المصدر: Getty
مقال

الجيش يستولي على السلطة في السودان ويحلّ الحكومة الانتقالية

تحليل مقتضب من باحثي كارنيغي حول الأحداث المتعلقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نشرت في ٢٦ أكتوبر ٢٠٢١

ماذا حدث؟

في 25 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن قائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد وحلّ الحكومة الانتقالية، وجرى اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومسؤولين حكوميين آخرين. وعلى الإثر، خرج عشرات آلاف المدنيين العُزّل إلى شوارع العاصمة الخرطوم ومدن أخرى احتجاجًا على استيلاء الجيش على السلطة، متحدّين الرصاص الحي الذي تطلقه أجهزة الأمن.

طالبت الولايات المتحدة، التي كانت حذّرت الجيش السوداني من الإقدام على خطوة مماثلة قبل ساعات فقط من بدء العملية، ومعها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى كالاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، بعودة السلطة بالكامل إلى الحكومة المدنية بقيادة حمدوك. وحذّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس من أنه، في حال عدم الامتثال لذلك، "ستعيد الولايات المتحدة تقييم مجمل علاقتها [مع السودان]".

وحتى يوم الاثنين، كان البرهان يترأس أيضًا مجلس السيادة، الذي تأسّس في العام 2019 لتولي مهام الديكتاتور السابق عمر البشير، بالاتفاق مع الأحزاب والجمعيات المنضوية تحت لواء المعارضة السودانية. لكن البرهان قام بتعليق أحكام رئيسة من الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية للعام 2019، ما أدّى فعليًا إلى حلّ المجلس والحكومة الانتقالية، وإبطال كامل الاتفاق السياسي الذي استندت إليه الوثيقة. وهكذا، عاد المجلس العسكري الانتقالي، الذي تستخدمه القوات المسلحة السودانية للتدخّل في الشؤون السياسية منذ نيسان/أبريل 1985، إلى حكم السودان مجدّدًا.


 

أين تكمن أهمية المسألة؟

كان السودان يسير على درب وعر نحو الانتقال الديمقراطي، لكنه انحرف الآن عن مساره بالكامل على ما يبدو. وينطوي هذا على أهمية بالغة بالنسبة إلى دولة حكمها مدنيون منتخبون لفترة عشر سنوات فقط منذ استقلالها في العام 1956، ولطالما كانت حياتها السياسية هي بالكامل حياة سياسية عسكرية. وقد شكّك البعض بتخلّي الجيش عن البشير في العام 2019، واعتبروا ذلك خطوة تكتيكية ليس إلا، وأن الجيش لن يتنازل فعليًا عن السلطة.

وكان من المهم أيضًا رؤية ما إذا كانت القوات المسلحة السودانية ستسير على خطى نظيرتها المصرية، التي تحوّلت من موقف القبول الضمني عند إطاحة الرئيس حسني مبارك في العام 2011، إلى فعل الاستيلاء على السلطة في العام 2013. وتحذيرًا من هذا المصير، رفع المتظاهرون السودانيون المطالبون بتحقيق الانتقال الديمقراطي الكامل في العام 2019 شعار "إما النصر وإما مصر".

إن الاستياء الشعبي من أداء الحكومة الانتقالية صادق ومفهوم، لكن فلول نظام البشير استغلّته لمآربها الخاصة. في غضون ذلك، يرى بعض مناصري الحكومة أن الجيش والأجهزة الأمنية المتحالفة معه يشاركان في إثارة الخلافات والانقسامات في شرق السودان. إذ عمدت مؤخرًا عناصر قبلية هناك إلى قطع الطرق المؤدية إلى الميناء الرئيسي للبلاد، ما فاقم شحّ الإمدادات الأساسية وأجّج الأزمة السياسية، ما أعاد إلى الأذهان التراكمات المفتعلة التي سبقت حدوث الانقلاب في مصر في العام 2013. ويشتبه هؤلاء كذلك بتواطؤ البرهان مع محمد حمدان دقلو الملقّب بـ"حميدتي"، وهو نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، التي تُعتبر المنافس العسكري الأساسي للقوات المسلحة السودانية. وقد اتّفق الرجلان في الآونة الأخيرة على تحميل مسؤولية الأزمة للانقسامات التي تعتري صفوف المجموعات السياسية المدنية.

من المجدي إلى حدٍّ ما تشبيه ما حدث في السودان بحالة مصر، لكن تجدر الإشارة إلى أن الحكم العسكري في السودان سيواجه ثلاثة تحديات مختلفة للغاية. يتمثّل التحدي الأول في الحفاظ على السلام الهشّ مع عددٍ من حركات التحرّر المسلحة في أجزاء من إقليم دارفور وولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وسيتعيّن عليه كذلك كبح التهديدات المحتملة التي تطرحها النزعات الانفصالية في شرق السودان، حيث تعلو الأصوات المطالِبة بالحصول على حكم ذاتي كامل منذ استقلال البلاد، في ظل احتدام التشنجات هناك على خلفية توافد أعداد كبيرة من اللاجئين الفارّين من مناطق أخرى في البلاد على مدى العقد الماضي. ولا شكّ في أن البرهان سيبذل قصارى جهده للحفاظ على السلام مع المجموعات المسلحة، لذا سيحتاج إلى هذا التحالف مع حميدتي للمساعدة في ضمان حيادها، كي لا نقل دعمها.

ويكمن التحدي الأساسي الثاني الذي يواجه البرهان في غياب جيش موحّد وفقدان الدولة احتكارها لوسائل العنف، ما يجعل البرهان على الأرجح مضطرًا إلى الاعتماد على خصمه أكثر مما يريد. ومع أن تحالفهما يُعدّ تكتيكيًا في الوقت الراهن ويصعب الحفاظ عليه، سيكون من الضروري التمسّك به إذا أُريد للحكومة العسكرية أن تعمّر طويلًا. لكن المعطيات المتوافرة في هذا الصدد لا تبدو مشجّعة. فالرجلان يخوضان منذ العام 2019 منافسة من أجل السيطرة على مجموعة متنوعة من القوات شبه العسكرية والوكالات الاستخباراتية، ولدى كلٍّ منهما تحالفات مختلفة، وأحيانًا متضاربة، في المناطق السودانية التي تمزّقها النزاعات.

أما التحدي الثالث فهو العمل على تحقيق تعافي الاقتصاد الذي يئنّ تحت وطأة عقود من العقوبات، والانتفاع من الحروب الدائرة، والممارسات الافتراسية التي انتهجتها الجهات المسلحة، مثل الجيش وقوات الدعم السريع والفصائل المتنوعة من المتمردين المسلحين. هذا الوضع الاقتصادي هو ما ساهم في الواقع في ترجيح المزاج الشعبي نحو عودة الحكم العسكري. يُرجَّح أن تبادر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتان لم ترتاحا يومًا إلى عملية الانتقال الديمقراطي وانحازتا إلى الحكم العسكري، إلى ضخ الأموال في السودان في القريب العاجل، وأن تتعهّدا بإقامة استثمارات في البلاد ودعم مشاريع البنى التحتية في الأمد المتوسط. وهكذا، لن تكون المؤسسة العسكرية مضطرة إلى الإيفاء بالوعد الذي قطعته في آذار/مارس 2021، والذي يقضي بنقل الشركات التجارية المملوكة للمؤسسة العسكرية إلى سيطرة الوزارات الحكومية المدنية. وقد تشجّع هذه الخطوة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع على الانخراط مجدّدًا في ممارسات افتراسية، ولا سيما أن هذه الأخيرة ضالعة في تجارة الذهب وأنشطة السوق السوداء، من دون أن تسعى إلى حل المشاكل الاقتصادية الجوهرية التي تعانيها البلاد.


 

ما مضاعفات ذلك على المستقبل؟

قد يتراجع البرهان في وجه تلويح الولايات المتحدة والدول الغربية بفرض عقوبات جديدة، أو قد يبحث عن حلفاء له في صفوف الأحزاب السياسية المتخاصمة من أجل تشكيل حكومة مدنية شكلية، لتعزيز التزامه المُعلَن بعملية الانتقال الديمقراطي ورفع الضغط الدولي عنه. هنا أيضًا قد تحاول القوات المسلحة أن تحذو حذو القوات المسلحة المصرية التي شكّلت حكومة مدنية متعددة الأحزاب في أعقاب تسلّمها سدة الحكم. إن التقارير المتواترة عن ممارسة ضغوط على حمدوك لدفعه إلى القبول بالانقلاب، تمنح صدقية إلى الاعتقاد بأن البرهان قد يريد من حمدوك أن يواصل مهامه الحكومية تحت وصاية عسكرية، لمساعدته على إضفاء الشرعية الدولية على الانقلاب العسكري.

يُشار إلى أن حجم التنازلات التي سيقدّمها البرهان من أجل تحقيق هذا السيناريو رهنٌ بزخم المظاهرات التي تشهدها البلاد، وبمدى الحزم الذي ستبديه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات، مثل الاتحاد الأفريقي، في دعواتها لإعادة السلطة بشكل كامل إلى الحكومة المدنية بقيادة حمدوك.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.