المصدر: Getty
مقال

ما المسائل المطروحة للنقاش؟

يناقش ديميتري ترينين، في مقابلة معه، القضايا التي تحظى باهتمام منطقة الشرق الأوسط في ملف الأزمة الأوكرانية.

نشرت في ٢١ فبراير ٢٠٢٢

ديميتري ترينين مدير مركز كارنيغي في موسكو. صدر له كتاب بعنوان "ما الذي تخطط له روسيا في الشرق الأوسط؟ (What is Russia Up To In the Middle East?) عن منشورات "بوليتي" في كانون الأول/ديسمبر 2017. قبل انضمامه إلى كارنيغي في العام 1994، خدم في الجيش الروسي وتخرّج في العام 1997 من المعهد العسكري التابع لوزارة الدفاع في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وفي العام 1984، نال ترينين دكتوراه في التاريخ من معهد الدراسات الأميركية والكندية التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية. أجرت "ديوان" مقابلة معه في شباط/فبراير الجاري للنقاش حول الأزمة في أوكرانيا من منظور دول الشرق الأوسط.

مايكل يونغ: يراقب العالم العربي عن كثب فصول الأزمة الأوكرانية. ما هي برأيك أبرز المسائل التي تركّز عليها الأنظمة العربية في هذا الصدد؟

ديميتري ترينين: أعتقد أن الدول العربية مهتمّة بالخطوات التي ستتّخذها واشنطن وموسكو في هذا النزاع، والتفاعل بين الجانبَين بشأن أوكرانيا. وقد تصل دول المنطقة إلى خلاصة مفادها أن الولايات المتحدة غير مستعدّة لخوض حرب للدفاع عن دولة حليفة لها هي أوكرانيا. وهذا يعني أن الضمانات الأمنية الأميركية، على سبيل المثال من خلال انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، لا يمكن إعطاؤها في ظل وجود تهديد حقيقي بحدوث مواجهة عسكرية مع دولة عظمى نووية أخرى. والخلاصة الثانية هي أن الصين تتّخذ للمرة الأولى موقفًا حول القضايا الأمنية الأوروبية، يؤيّد المخاوف الأمنية الروسية (لكن لا يدعم بالضرورة خطوات محدّدة لموسكو). وهذا الدعم الروسي الصيني المتبادل على الساحة الدولية في وجه الولايات المتحدة أصبح مشهدًا مألوفًا جديدًا.

يونغ: ما الجانب الذي سيُهمّ إيران تحديدًا في الأزمة الأوكرانية؟ وكيف ينعكس ذلك على المفاوضات الجارية في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران؟

ترينين: سعت روسيا جاهدةً، خلال الأزمة الأمنية الأوروبية، للتوصل إلى اتفاق حيال البرنامج النووي الإيراني. وكان الموقف الروسي بشأن حظر الانتشار النووي متّسقًا منذ بدء المواجهة الأميركية الروسية في العام 2014.

يونغ: غالب الظن أن يدفع الموقف الروسي الحازم أوروبا إلى إعادة تقييم عملية حصولها على إمدادات الطاقة. ما التغييرات التي تتوقع أن تشهدها السياسات المعنية بخطوط الأنابيب، ولا سيما حيال الشرق الأوسط؟ وعلى ضوء الأزمة الأوكرانية، هل من الواقعي افتراض أن الدول الأوروبية يمكن أن تعود إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل بدء مشروع خط أنابيب نورد ستريم؟

ترينين: إن إلغاء مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 (الذي لم يبدأ تشغيله بعد)، وعلى نطاق أوسع تقويض العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في مجال الطاقة، لخفض اعتماد أوروبا على الغاز الروسي أو الحدّ منه، هو هدفٌ أساسي يصبو إليه كثيرون في الولايات المتحدة وأوروبا. يُشار إلى أن موقف إدارة بايدن الحالي المتحفّظ نسبيًا حيال خط نورد ستريم 2 يندرج في سياق الاتفاق بين واشنطن وبرلين، بيد أن هذا الموقف قد يتشدّد أكثر على وقع تطوّر الأزمة مع روسيا. في غضون ذلك، تحاول الولايات المتحدة البحث في أماكن أخرى مثل قطر عن سبل تعويض أي خسارة قد تقع نتيجة التعليق المُحتمل لشحنات الغاز الروسي. وحتى الآن، لا تزال ألمانيا تضبط موقفها، ولا سيما أن أي خطة ترمي إلى إيجاد بديل عن الغاز الروسي ستكبّدها تكاليف أكبر بكثير، ما يُضعف قدرة المنتجات الصناعية الألمانية على المنافسة. لكن الزيارة التي قام بها مؤخرًا المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز إلى موسكو لا تبشّر بالخير لمستقبل العلاقات الروسية الألمانية.

يونغ: يبدو أن ما يحصل حاليًا في أوكرانيا هو رد فعل روسي على ميل الولايات المتحدة، وربما الغرب عمومًا، إلى الاستخفاف بروسيا بعد الحرب الباردة، سواء في يوغوسلافيا السابقة، وتحديدًا كوسوفو، أو في العراق وليبيا. وأعتقد أن أولى الخطوات الجادّة التي اتّخذتها روسيا للرد على ذلك خارج حدود الاتحاد السوفياتي السابق كانت في الشرق الأوسط، وخصوصًا في سورية. لكن، ما المساعي التي ستبذلها روسيا في المنطقة لإعادة فرض موقعها كقوة عظمى لا تستطيع واشنطن تجنّبها؟

ترينين: لا أعتقد أن روسيا ستعمد إلى توسيع وجودها العسكري في الشرق الأوسط لمجرّد إعادة إثبات نفسها كقوة عالمية. ببساطة، تسعى موسكو إلى إقامة علاقات مع معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مستعدة للقيام بما يلزم، ضمن حدود المنطق، للحفاظ على مصالحها. علاوةً على ذلك، روسيا منهمكة في التواصل مع عدد من الدول غير الغربية، بدءًا من أفريقيا ومرورًا بآسيا ووصولًا إلى أميركا اللاتينية، من أجل توسيع نطاق نفوذها، واكتساب شركاء جدد، والتعويض عن تدهور علاقتها مع الولايات المتحدة وحلفائها.

يونغ: كثُرت التعليقات والانتقادات بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا إلى موسكو، حول احتمال تطبيق السيناريو الفنلندي (Finlandization) في أوكرانيا. وفي الشرق الأوسط أمثلة عدّة ضمنيًا عن هذا السيناريو، في الدول الصغيرة التي تحرص على تجنّب الوقوف في وجه مصالح جيرانها الأقوى. هل تعتقد أن هذا السيناريو سيكون جزءًا من أي حل للأزمة الأوكرانية؟

ترينين: أُفضّل تجنّب مصطلح Finlandization لأنه يخدش مشاعر أصدقائي الفنلنديين. بدلًا من ذلك، يمكننا ببساطة معاينة الوضع الجيوسياسي والاستراتيجي الفعلي لأوكرانيا. فقد أوضح الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة لن تدافع عن أوكرانيا، حتى في حال تعرّضت إلى الغزو واحتُلَّت أراضيها، ما يعني أن واشنطن لن تسمح بضمّ أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي طالما أن روسيا تعتبر ذلك سببًا يبرّر شنّ حرب. لذلك، سيتعيّن على الأوكرانيين التفكير مليًا في خطواتهم المقبلة إذا تعذّر عليهم الاعتماد على الضمانات الأمنية الأميركية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.