المصدر: Getty
مقال

عينٌ على الكرة

المستثمرون الخليجيون وأندية كرة القدم الأوروبية ورومان أبراموفيتش

 عصام القيسي
نشرت في ١٧ أكتوبر ٢٠٢٢

كرة القدم لعبة بسيطة، يطارد فيها اثنان وعشرون رجلًا الكرة لمدّة 90 دقيقة، وفي النهاية يكون الفائز دائمًا فريق مانشستر سيتي. هذا ما بدت عليه هذه الرياضة أقلّه خلال السنوات الخمس الماضية في الدوري الإنكليزي الممتاز، وهو أعلى درجة في كرة القدم الإنكليزية. فاز نادي مانشستر سيتي لكرة القدم بالدوري الإنكليزي الممتاز في 2018 و2019 و2021 و2022، أي أربع مرات خلال السنوات الخمس الماضية. وفي السنوات الخمس التي سبقتها، فاز بالبطولة مرتَين، وهو العدد نفسه الذي فاز فيه النادي خلال السنوات الـ113 السابقة. ما يدفعنا إلى التساؤل عما حدث خلال العقد الفائت وجعل نادي مانشستر سيتي يحقق هذا النجاح؟

قد يرتبط الجواب على هذا السؤال باستحواذ مجموعة أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار، وهي شركة ذات أسهم خاصة يمتلكها نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، على النادي في العام 2008، وضخّ استثمارات لاحقة بملايين الدولارات فيه.

لكن ما الذي قد يثير اهتمام هذه المجموعة بمثل هكذا استحواذ؟ وفقًا لسليمان الفهيم، رجل الأعمال الإماراتي الذي ساهم في تسهيل إبرام الصفقة، إن الهدف هو "جعل مانشستر سيتي أكبر ناد في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم". وهذا ما حصل بالضبط لجهة الفوز بألقاب الدوري.

حصلت صدمة مماثلة للنظام الكروي في فرنسا في العام 2011، حين استحوذت شركة قطر للاستثمارات الرياضية، وهي شركة تابعة لجهاز قطر للاستثمار، على نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم. ومنذ ذلك الحين، فاز النادي ببطولة الدوري الفرنسي الدرجة الأولى ثماني مرات، مع العلم بأنه كان فاز بها مرتَين خلال السنوات الـ40 السابقة من تاريخه.

في هذا اللإطار، بات الكثيرون يَعتبرون عملية شراء شركة قطر للاستثمارات الرياضية لنادي باريس سان جيرمان محاولة لتعزيز مكانة قطر حول العالم وعرض صورة محبة للرياضة ومنفتحة عن هذه الدولة الخليجية الصغيرة المُنتجة للغاز الطبيعي. وعلى غرار بطولة كأس العالم، التي ستستضيفها قطر في تشرين الثاني/نوفمبر، تُعتبر أندية كرة القدم الأوروبية الكبرى بمثابة منصات تسويق لمالكيها. إضافةً إلى هذه القوة الناعمة، ووجود ملايين المشاهدين من أميركا الجنوبية إلى شرق آسيا، تُعتبر كرة القدم الأوروبية عند أعلى مستوياتها صناعة تُقدّر بمليارات الدولارات وسوق دائم التمدّد.

لا تقتصر استراتيجية استحواذ شركات الاستثمار التابعة للدولة على أندية كرة القدم الأوروبية، بهدف تعزيز قوتها الناعمة العالمية وجني الأرباح، على الدول الخليجية. يمكن القول هنا إن المستثمرين الروس والصينيين الذين استحوذوا أيضًا على مثل هذه النوادي على مدى العقدَين الماضيَين يعملون نيابة عن دولتَيهما المدفوعتَين بالرغبات نفسها. علاوةً على ذلك، يبدو قيام الدول الخليجية، التي تستعدّ لمرحلة ما بعد النفط، بتعزيز علاقاتها التجارية مع الغرب من خلال الاستحواذ على الأندية الرياضية خطوةً حكيمة.

لم تكن مجموعة أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار وشركة قطر للاستثمارات الرياضية المستثمرَين الوحيدَين من الخليج العربي. ففي تشرين الأول/أكتوبر من العام 2021، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد الإنكليزي. وفي نيسان/أبريل 2022، تم ربط مستثمرين بحرينيين بعرض بقيمة 1.1 مليار دولار للاستحواذ على نادي إيه سي ميلان الإيطالي.

لا تحتل الدول الخليجية مركز الصدارة في كرة القدم الأوروبية من خلال الاستحواذ على الأندية وحسب، بل من خلال إبرام اتفاقات رعاية بملايين الدولارات مع الأندية التي تضع، على سبيل المثال، شعار شركات الطيران الوطنية على قمصانها، كما هو الحال مع شركة طيران الإمارات، الراعية لأندية عدّة كأرسنال الإنكليزي وإيه سي ميلان الإيطالي وريال مدريد الإسباني، وغيرها. وتقوم شركة الاتحاد للطيران الإماراتية برعاية نادي مانشستر سيتي والخطوط الجوية القطرية برعاية نادي باريس سان جيرمان.

لقد كان لاستحواذ الدول الخليجية العربية على أندية كرة القدم الأوروبية أثر مالي كبير على اللعبة، فضلًا عن النجاح على أرض الملعب. فعلى الرغم من أن المستثمرين الإماراتيين والقطريين ليسوا الأوائل ولا الوحيدين في أوروبا الذين "ينفقون أموال طائلة" على انتقالات اللاعبين، إلا أنهم فاقموا تضخم الأسعار في سوق كرة القدم. وخير مثالٍ على ذلك تعاقد نادي باريس سان جيرمان مع مهاجم فريق برشلونة البرازيلي نيمار لقاء رقم قياسي بلغ 222 مليون يورو في آب/أغسطس 2017. وتُعتبر هذه الأنواع من الاستثمارات، التي تميل إلى زيادة كلفة ممارسة هذه الأعمال بالنسبة إلى الآخرين، أحد الأسباب التي دفعت الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى وضع قواعد اللعب المالي النظيف (FFP) في العام 2011. لكن ما إذا كان لهذه القواعد فعليًا أثر مقيّد على الاستثمارات الخليجية أمر مشكوك فيه.

واليوم، يحقق نادي مانشستر سيتي أعلى إيرادات سنوية بين نوادي كرة القدم الأوروبية. ولا يمكن اعتبار نادي باريس سان جيرمان بعيدًا عنه، إذ إنه احتلّ المركز السادس في أحدث تقرير صادر عن شركة ديلويت (Deloitte) لأغنى أندية كرة القدم في العالم. بيد أن شرعية هذه الإيرادات، من حيث قواعد اللعب المالي النظيف، لأصبحت موضع تساؤل. وعلى الرغم من ذلك، لم يعد يخفى على أحد أن نادي مانشستر كان، خلال السنوات الخمس الماضية، أبرز من يُظهر إمكانيات لعبة كرة القدم الجميلة ولذة الفوز. وفي الوقت نفسه، يمكن القول إن خط هجوم باريس سان جيرمان يضمّ أفضل لاعب في تاريخ اللعبة، الأرجنتيني ليونيل ميسي، والفائز بجائزة أفضل لاعب شاب في بطولة كأس العالم الأخيرة، الفرنسي كيليان مبابي.

وفي العام 2020، وصل نادي باريس سان جيرمان إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وهي أهم بطولة على مستوى الأندية في العالم. وحقق مانشستر سيتي الإنجاز نفسه في العام 2021. وعلى الرغم من أن الناديَين نالا نصيبهما من النقد مع مالكيَهما، إذ إن هذا النوع من النجاح يحمل معه شعبية هائلة: فبات لاعبو الفريقَين والمدربون والمالكون أسماء معروفة في جميع أنحاء العالم. ربما كانت هذه هي الخطة أساسًا.

مع ذلك، ثمة على الأقل عبرة يجب أن يؤخَذ بها حول الاستثمار في أندية كرة القدم الأوروبية. فقبل دخول المستثمرين الخليجيين العرب إلى اللعبة، كان المستثمرون الروس الأثرياء، وأشهرهم رومان أبراموفيتش، الذي استحوذ على نادي تشيلسي الإنجليزي في العام 2003. وقد غيّرت عملية الشراء هذه مسار كرة القدم الإنكليزية، إذ قامت بضخّ الأموال في فريق ذي مستوى متوسط وتحويله إلى بطل بين ليلة وضحاها، ما مهد الطريق أمام مجموعة أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار للقيام بالخطوة نفسها والاستحواذ على نادي مانشستر سيتي. لكن وبعد أقل من شهر من الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، فرضت حكومة المملكة المتحدة عقوبات على أبراموفيتش بسبب علاقاته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأجبرته في نهاية المطاف على بيع نادي تشيلسي.

ويبدو أن المستثمرين الخليجيين العرب وشركائهم قد راقبوا سلسلة الأحداث هذه عن كثب، وببعض التخوّف. وعندما تزايدت الضغوط المُمارسة على أبراموفيتش، عبّرت سيدة الأعمال البريطانية البارزة أماندا ستافيلي، عن تحفظاتها بشأن إجبار رجل الأعمال الروسي النافذ على بيع نادي تشيلسي، علمًا بأنها عضو في مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، ومنخرطة إلى حدّ كبير في المسائل المتعلقة بفريق نيوكاسل الذي استحوذ عليه حديثًا صندوق الثروة السعودي. واللافت أنها سارعت إلى تهدئة المخاوف المحتملة من أن تُقدم السعودية على فعل أي شيء لتبرير رد الفعل العنيف الذي خلّفه الغزو الروسي لأوكرانيا.

الواقع أن الاستثمارات الخليجية العربية في أندية كرة القدم الأوروبية قد أثبتت جدواها حتى الآن. فهذه الأندية المعنية إما فازت بالألقاب أو اقتربت للغاية من ذلك، ونشرت أسماء أصحابها على نطاق واسع. لقد جعلت أبو ظبي والدوحة من أنديتهما الأوروبية الأكبر في العالم، وقد تحذو الرياض حذوهما قريبًا. مثلما أظهرت التطورات السياسية الأخيرة، وكما أدرك أصحاب أندية كرة القدم الخليجيين العرب، لا شيء يضمن أن استثماراتهم محصنة ضدّ المخاطر.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.