.. البقاء للأذكى". في الواقع، تجري إعادة نظر في نمط التحالف منذ العام 2019، بعد التحوّل الذي شهدته الاستراتيجية الإماراتية في اليمن. والمبدأ غير المعلَن خلف هذه العملية هو إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية.

يمكن فهم الخلاف الأخير على نحوٍ أفضل في ضوء التصوّر المتنامي في الخليج بأن حلول حقبة ما بعد النفط بات وشيكًا. وقد أدّى هذا الاعتبار إلى بذل محاولات للتنويع الاقتصادي في مختلف أنحاء المنطقة، وساهم في توجيه بوصلة الكثير من القرارات السعودية، من بينها مساعي نقل مقار الشركات الإقليمية، ولا سيما أن معظمها يقع في الإمارات، إلى المملكة كي تستمر تلك الشركات في إفادة قطاع الأعمال السعودي، وتعديل قواعد الاستيراد المتعلقة بالسلع التي تُنتَج في مناطق التجارة الحرة التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي، وتُعتبر هذه المناطق سمة لطالما تميزت بها الإمارات.

من هذا المنطلق تحديدًا يجب قراءة القرار الذي اتخذته الإمارات برفض اتفاقية "أوبك بلس" والمطالبة بزيادة حصتها من الإنتاج. ثمة ميلٌ إلى تصوير الإجراءات الاقتصادية بأنها موجَّهة عمدًا ضد دولة معيّنة، لكن ما تسعى إليه كلٌّ من الإمارات والسعودية تحديدًا هو الحفاظ على المصالح الذاتية، ما يؤدّي إلى أجواء أكثر تنافسية لجميع الأطراف. مع ذلك، إذا تُرك حبل الخلافات على غاربه، فقد تتعاظم مثل كرة الثلج وتؤثّر سلبًا في دول الجوار. لكن المنطقة لم تصل إلى هذه المرحلة بعد، ولا داعي لأن تصل إليها بما أنها قادرة على استيعاب تعدد المراكز الاقتصادية، شرط أن تتجنّب دول الخليج التحديات التي ترافق هذه المنافسة، والتي قد تقودها إلى استنساخ نماذج التنويع الاقتصادي من دون أي ابتكار، ما قد يفضي إلى أشكالٍ من التنافس أكثر عدوانية.

التحوّل الآخر الذي أثّر على المسائل الاقتصادية هو تنامي نظرة الإمارات إلى نفسها كقوة إقليمية. ففي ضوء هذه الوضعية الجديدة، لن تسمح الإمارات لدول أخرى، ومنها السعودية، بتقويض مصالحها. وفي هذا الإطار، شكّل الاعتراض الشديد الذي أبدته الإمارات منفردةً على اتفاق "أوبك بلس"، والذي كان يُعتقد سابقًا بأنه لن يواجه عقبة الاعتراض وأنه سيبصر النور قريبًا، مؤشّرًا على إبراز الإمارات لنفوذها، وأماط اللثام بشكل علني عن الخلافات مع السعودية. ويُعتبر ذلك تناقضًا حادًّا مع النموذج المتّبع في العلاقات بين الدولتَين والقائم على إدارة خلافاتهما خلف الكواليس.

يُعزى ذلك جزئيًا أيضًا إلى إخفاق المؤسسات. لا يمكن لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي أنشئ في العام 2016 ولا لمجلس التعاون الخليجي التدخّل لحلحلة الوضع لأن العلاقات بين دول الخليج تتسم عادة بطابع شخصي، على الرغم من وجود مؤسسات متعددة. وقد أدى غياب المأسسة هذا، عن غير قصد، إلى خروج الخلافات إلى العلن، ما أصبح واقعًا مستجِدًا على ضوء الشقاق الخليجي (2017-2021). لكن هذا الواقع الجديد ربما يخفي في طياته، للمفارقة، جانبًا إيجابيًا، يتمثّل في إطلاق آليةً شاملة أكثر تسهم في إطلاع المواطنين على الشؤون العامة وإفساح المجال لهم للمشاركة فيها، حتى لو أن الأمر يقتصر حاليًا على التعبير عن المواقف على مواقع التواصل الاجتماعي.

شهدت العلاقات مع السعودية مدًّا وجزرًا منذ تأسيس دولة الإمارات في العام 1971. وقد ازدادت الرهانات على ضوء التعاون السعودي الإماراتي المتقدّم في الأعوام الأخيرة، ولكن من السابق لأوانه نعي هذه العلاقة الثنائية أو توقُّع حدوث شقاق في مجلس التعاون الخليجي. فالبلَدان يعملان على إصلاح ذات البين، فيما يتطوران ويتفهمان هذا التطور على نحوٍ أفضل. صحيحٌ أنهما يخوضان منافسة متزايدة في ميادين عدّة، لكنهما يدركان أنهما يحتاجان إلى بعضهما البعض.

بيد أن ذلك لا يعني أن العلاقات السعودية الإماراتية محصّنة من مشاكل إضافية، بل ثمة أمور ثلاثة يجب متابعتها لتحديد الاتجاه الذي قد تسلكه هذه العلاقات. أولًا، إلى أي حد سوف تستعرض الإمارات قوتها، مثلما فعلت في المواجهة داخل "أوبك بلس"، من دون التشكيك في الدور القيادي الأوسع الذي تضطلع به السعودية أو عرقلته؟ ثانيًا، ما حجم التنسيق الذي سيكون مقبولًا على ضوء التنافس الاقتصادي؟ وهل ستوافق الدولتان على تقديم تنازلات متبادلة في أوقات الخلافات، أم ستسمحان بحدوث تدهور في العلاقات بينهما؟ أخيرًا، كيف ستؤثّر التطورات الداخلية والإقليمية والعالمية المتسارعة في نظرة الدولتين إلى التهديدات وفي مكانتهما الجيوسياسية؟ سترسم هذه العناصر المتداخلة معالم العلاقات السعودية الإماراتية، وتُملي المستويات المقبولة للتقارب والتباعد في المراحل المقبلة.

سيتم حل الخلاف النفطي الحالي بسبب - وليس رغم - الوعي بالديناميكيات المتغيرة في العلاقة السعودية الإماراتية. ما يجب التركيز عليه هو أن الاشتباك العلني الأخيرأكد بأنه حتى وإن كانت العلاقات بين الجانبين متينة، فإن الديناميكيات الراهنة ستلقي بظلالها على توجهات الدولتَين بشكل خاص، وهو ما سيؤثر على المسار الذي تسلكه منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.