المصدر: Getty
مقال

تقارب مفعم بالطاقة؟

يزور الرئيس الإسرائيلي تركيا اليوم، وسيناقش الجانبان مسائل كثيرة ذات مصلحة مشتركة.

 فراننشيسكو سيكاردي
نشرت في ٩ مارس ٢٠٢٢

توجّه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ اليوم إلى تركيا في زيارة تمتدّ ليومَي 9 و10 آذار/مارس وتشكّل فرصة لتحسين العلاقات بين البلدَين بعد عقد من العداء. وتشكّل هذه الزيارة خطوة إضافية على مسار تطبيع العلاقات بين تركيا ومنافسيها الإقليميين السابقين، ولا سيما أنها تأتي بعد الزيارة التي أجراها مؤخرًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات العربية المتحدة.

من شأن التقارب التركي الإسرائيلي أن يفرز تأثيرات إقليمية كبرى تصب في صالح البلدَين. فهما متّفقان على الكثير من المسائل الأساسية، ويدعمان كييف في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا لكنهما يحاولان في الوقت نفسه ألّا يثيرا حفيظة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فتركيا وإسرائيل تستفيدان من الحفاظ على علاقات جيدة بالكرملين تتيح لهما مثلًا شنّ هجمات على أعدائهما في سورية، إي تباعًا وحدات حماية الشعب الكردية، وحزب الله وسائر وكلاء إيران. وينظر الجانبان إلى إيران على أنها تهديد لهما، سواء في سورية أو في خارجها.

وعلى مستوى العلاقات الثنائية بين البلدَين، تكمن الأولوية بالنسبة إلى إسرائيل في أن تحدّ أنقرة من دعمها لحركة حماس التي لديها مكاتب في تركيا. أما بالنسبة إلى تركيا، فهي تدرك أن خصوماتها الإقليمية أصبحت تفوق قدرتها على التحمّل، إذ يواجه اقتصادها إحدى أسوأ الأزمات التي شهدها خلال السنوات العشرين الأخيرة، فيما تعيش البلاد نسبيًا حالة من العزلة عن الغرب. ومن المتوقع إجراء انتخابات عامة في منتصف العام 2023، لذا يسعى أردوغان حاليًا إلى وضع البلاد على مسار دولي أكثر اعتدالًا، لحشد الموارد اللازمة لتحسين الوضع الاقتصادي.

لكن الحرب في أوكرانيا تزيد الأمور تعقيدًا بالنسبة إلى تركيا، التي تعتمد على روسيا من حيث العائدات السياحية وموارد الطاقة. فكانت أنقرة تتوقع أن يوفّر الموسم السياحي موارد مهمة تسهم في تحسين مالية الدولة، لكن تم تقويض هذا الأمر. كذلك، يؤدي النزاع الدائر إلى ارتفاع أسعار سلع أساسية تستوردها تركيا، مثل الغاز الطبيعي والقمح، ما سيغرق البلاد بشكل أعمق في أزمة تضخمية.

في ظل هذا السيناريو، قد يوفّر التعاون مع إسرائيل حبل نجاة غير متوقع لتركيا. فللبلدَين تاريخ مثمر من التبادل التجاري والسياحة، ناهيك عن أن إسرائيل أصبحت في السنوات الأخيرة من الدول المصدّرة للغاز الطبيعي، ويمكنها بالتالي تزويد تركيا بمورد أساسي للطاقة. ويتماشى ذلك مع هدف أنقرة الرامي منذ فترة طويلة إلى تخفيف اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي. ولهذا السبب، أشار أردوغان أكثر من مرة على أن التعاون على مستوى الغاز والطاقة هو دافع أساسي وراء تحسين علاقات بلاده مع إسرائيل. يُضاف إلى ذلك أن زيارة هرتسوغ تتزامن مع لحظة مهمة في منطقة شرق المتوسط.

واقع الحال أن دول شرق المتوسط تتنازع منذ سنوات كثيرة حول حدود المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة، إضافةً إلى وضع قبرص. وقد فاقم اكتشاف الغاز الطبيعي منذ العام 2009 الخصومات الإقليمية. ففي العام 2019، أسّست كلٌّ من قبرص ومصر وفرنسا واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين منتدى غاز شرق المتوسط الرامي إلى نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر قبرص من خلال خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إيست ميد).

لكن تحوّل الاتحاد الأوروبي بعيدًا عن الوقود الأحفوري يعني أن اهتمام الأوروبيين باستيراد الغاز الطبيعي من شرق المتوسط يتراجع باطّراد. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أدّى قرار الولايات المتحدة سحب دعمها لخط أنابيب إيست ميد إلى إلغاء المشروع، وبالتالي إزالة إحدى المسائل الأساسية المتنازع عليها في المنطقة.

ويصبّ الانفراج في شرق المتوسط في مصلحة أنقرة، التي ستتمكن من خلال تعاونها مع إسرائيل من مواصلة الاستثمار في استراتيجيتها الناجحة حتى الآن والرامية إلى تنويع مصادر الطاقة لديها بعيدًا عن الغاز الروسي. ويعدّ تنويع واردات الطاقة أساسيًا لتركيا التي تستورد جميع موارد الطاقة التي تستهلكها تقريبًا، وقد شهدت مؤخرًا نقصًا في هذا المجال. فقد أدّى انخفاض قيمة الليرة التركية خلال العام الفائت إلى ارتفاع فاتورة الطاقة للأسر التركية بنسبة تصل إلى 127 في المئة، و400 في المئة للقطاع الصناعي.

ومع أن تعاون تركيا مع إسرائيل في قضايا الطاقة أمرٌ مهم، لا يزال الجدول الزمني لهذا التعاون مبهمًا. فبناء خط أنابيب جديد بين إسرائيل وتركيا سيكون مشروعًا مكلفًا ولن يبدأ تشغيله قبل بضع سنوات. وينطبق الأمر نفسه على استثمار حقل الغاز الطبيعي المُكتشَف حديثًا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا في البحر الأسود. لذا، قد تواجه خطة أردوغان الرامية إلى إرساء أسس التعاون المشترك مع إسرائيل لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا بعض العراقيل.

علاوةً على ذلك، لا يزال الاتحاد الأوروبي يركّز على هدفه المتمثّل في الاستغناء الكامل عن المواد الهيدروكربونية كمصدر للطاقة بحلول العام 2050. وحتى إن شملت معايير برنامج التمويل الأخضر الغاز الطبيعي من أجل تسهيل وصول أوروبا إلى الحياد المناخي، ما من زخم فعلي لبناء خطوط أنابيب جديدة ومكلفة لنقل الغاز الطبيعي. وفي العقود المقبلة، ستكون القدرة على إنتاج طاقة متجدّدة ونقلها إلى أوروبا في غاية الأهمية، فيما تسعى دول الاتحاد الأوروبي للاستغناء عن المواد الهيدروكربونية. في هذا الإطار، يمكن أن تتبنى تركيا رؤية بعيدة المدى تقضي بالاستثمار في موارد الطاقة المتجدّدة، بدءًا من مزارع الرياح ووصولًا إلى الهيدروجين الأخضر، فضلًا عن بناء روابط مع جيرانها.

هذه إذًا قضايا سيناقشها أردوغان بإسهاب مع نظيره الإسرائيلي هرتسوغ. ففي آذار/مارس من العام 2021، احتجت تركيا لدى حكومات قبرص واليونان وإسرائيل معترضةً على مشروع الربط الكهربائي الأوروبي الآسيوي (EuroAsia Interconnector) المقرّر والذي يهدف إلى ربط شبكات الكهرباء الوطنية في اليونان وإسرائيل مرورًا بقبرص، من خلال خط كهربائي تحت الماء. ومن المفترض أن يبدأ تشغيله بحلول العام 2025، لكن تركيا تزعم أنه يعبر جرفها القاري. إذًا، يجب على أي تعاون مُقبل بين إسرائيل وتركيا، سواء كان حول الغاز أو الكهرباء، أن يحلّ الخلافات القائمة بين تركيا وقبرص بشأن مناطقهما الاقتصادية الخالصة.

وقد تكون التكنولوجيا الخضراء مسألة أخرى يتّفق بشأنها أردوغان وهرتسوغ. فإسرائيل رائدة في هذا القطاع، وسبق أن تعاونت فيه مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وغالب الظن أن تعزيز التعاون على المستوى البيئي سينال استحسان الولايات المتحدة. فمن شأن تحسّن العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وبين دول شرق المتوسط عمومًا، أن يلقى ترحيبًا في واشنطن، إذ يشكّل نتيجة إضافية لعملية تطبيع العلاقات بين دول المنطقة، والتي أطلقتها اتفاقات أبراهام.

ينبغي الانتظار لرؤية ما إذا ستنجح تركيا وإسرائيل في الحفاظ على تقاربهما. فبعد تدهور العلاقات الدبلوماسية بينهما في فترة 2010-2011، تأرجحت هذه العلاقات بين الشراكة حينًا والبرودة حينً آخر. وفيما يبدو أردوغان ملتزمًا بانفتاحه، وإسرائيل متفائلة بحذر، ستشكّل التحديات المُقبلة اختبارًا أصعب لتطوّر مسار العلاقات بين البلدَين.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.