أدّت الهدنة الحالية في اليمن إلى تراجع مؤقت في حدّة النزاع الدائر في البلاد. لكن الانتهاكات المتزايدة للهدنة والإخفاق في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يشيران إلى أن الوضع الحالي قد يكون مجرد تمهيد لجولة عنيفة جديدة من المواجهة العسكرية.
في الثاني من آب/أغسطس الجاري، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن توصّل الأفرقاء المتناحرين في البلاد إلى اتفاق على تمديد الهدنة لشهرين إضافيين. هذا هو التمديد الثاني منذ دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ في مطلع نيسان/أبريل، بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والتحالف العربي الذي تقوده السعودية الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. وتشمل بنود الهدنة السماح بدخول سفن النفط إلى ميناء الحديدة والسماح برحلتين تجاريتين أسبوعيًا من مطار صنعاء وإليه. وينص الاتفاق أيضًا على أن المبعوث الخاص سوف "يدعو الأطراف إلى اجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال...".
ساهمت الهدنة في خفض عدد الاشتباكات العسكرية بين الأطراف، ولا سيما الهجمات عبر الحدود التي كانت ارتفعت وتيرتها إلى حد كبير في مطلع العام الجاري. وأتاحت أيضًا لبعض اليمنيين الإفادة من الرحلات الجوية المباشرة إلى الأردن أو مصر عبر مطار صنعاء. وفي الوقت نفسه، ساهم تدفق المحروقات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في الحد من أزمة الوقود في تلك المناطق، بعدما كانت قد بلغت ذروتها في الفترة التي سبقت الاتفاق. والأهم أن الهدنة أفسحت المجال أمام المحادثات السياسية.
لكن يبدو أن الاتفاق تعثّر في مسألة فتح الطرقات في تعز ومحافظات أخرى، وهي إحدى نقاطه الأساسية. فقد تمكن مكتب المبعوث الخاص من رعاية محادثات مباشرة بين الطرفَين في العاصمة الأردنية عمّان، لكن التوصل إلى تفاهم حول هذه القضية ظلّ بعيد المنال. وأدّى ذلك إلى خيبة أمل كبيرة لدى اليمنيين الذين ينظرون إلى فتح الطرقات بأنه مؤشر على جدّية الأفرقاء المتناحرين في التخفيف من معاناتهم والتوصل إلى تفاهم سياسي أوسع.
تسهم مؤشرات أخرى أيضًا في زيادة الشكوك بشأن استمرارية الهدنة. فقد سجّل مرصد Yemen Truce Monitor ، الذي يديره مشروع البيانات عن مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (Armed Conflict Location and Event Data Project ) نحو 1860 خرقًا للهدنة حتى 29 تموز/يوليو، ما أسفر عن مقتل 316 شخصًا. ولكن لم تُسجَّل أي خروق من قبل التحالف العربي ضد الحوثيين، أو من قبل الحوثيين ضد السعودية أو الإمارات العربية المتحدة. لا بل إن جميع انتهاكات الهدنة كانت في الجبهات الداخلية. اللافت أن الحوثيين يتحملون المسؤولية الأكبر عن خرق الهدنة، إذ ارتكبوا نحو 1680 خرقًا، أو 95 في المئة من المجموع، ما تسبب بمقتل 300 شخص.
تكشف هذه الأرقام لماذا ينظر عدد كبير من المدنيين إلى الهدنة بصورة أساسية على أنها هدنة أحادية من جانب الحكومة اليمنية، فيما اكتفى الحوثيون فقط بوقف الهجمات ضد بلدان التحالف. في غضون ذلك، استمرت العمليات العسكرية الحوثية في الكثير من المناطق الداخلية، ولا سيما تعز ومأرب. ومما ساعد على تصاعد هذه الانتهاكات هو أن الهدنة لا تشمل نشر فرق مراقبة للإشراف على مدى احترام الأفرقاء لبنودها، بل تم التعويل على حسن نية الأفرقاء في تنفيذها.
على مسار آخر، استمرت المحادثات بين السعودية والحوثيين في العاصمة العُمانية مسقط. لم تحقق هذه المحادثات أي تقدّم يُذكر حتى تاريخه، ولكنها قد تؤدّي إلى اتفاق سعودي-حوثي. وما يعنيه ذلك هو أن نمط الحرب اليمنية قد يكون في صدد التغير. فالحكومة اليمنية مستثناة من محادثات مسقط، لذلك حتى لو توصل السعوديون والحوثيون إلى تفاهم، فمن المرجح استمرار الحرب في اليمن بين الأطراف المحلية.
اليوم، تؤثّر ثلاث مسائل أساسية في الهدنة والمفاوضات الجارية. أولًا، يعتبر الحوثيون أنهم الممثل الشرعي الوحيد لليمن وأنه لا يحق لأحد سواهم تمثيل البلاد. وينظرون إلى الحكومة المعترف بها دوليًا وخصومهم الآخرين بأنهم جزء من التحالف بقيادة السعودية، أو "مرتزقة" كما يصفونهم في وسائل إعلامهم المحلية. وقد اكتسبت هذه القناعة زخمًا لأن الحوثيين يشعرون بأنهم انتصروا في الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، ولا سيما بعدما تمكّنوا من شن هجمات ضد أهداف استراتيجية داخل السعودية والإمارات.
ثانيًا، يبدو أن الحكومة اليمنية هي الرابط الأضعف في المشهد السياسي والعسكري الحالي. فمجلس القيادة الرئاسي لم يتمكن، منذ تشكيله في مطلع نيسان/أبريل بعد عزل الرئيس عبد ربه منصور هادي، من تخطي الكثير من العوائق والتحديات التي تعترضه. ولم يذهب استيعابه لجميع المجموعات المناهضة للحوثيين أبعد من الإطار الرسمي، ولا يزال عاجزًا ومنقسمًا. وقد حدث تأخير في توحيد المكونات العسكرية التي تنضوي في إطار مجلس القيادة الرئاسي. ينعكس هذا الضعف على إخلال التوازن العسكري الداخلي، الذي قد يؤدّي إلى انهيار الهدنة، وبالتالي عودة الأوضاع إلى المربع الأول.
ثالثًا، يرى التحالف بقيادة السعودية أنه يقوم بدور الوسيط، لا بصفته طرفًا رئيسيًا في الحرب. تقوم الاستراتيجية الجديدة التي تنتهجها الرياض وأبو ظبي على تصوير الحرب على أنها شأن يمني محلي، من دون ذكر الدور الذي تؤدّيانه منذ آذار/مارس 2015. وقد باتت هذه المقاربة سائدة بعدما أنشأت الدولتان كيانات محلية تابعة لهما للدفاع عن مصالحهما. وليس مفاجئًا أن السعوديين يركّزون في مباحثاتهم مع الحوثيين على وقف الهجمات عبر الحدود، لا على معالجة المسائل اليمنية الداخلية.
ليست الهدنة غاية في حد ذاتها، بل هي مجرد محطة يمكن أن تؤدّي إما إلى وقف دائم لإطلاق النار وإما إلى فصل جديد من الحرب المدمرة إذا لم يُستفَد منها. نشهد ظهور أوضاع مقلقة تتضاءل معها فرص السلام فيما يتجاهل المشاركون في الحرب، على نحو متهوّر، مصالح المدنيين. وهكذا، يصبح اليمن تجسيدًا لدولة فشلت فيها الحرب والسلام على السواء.