بمناسبة يوم المرأة العالمي في آذار/مارس الماضي، نُشِر مقطع فيديو مصوّر لعسكريات من القوّات المسلّحة الأردنية يتسلقن أبراجًا، ويطلقن النار، ويهبطن من المروحيات. تُظهر هذه الوحدات النسائية الخاضعة لإشراف القيادة العليا في الجيش الأردني، بما في ذلك رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف الحنيطي، أن القيود على المواقع التي يمكن للمرأة أن تشغلها في القوّات المسلّحة قد أصبحت جزءًا من الماضي.
وفي هذا الصدد، تتمثّل رؤية القوّات المسلّحة الأردنية التي حدّدتها ضمن استراتيجية إدماج النوع الاجتماعي الصادرة في أيلول/سبتمبر 2021 في "أن تكون [القوات المسلّحة] مؤسسة أمنية رائدة على المستوى العربي والدولي في إدماج مفهوم النوع الاجتماعي، وبناء قدرات الكفاءات الجندرية، وتعزيز النهوض بالمرأة في القوات المسلحة الأردنية". كذلك، وضعت القوات المسلحة هدفًا بزيادة نسبة مشاركة النساء إلى 3 في المئة في مناصب ضباط الميدان، أي في وحدات الخطوط الأمامية مثل سلاح المشاة.
لكن لتحقيق ذلك، يجب أولًا تخطي عقبات مهمة على صعيد التنظيم الهيكلي والبنى التحتية، ابتداءً من الأعداد القليلة للنساء في المناصب القيادية وانتهاءً بعدم توافر وسائل النقل والإقامة الملائمة للنساء اللواتي يتم نشرهنّ في الوحدات الميدانية. يكتسي هذان التحديان أهمية خاصة نظرًا إلى المعايير السائدة في المجتمع المحافِظ، والمحيطة بمسألة مغادرة النساء منازلهنّ والنوم خارجها. واقع الحال أن عملية دمج النساء في القوّات المسلّحة الأردنية تحدث في ظل سياق اجتماعي تطغى فيه الإيديولوجيات الجندرية التقليدية وتترسّخ من خلال هياكل النظام الأبوي القائمة. تشارك 16 في المئة فقط من الأردنيات في القوة العاملة، ولا تزال المرأة الأردنية تناضل لتحقيق المساواة القانونية الكاملة.
كذلك، يُعتبر نقص التمويل من المشكلات المستمرة. فقد أقرّت مستشارة النوع الاجتماعي في القوّات المسلّحة الأردنية بأن "عملية صياغة استراتيجية إدماج النوع الاجتماعي كانت غائبة تمامًا عن عملية إعداد الموازنة". تسعى مديرية شؤون المرأة العسكرية، التي تُعنى بإدماج النساء في أدوار غير تقليدية والتي استفادت مؤخرًا من مساهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في تحسين قدراتها وبنيتها التحتية، إلى الحصول على الدعم من جهات مانحة دولية من أجل العمل على تحقيق الأهداف التي حدّدتها استراتيجية إدماج النوع الاجتماعي. وفيما يؤدّي الدمج الناجح إلى عمل النساء والرجال مع بعضهم بعضًا ضمن مسافات متقاربة ولفترات مطوّلة، تنظر المديرية أيضًا في إطلاق خط ساخن للإبلاغ عن المضايقات والتحرّش من دون الكشف عن الهوية. يُشار إلى أن آليات الإبلاغ الحالية لا تزال تعتمد على التسلسل القيادي.
ومثلما هو الحال في لبنان، تشكّل الحاجات العملياتية في الأردن حافزًا مهمًا لإفساح المجال أمام المرأة لتسلّم أدوار غير تقليدية. وقد ازداد الزخم العملياتي لضم مزيد من النساء إلى الخطوط الأمامية في أعقاب تفجيرات عمّان في العام 2005، إذ إن امرأة تحمل الجنسية العراقية تُدعى ساجدة الريشاوي كانت من بين منفذّي العملية. وقد أدّى دورها البارز في الهجوم إلى إنشاء السريّة النسائية للوظائف الأمنية الخاصة في العام 2006. في هذا الإطار، شرحت عميد متقاعدة في الجيش: "استغل هؤلاء الجهاديون ثغرة ثقافية في المنظومة وفي عقلية الأردنيين عمومًا، وهي أن الرجال لا يمكنهم تفتيش النساء، ما فتح عيون قيادة القوّات المسلّحة الأردنية على هذه المسألة". وفي العام 2016، ضُمَّ فصيل نسائي إلى لواء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للتدخل السريع، وهو عبارة عن فرقة قتالية نخبوية سُمّيت تيمنًا بالرئيس الحالي للإمارات العربية المتحدة. ثمة خطةٌ أيضًا ترمي إلى تدريب مزيدٍ من النساء ونشرهنّ في "مناطق عسكرية" على طول الحدود الأردنية لدرء التهديدات الناجمة عن حالة اللااستقرار في الدول المجاورة، وعن المجموعات الإرهابية وتجّار المخدرات والبشر.
تؤكّد القوات المسلحة الأردنية على أنها توظّف 18,038 امرأة، ما يشكّل 17.4 في المئة من مجموع عناصرها. لكن كبار القادة يقرّون بأن هذا الرقم يتألف بأكثريته الساحقة من موظفات مدنيات ونساء يعمَلْن في الخدمات الطبية الملكية، فيما لا يزال عدد النساء اللواتي يرتدين البزة العسكرية متدنيًا. ووفقًا للعقيد مها الناصر التي تتولّى إدارة مديرية شؤون المرأة العسكرية، سعت قيادة القوات المسلحة الأردنية مؤخرًا إلى زيادة التجنيد في صفوفها، بدءًا من ضمّ 1,000 امرأة إلى سلك الضباط وإلى المنتسبين، والعمل لتمكين عدد أكبر من النساء من تسلّم الأدوار العسكرية تحديدًا.
في غضون ذلك، تتبوّأ النساء راهنًا مناصب محمّلة بالرمزية، مثلًا في مديرية الإفتاء التابعة للقوّات المسلّحة الأردنية. وفي هذا الصدد، علّقت الناصر: "تكتسي هذه التطورات أهمية بالغة على الصعيد النفسي". فالقوّات المسلّحة الأردنية تتقدّم في جوانب مهمة على المجتمع الأردني، وتحديدًا من خلال ابتعادها عن التمييز القائم على النوع الاجتماعي في تحديد الرواتب وجداول الترقيات، ولا سيما في الوقت الراهن، من خلال التزامها الصريح بـ"مناهج التحوّل في قضايا النوع الاجتماعي" كما وصفتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
والغريب أن هذه الأجندة التقدّمية أصبحت ممكنة، جزئيًا على الأقل، بسبب هيكلية السلطة التقليدية للنظام الملكي. فقد ازداد انخراط النساء في الخدمة العسكرية بشكل ملحوظ في ظل قيادة الملك حسين (1952-1999)، الذي دخلت ابنته عائشة الميدان العسكري وقُلِّدَت عددًا من الأوسمة ودعمت تأسيس مديرية شؤون المرأة العسكرية بموجب مرسوم ملكي في العام 1995. وقد وصفت عميد متقاعدة عائشة بأنها "الداعم والمحفّز لكل ما أنجزناه". كذلك، يبرز دعم ملك الأردن الحالي، عبد الله الثاني، في بيانات القوات المسلحة الأردنية بشأن تمكين المرأة، ويُذكر كذلك أن الأميرة سلمى ابنة الملك أصبحت المرأة الأردنية الأولى التي تقلّدت جناح الطيران من سلاح الجو الملكي الأردني في العام 2020.
ثمة دافع مهم آخر لتعزيز انخراط النساء في صفوف الجيش الأردني، وهو موقع الأردن باعتباره مشاركًا عربيًا بارزًا في قوّات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب المغرب وتونس ومصر. هذا العام، شاركت ضباط نساء في البعثات إلى الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتسعى مديرية شؤون المرأة العسكرية لتحقيق هدف زيادة نسبة انخراط النساء في قوات حفظ السلام إلى 18 في المئة بحلول العام 2024.
ولا يقلّ عن ذلك أهميةً إطار آخر تابع للأمم المتحدة ويتمثّل في أجندة المرأة والسلام والأمن التي ساهمت في بلورة الخطة الوطنية الأردنية في العام 2017 من أجل تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1325 الذي تناول تأثير النزاعات المسلّحة على النساء والفتيات. وقد وضعت الخطة الوطنية في صلب أولوياتها تعزيز تمثيل النساء في قطاع الأمن، وهذا هدف استراتيجي تقوده طموحات استراتيجية إدماج النوع الاجتماعي.
مع ذلك، تواصل مجموعات المجتمع المدني الأردنية التحذير من أن يتم اختزال الخطة الوطنية الأردنية إلى مجرّد خطة قصيرة المدى لإدماج النوع الاجتماعي ضمن مؤسسات قطاع الأمن. فوفقًا لسلمى النمس، الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، ما لم يتم إحراز تقدّمٍ على مستوى الأولويات الأخرى الرامية إلى تعزيز ثقافة أوسع تكون أكثر مراعاةً لقضايا النوع الاجتماعي، سيواجه قطاع الأمن صعوبات في تحقيق أهدافه البعيدة المدى: "قد يُصدر الملك غدًا قرارًا يقضي بتعيين امرأتين أو ثلاث في قيادة القوّات المسلّحة الأردنية، لكن إن لم نأخذ الثقافة الأوسع في الحسبان، وكذلك الضغوط العائلية، وما يحدث فعلًا في المجتمع، فلن ننجح في إحداث أي تحوّل جذري".
لكن على الرغم من أن المؤسسات العسكرية معروفة تقليديًا بأنها بيئات ذكورية مُفرطة، فإن العسكريات في القوّات المسلّحة الأردنية يصفنها على أنها بيئة احترافية تقدّمية تكنّ للنساء احترامًا أكبر وتمنحهنّ فرصًا أكثر مما هو الحال في المجتمع الأوسع. عبّرت عن ذلك لواء متقاعدة وعضوة سابقة في مجلس الأمة الأردني، قائلةً: "كنتُ أكثر سعادةً بكثير في حياتي العسكرية ممّا أنا عليه في حياتي المدنية، لأنني هناك كنت أتمتع بحقوقي. لم أُحرَم من هذه الحقوق في القوّات المسلّحة الأردنية، حيث لا يتجاوز أحد الآخر لأن ثمة نظامًا قائمًا يحترمه الجميع سواء كانوا رجالًا أم نساء".