المصدر: Getty
مقال

هجوم غازٍ

تواجه تركيا أزمة طاقة على الرغم من أن علاقتها بروسيا ما زالت جيدة.

 ديميتار بيشيف
نشرت في ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٢

في الأول من أيلول/سبتمبر الجاري، أبلغت شركة الغاز الطبيعي التركية المملوكة للدولة "بوتاش" زبائنها نبأ سيئًا عن رفع أسعار الغاز بنسبة 20.4 في المئة للأسر، وبنسبة 47.6 في المئة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وبنسبة 50.8 في المئة للصناعيين.

لم تكن هذه الزيادة الأولى من نوعها، إذ زادت الشركة في حزيران/يونيو الماضي الأسعار بنسبة 30 في المئة للأسر، وبنسبة 16 في المئة لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، وبنسبة 10 في المئة للقطاعات الصناعية. ومنذ مطلع العام 2022، ازدادت الأسعار للمصانع الكبيرة بنحو أربعة أضعاف، فيما تضاعفت تقريبًا أسعار الغاز للأسر. يبدو إذًا أن أسعار الغاز الطبيعي قد ارتفعت بما يفوق الستة أضعاف مقارنةً مع أواخر العام 2020.

واقع الحال أن هذه الأسعار المرتفعة تضرّ بشريحة واسعة من المجتمع التركي، ولا سيما مع اقتراب فصل الشتاء وازدياد الطلب على الغاز. تشير بيانات العام 2020 الصادرة عن مركز الإحصاء الوطني التركي إلى أن 16.8 مليون أسرة من أصل 22.4 مليونًا تستهلك الغاز بشكل مباشر، وأن عددًا أكبر من الأسر يعتمد على الطاقة الكهربائية التي يرتبط سعرها بالغاز. وفي الأول من أيلول/سبتمبر، أعلنت هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية عن زيادة بنسبة 20 في المئة للأسر و80 في المئة للمصانع. في الوقت الراهن، يدفع المستهلك التركي حوالى 250 دولارًا أميركيًا للميغاوات في الساعة، مقارنةً مع 198 دولارًا في ألمانيا، و172 دولارًا في إسبانيا.

فاقمت فواتير الطاقة المرتفعة مشاكل تركيا المزمنة على مستوى التضخم. فبحسب البيانات الرسمية، قفزت أسعار المستهلك بنسبة 80 في المئة على أساس سنوي، في ارتفاع لم تشهد له البلاد مثيلًا منذ حوالى 24 عامًا، فيما تشير التقديرات غير الرسمية الصادرة عن شركة ENAG، التي تضم مجموعة من خبراء الاقتصاد، إلى أن النسبة الفعلية أعلى بكثير، وقد حددّتها في حزيران/يونيو الفائت عند 176.1 في المئة. وعلى سبيل المقارنة، تسجّل منطقة اليورو، التي تواجه أيضًا خطر التضخم، نسبة 9 في المئة تقريبًا.

من الصعب المبالغة في تقدير التداعيات السياسية للتضخم عمومًا، وارتفاع كلفة الطاقة خصوصًا. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعمل جاهدًا كي يُعاد انتخابه في حزيران/يونيو المقبل، ويأمل حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في الحفاظ على موقعه كأكبر قوة في البرلمان التركي. لكن نقطة القوة الأبرز التي كانت تصب في صالح الحزب، أي الإدارة الكفؤة للاقتصاد، باتت اليوم عبئًا. لقد فاقم تدخّل الرئيس في السياسة النقدية الأوضاع من خلال إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، على عكس التوجّه السائد في الاقتصادات الكبرى حول العالم. وقد أدّت التبعات الناجمة عن ذلك، بدءًا من انهيار قيمة الليرة التركية، ومرورًا بارتفاع معدل التضخم، ووصولًا إلى ازدياد تكاليف المعيشة، إلى تراجع الدعم الذي يحظى به أردوغان، فيما سجّلت شعبيته أدنى مستويات لها على الإطلاق. في غضون ذلك، تأمل كتلة المعارضة السداسية، التي تشكّلت حول حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، في الوصول إلى سدة الحكم، كما فعلت في المدن التركية الكبرى، مثل إسطنبول وأنقرة، خلال الانتخابات المحلية في العام 2019. وقد يثني فصل الشتاء القارس وأسعار الطاقة المرتفعة ما يكفي من الناخبين عن تأييد أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

ومن غير المستغرب أن السلطات تسعى جاهدةً إلى التخفيف من تداعيات فواتير الطاقة المرتفعة. تشير أسعار الغاز التفاضلية للمصانع والأسر إلى حقيقة أن شركة بوتاش تدعمها، وبالتالي تسجّل الشركة عجزًا كبيرًا في ميزانيتها. وقد حصلت الشركة في العام 2021 على قرض إنقاذ من ميزانية الدولة بقيمة 100 مليار ليرة تركية تقريبًا (أي ما يوازي 6.8 مليارات دولار أميركي)، وهي تعمد إلى شراء مليارات الدولارات من المصرف المركزي لتغطية وارداتها. وفي ضوء الارتفاع الهائل في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، يشكّل ذلك عبئًا إضافيًا يثقل كاهل الاقتصاد التركي.

يكشف كل ذلك عن أوجه التنافس بين مختلف القوى في البلاد. فأردوغان يحاول الاستفادة من الحرب على الصعيد الجيوسياسي، من خلال تأدية دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا، وتنجح مساعيه في بعض الأحيان. لكن النزاع يفاقم المشاكل الداخلية التي تواجهها تركيا، إذ إن نصف كمية الغاز الطبيعي المستهلكة سنويًا في البلاد، والبالغة 62 مليار متر مكعب، تصل عبر خط أنابيب من روسيا. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، وقّعت بوتاش عقدًا جديدًا مع شركة غازبروم تتسلّم بموجبه 5.75 مليارات متر مكعب سنويًا لمدّة أربع سنوات، عبر خط أنابيب الغاز تُرك ستريم. يعزّز هذا الأمر في الظاهر أمن الطاقة في تركيا نظرًا إلى عدم انقطاع الإمدادات من روسيا، على عكس تلك المتّجهة إلى الاتحاد الأوروبي. وبما أن خط أنابيب تُرك ستريم لا يمرّ عبر أوكرانيا، لا تواجه تركيا خطر انقطاع إمداداتها بسبب النزاع.

في غضون ذلك، يؤدّي ضعف الليرة إلى ارتفاع كلفة واردات الغاز، إذ إن عقود التوريد مسعّرة بالدولار الأميركي. وعلى الرغم من أن بوتاش تدفع أقل من العملاء الآخرين لأن عقدها مرتبط بأسعار النفط وليس بالأسعار الفورية في أسواق الغاز الأوروبية، كما هي حال عقود غازبروم مع هنغاريا أو اليونان، لا تزال ترزح تحت وطأة الضغوط. وتسجّل تركيا عجزًا تجاريًا ضخمًا بلغ 62.2 مليار دولار في الفترة بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو من العام الجاري، في ارتفاع بنسبة 143.7 في المئة مقارنةً مع العام الفائت. إضافةً إلى ذلك، زادت أنقرة حجم مشترياتها من النفط الروسي بنحو الضعف ليصل مجموعه إلى 200,000 برميل يوميًا. وكان لهذا الخيار تأثير إيجابي إلى حدّ ما لأن الخام الروسي يُباع حاليًا بسعر مخفّض. لكن ذلك لا يبدّل كثيرًا المشهد العام.

يبدو أردوغان مستعدًا لمسايرة بوتين، بدلًا من محاولة لي ذراع موسكو للحصول على شروط تجارية أفضل. فقد أعلن الطرفان أن تركيا ستدفع ثمن 25 في المئة من غازها بالروبل الروسي خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي عُقدت مؤخرًا في سمرقند. وعلى الرغم من أن الترتيبات التي تنطوي عليها هذه الخطة لا تزال غير واضحة، يوحي ذلك بأن أنقرة ستشتري العملة الروسية باحتياطياتها من الدولار لسداد مدفوعاتها. وسيعني ارتفاع سعر صرف الروبل بالتزامن مع تراجع قيمة الليرة أن تركيا ستستوعب الخسائر. وفيما تسري شكوك بأن أردوغان يحاول الاستفادة من العقوبات الغربية وجذب الشركات إلى تركيا كممر غير مباشر إلى روسيا، قد تسفر دبلوماسيته المرتبطة بالطاقة عن نتائج عكسية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.