المصدر: Getty
مقال

تجنّب إغراء السلاح

تناقش جينيفر كافانا وفريدريك ويري، في مقابلة معهما، تداعيات تراجع الصادرات الدفاعية الروسية إلى الشرق الأوسط.

نشرت في ٢٢ أغسطس ٢٠٢٢

جينيفر كافانا باحثة أولى في برنامج الحكم الأميركي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وفريدريك ويري باحث أول في برنامج الشرق الأوسط في المؤسسة نفسها. صدر لهما في 12 آب/أغسطس مقال على موقع فورين أفيرز الإلكتروني ناقشا فيه التحديات التي تواجهها روسيا في تزويد الشرق الأوسط بالأسلحة نتيجة الحرب في أوكرانيا. أجرت "ديوان" مقابلة معهما خلال الأسبوع الماضي لمناقشة هذا المقال، وتحديدًا لسؤالهما عن كيف يتعيّن على الولايات المتحدة، برأيهما، التعامل بها مع هذا الوضع.

مايكل يونغ: ما هي الحجّة التي تقدّمانها في مقالكما الأخير لموقع فورين أفيرز الإلكتروني، بعنوان "روسيا لا تستطيع خوض حرب والاستمرار في تسليح العالم" (Russia Can’t Fight a War and Still Arm the World

جينيفر كافانا وفريدريك ويري: نعتبر أن روسيا قد تواجه تحديات تعترض دورها كجهة رائدة في بيع الأسلحة إلى الشرق الأوسط، بسبب الخسائر الفادحة في ساحة المعركة في أوكرانيا والأضرار التي لحقت بقاعدتها الصناعية الدفاعية نتيجةً للعقوبات الغربية الشديدة. سيولّد هذا التراجع المحتمل للمبيعات الروسية فرصًا جديدة أمام مورّدين آخرين ويسبّب مخاطر عير متوقعة للولايات المتحدة.

لا تزال الصورة غير واضحة بشأن مدى تأثير العقوبات على الاقتصاد والإنتاج الدفاعي في روسيا، لكن مسؤولين كبارًا في البيت الأبيض والاستخبارات أشاروا إلى أن الوصول المحدود إلى المكوّنات والقطع المتطورة يؤثّر في قدرة روسيا على تصنيع الأسلحة محليًا. وغالب الظن أن هذه الاختلالات ستؤثّر أيضًا في الصادرات، إذ يتحدث بعض الشارين مثل الهند عن أنهم يتوقعون حدوث تأخير في وصول المعدات التي يشترونها من روسيا، بسبب الحرب.

لطالما استخدمت روسيا مبيعات الأسلحة لبناء النفوذ السياسي في الشرق الأوسط، لذا قد يبدو تراجع المبيعات الروسية، للوهلة الأولى، تطورًا إيجابيًا من وجهة النظر الأميركية. لكن الخلل في مبيعات الأسلحة الروسية إلى المنطقة قد يسبّب أيضًا مخاطر للولايات المتحدة. أولًا، يمكن أن تعمد جهات ناشئة أخرى في مجال بيع الأسلحة، منها منافسو واشنطن مثل الصين، إلى استغلال عدم تلبية الطلب على بيع الأسلحة من أجل توسيع دورها الإقليمي. في الوقت نفسه، قد تواجه الولايات المتحدة تجدّد الضغوط من الشارين العرب لزيادة المبيعات الأميركية من دون الاكتراث لانتهاكات حقوق الإنسان أو زعزعة الاستقرار التي يمكن أن تتسبّب بها هذه المبيعات الإضافية.

من أجل الحدّ من هذه المخاطر، نعتبر أن على واشنطن ألا تنصاع لإغواء النظر إلى مبيعات الأسلحة الإقليمية بأنها امتداد إضافي للتنافس الأميركي مع الصين، أو ترضخ للضغوط من الجهات الشرق أوسطية المتلهفة لشراء الأسلحة. بدلًا من زيادة مبيعات الأسلحة بصورة تلقائية لسد الثغرات الناشئة، يجب على الولايات المتحدة أن تقبل دورها كقوة بين القوى الكثيرة الناشطة في المنطقة، وأن تستمر في إعطاء الأولوية لدعم الإصلاح السياسي والاقتصادي الإقليمي.

يونغ: هلا تخبراننا المزيد عن الطريقة التي قد تتدخل بها الصين أو بلدان أخرى لسد الثغرة التي تسبّب بها تراجع مبيعات الأسلحة الروسية إلى الشرق الأوسط؟ وما هي التحديات الأخرى التي قد يحملها هذا الوضع المتغيّر للمصالح الأميركية؟

كافانا وويري: روسيا هي ثاني أكبر مورّد للأسلحة إلى الشرق الأوسط. لذلك، وكما ذكرنا آنفًا، من شأن تراجع قدرتها على توريد الأسلحة، وإن اقتصر ذلك على بعض النظم أو استمر لفترة محدودة فقط، أن يُحدث خللًا في التوازنات الإقليمية الهشّة ويتيح فرصًا أمام منافسين آخرين للولايات المتحدة من أجل توسيع دورهم.

قد يتسبّب تراجع المبيعات الروسية بثغرات تنجم عن عدم تلبية الطلب، ما يدفع الشارين إلى التحوّل نحو مورّدين آخرين مثل الصين أو تركيا، وكلتاهما تسعيان إلى زيادة صادراتهما من السلاح. لقد عبّرت الولايات المتحدة عن مخاوفها من تنامي الدور الصيني في الشرق الأوسط وتعاون بيجينغ مع بلدان مثل السعودية في مجالَي الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، ولذلك لن ترحّب على الأرجح بأي نمو إضافي في مكانة الصين الإقليمية. ثمة قيود على قدرة الصين على توسيع حصّتها في السوق في المدى القريب، لكن البلدان العربية تحاول الإفادة من الانشغال الأميركي بـ"التنافس على موقع القوة العظمى" لتتمكّن من الحصول بسهولة وسرعة أكبر على السلاح الأميركي. ومن شأن هذه الزيادة في المبيعات أن تسهم في الإبقاء على الأنماط القائمة للقمع والحكم السيئ، فيما تُلهي واشنطن وشركاءها عن معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأكثر إلحاحًا.

الخطر الثاني المحتمل هو أن روسيا قد تصبح، في مواجهة تحديات التصدير وفي ضوء حاجتها إلى الإيرادات، أكثر تهوّرًا في استعدادها لبيع الأسلحة إلى أي جهة شارية متاحة، ما قد يسهم في التصعيد في أماكن مثل سورية وليبيا.

يونغ: لاحظتُ أنكما لم تتحدّثا عن واقع أن فئات معينة من الأسلحة الروسية واجهت على ما يبدو انتكاسات كبيرة خلال النزاع في أوكرانيا، ولا سيما الدبابات وناقلات الجنود المدرّعة، في حين أثبتت أنظمة الأسلحة الغربية أنها فعّالة للغاية. هل هذا الوصف دقيق؟ وإن كان كذلك، أليست مسألة الجودة هذه قادرة على إلحاق الضرر بالمصالح الروسية في الشرق الأوسط تمامًا كعدم قدرة موسكو على تزويد الدول العربية بالأسلحة بسبب خوضها الحرب الأوكرانية؟

كافانا وويري: برزت في بداية الحرب أدلة على أن الأسلحة الروسية كانت تواجه مشاكل على صعيد الأداء. ولفتت بعض التقارير، على وجه الخصوص، إلى وجود عيوب في أبراج دباباتها ونقص دقة صواريخها الدقيقة التوجيه. لكن التقدّم العسكري الذي أحرزته روسيا في شرق أوكرانيا خلال الأشهر القليلة الماضية خفّف بعض هذه المخاوف، على الرغم من التقارير التي أفادت بأن منظومة الدفاع الصاروخية الروسية من طراز إس-400 تواجه صعوبات في وجه منظومة المدفعية الصاروخية العالية الحركة (هيمارس) التي توفرها الولايات المتحدة.

مع ذلك، لا نتوقع أن يكون لهذه المخاوف المتعلقة بالجودة تأثيرات كبيرة على مبيعات الأسلحة إلى الشرق الأوسط. فقد أظهرت أدلة كثيرة خلال نزاعات سابقة، كغزو روسيا لأجزاء من أوكرانيا في العام 2014 أو الحرب في جورجيا في العام 2008، أن المعدات الروسية في الغالب أقل جودة مقارنةً مع الأنظمة الأميركية والأوروبية المماثلة. إن أحد عوامل الجذب الأساسية للدول التي تواصل شراء الأسلحة الروسية على الرغم من هذه الأدلة هو فرصة الحصول على معدات متطورة بكلفة منخفضة ومن دون أي شروط مسبقة مرتبطة بحقوق الإنسان. علاوةً على ذلك، قد تواجه دول كالجزائر، التي تمتلك أساسًا مخزونًا كبيرًا من الأنظمة الروسية، تحديات في التحول نحو مورّدين كالصين، بغض النظر عن مشاكل الأداء، بسبب المخاوف المرتبطة بإمكانية التشغيل المتبادل.

يونغ: كيف تقترحان أن تتعامل إدارة بايدن مع تراجع مبيعات الأسلحة الروسية إلى المنطقة، وكيف سيكون ردّها برأيكما؟ وماذا ستكون نتائج خطواتها؟

كافانا وويري: نعتقد أن على إدارة بايدن ألا تسارع إلى سدّ أي ثغرة حقيقية أو متصورة قد تنجم عن انخفاض المبيعات الروسية. لقد زادت الإدارة حجم مبيعات الأسلحة إلى المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية للمساعدة على مواجهة إيران وتشجيع شركاء واشنطن على زيادة إنتاج النفط، من جملة أسباب أخرى. ولا يجب على الإدارة، برأينا، أن تحاول دفع هذه الدول إلى التخلّي عن الأسلحة الروسية أو السعي إلى استباق الخطوات الصينية واعتبارها أسبابًا لزيادة حجم المبيعات.

بدلًا من ذلك، نقترح أن تكون أي عمليات بيع جديدة مخصّصة لتلبية الحاجات الدفاعية المحددة والمشروعة وحسب، وأن يتمّ دمجها في إطار مقاربة أميركية أكثر تكاملًا تتضمن إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والإصلاحات الاقتصادية والسياسية.

يبدو أن إدارة بايدن لا تزال تَعتبر مبيعات الأسلحة وسيلةً لتعزيز قدرات دول الشرق الأوسط ضد إيران وكبح التوسع الروسي والصيني، والتأثير على دعم شركائها الإقليميين لأولويات السياسة الأميركية الأخرى. مع ذلك، ما من أدلة تُذكر على أن مبيعات الأسلحة هي وسيلة فعّالة لضمان الولاء أو الدعم السياسي الكبير من الدول المستفيدة منها، حتى لو أن فرض شروط واضحة بصورة متّسقة قد يؤدي إلى تحقيق تقدّم في مجال حقوق الإنسان أو في إصلاح قطاع الدفاع. غالب الظن أن تستمر المبيعات إلى منطقة غارقة أساسًا في السلاح، لكن من المستبعد أن تحقّق هذه المبيعات الأهداف الكثيرة التي وضعتها الإدارة الأميركية نصب أعينها، لذا ستتواصل على الأرجح التوجهات نحو ترسيخ تعددية الأقطاب في المنطقة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.