بينيديكت روبن-ديكروز هو زميل دراسات ما بعد الدكتوراه في جامعة آرهوس في الدنمارك، تركّز أبحاثه على مشروع Bringing in the Other Islamists (TOI) (إدراج الإسلاميين الآخرين). هو متخصّص في السياسات الشيعية في العراق والتيار الصدري، وقد نشر مؤخرًا مقالًا في "ديوان" بعنوان "مقتدى الصدر والصراع على السلطة الدينية"، بالتزامن مع التوترات التي شهدها العراق بين الاصطفافَين الشيعيَين الكبيرَين في البلاد. أجرت "ديوان" مقابلة مع روبن-ديكروز في أواخر أيلول/سبتمبر للنقاش حول مقاله هذا، والاطّلاع على وجهة نظره حول مقتدى الصدر والتيار الصدري عمومًا في لحظة مفصلية يشهدها العراق.
مايكل يونغ: كتبتَ مؤخرًا مقالًا لكارنيغي حمل عنوان "مقتدى الصدر والصراع على السلطة الدينية". ما فكرتك الرئيسة في المقال؟
بينيديكت روبن-ديكروز: سعى المقال إلى تقييم التأثير المتوقّع أن يحدثه التدخّل الذي قام به مؤخرًا مرجع التقليد آية الله كاظم الحسيني الحائري، المقيم في مدينة قم، لتجريد مقتدى الصدر من سلطته. يُشار إلى الحائري أحيانًا بأنه مرجعية التيار الصدري نظرًا إلى أن محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، قد اختاره ليكون مرجع التقليد قبل اغتياله. جادلتُ بأن خطوة الحائري لن تقوّض على الأرجح سلطة الصدر بشكل كبير، نظرًا إلى العلاقة المشحونة أصلًا بين التيار الصدري والحائري منذ أن رفض هذا الأخير الاعتراف بإعلان محمد صادق الصدر بأنه مرجع في مرحلة ما قبل العام 2003.
يسلّط المقال أيضًا الضوء على واقع أن السلطة الدينية داخل التيار الصدري أكثر تعدديةً مما يُعتقد عمومًا، إذ إن الحائري يُعتبر مرجعًا واحدًا من بين مرجعيات عدة يتّبعها الصدريون، ما يسهم في السلطة الدينية التي يتمتع بها الصدر ككل. إذًا، انطلق المقال من تدخّل الحائري لفتح النقاش أيضًا حول مسألة استراتيجية الصدر الدينية، أي بعبارة أخرى، كيفية نجاحه في بناء موقعه القوي كشخصية دينية داخل التيار الصدري، والحفاظ عليه.
استخدم الصدر لهذه الغاية تكتيكات عدة، بما في ذلك الارتباط بعدد من المرجعيات من خلال دراسته أو مواءمة تصريحاته العلنية على نحوٍ وثيق مع تصريحات آية الله علي السيستاني، وإنشاء مجلس شورى مؤلَّف من رجال دين أكبر سنًّا منه لتقديم المشورة إليه بشأن المسائل الدينية. وكان الهدف من ذلك الاستناد إلى المرجعية الدينية لرجال دين أعلى مقامًا، من دون السماح لأي مرجع بأن يصبح في موقع مهيمن للغاية وقادر على تهديد مكانة الصدر المهمة.
يلجأ الصدر أيضًا إلى تكتيكات أخرى لتعزيز سلطته الدينية. فهو يتابع دراساته لزيادة مؤهلاته الدينية، وينخرط في ممارسات زهدية، ناهيك عن أنه ألمح إلى صلته الروحانية بالإمام المخفي. يعتمد الصدر كذلك على أشكال الشرعية القائمة على الكاريزما الشخصية من خلال استخدام أغراض مادية بمثابة أدوات مقدّسة، مثل الأغراض المرتبطة بمحمد صادق الصدر (على سبيل المثال، يستخدم مقتدى الصدر عصا والده، ويستقل أحيانًا سيارة ميتسوبيشي "غالانت"، أي الطراز نفسه الذي كان والده يستقله لحظة اغتياله).
ويُنظر إلى هذه الممارسات في الغالب على أنها غير تقليدية وتفتقر إلى المصداقية الدينية، لكن من منظور علم الاجتماع الديني، يشكّل التناقض بين الشق التقليدي وغير التقليدي جزءًا من جدلية الممارسة الدينية، ويشرح كيفية تشكّل السلطة الدينية واستنساخها على مرّ الزمن. لذلك، يحاول المقال أيضًا إزالة طابع الغرابة عن ظاهرة الصدريين الدينية، لإظهار أن هذا التيار يجسّد من نواحٍ عدة أنماطًا عامة يمكن ملاحظتها أيضًا في الكثير من مساحات النضال الديني التاريخية والمعاصرة.
يونغ: أشرتَ في المقال إلى نقطة مفادها أن "هشاشة الصدر المحتملة قد تنجم عن هفوات من شأنها أن تُقوّض نظرة أتباعه إلى قائدهم كحاميهم، ومرشدهم، وشخصية موحِّدة للمجتمع الصدري". ماذا قصدت بذلك، وهل وصلنا إلى مرحلة قد يصبح موقع الصدر عرضةً للتهديد بسبب هذه الهفوات؟
روبن-ديكروز: أردت أن أحاول حل اللغز المتمثّل في أن سلطة الصدر، أي قدرته على حشد أتباعه، تبدو مقاوِمة للإخفاق السياسي – أي عجز الصدريين عن تطبيق إصلاحات، أو إرساء أسس الحوكمة الجيدة، أو تحقيق أهداف سياسية محدّدة، مثل إخفاقهم مؤخرًا في تشكيل الحكومة. من شأن فهم سلطة الصدر من منظور ديني في المقام الأول، لا سياسي، أن يساعد في إيضاح هذا اللغز. فالرابط بين قاعدة الصدريين وزعيمها لا يقتصر على تبادلات قائمة على المصلحة وتهدف إلى تحقيق أرباح مادية، أو على حسابات عقلانية حول المنفعة السياسية، أو على تبنّي إيديولوجيا سياسية محدّدة على نطاق واسع. بل قد يشكّل الميدان السياسي أيضًا مساحةً يستخدمها الصدريون لإبداء تفانيهم الديني وإخلاصهم (على سبيل المثال من خلال القيام بأفعال أخلاقية من دون غاية سياسية محدّدة)، وذلك جزئيًا من خلال التضحية – سواء بالوقت أو الموارد أو احتمال تعريض أنفسهم إلى ضرر جسدي – في سبيل الصدر وتياره. لكن ذلك يجعل الصدر جزءًا من هذا التعبير عن التضامن المجتمعي، ويحتّم عليه الحفاظ على دوره كقائد التيار الصدري، ومرشده، وكشخصية موحِّدة للمجتمع الصدري. أحاول الإضاءة هنا على الدور الأساسي الذي تؤدّيه السلطة الأخلاقية، بدلًا من الحسابات السياسية، في الحفاظ على النفوذ الذي يتمتع به الصدر في صفوف قاعدته الشعبية.
سُرّبت في الآونة الأخيرة تسجيلات صوتية لشخصيات بارزة في التيار الصدري، ولا سيما مصطفى اليعقوبي، الذي يُعدّ من دائرة المقرّبين من الصدر منذ فترة طويلة، وحميد الغزي، وكيل التيار الصدري في مجلس الوزراء، أظهرت أن هفوات الصدر الأخيرة في معرض مواجهته مع الإطار التنسيقي الشيعي أحدثت اضطرابًا كبيرًا داخل التيار. فإهدار أرواح الصدريين وإدانة الصدر لأتباعه الذين يقاتلون في المنطقة الخضراء في بغداد وأماكن أخرى كانا خطأَين فادحَين.
مع ذلك، لا يُعتبر موقع الصدر القيادي عرضةً للتهديد. أعتقد أننا سنشهد تراجعًا في سلطته، إنما ليس تنحيته. ومن شأن ذلك أن يقوّض قدرة الصدر على تأدية دور الوسيط بين الشخصيات والفصائل داخل التيار الصدري، ما يؤدّي إلى تراجع استقرار السلوك السياسي الصدري وتماسكه.
يونغ: شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة هدوءًا نسبيًا للوضع في العراق، ولا سيما على الجبهة الشيعية، حتى لو أننا ما زلنا بعيدين على ما يبدو عن إيجاد حل للجمود الذي أعقب الانتخابات. ماذا حدث، وإلى أين سيؤول هذا الوضع؟
روبن-ديكروز: أدّى تصعيد حدّة المواجهات بصورة فوضوية بين الصدريين والإطار التنسيقي الشيعي في أواخر آب/أغسطس إلى تراجع الصدريين، ما أفسح بعض المجال أمام الإطار التنسيقي الشيعي والفصائل السنيّة والكردية للتفكير في خطواتها المقبلة. لكن أعتقد أن ما يحصل هو مجرّد توقّف مؤقت للمواجهات أكثر من كونه عملية خفض تصعيد فعلية. في الوقت الراهن، يترقّب معظم المحلّلين الأحداث المتوقّعة في شهر تشرين الأول/أكتوبر والاحتجاجات التي يخطّط لها حراك تشرين بقيادته الشبابية التي سعت إلى إعادة تشكيل المنظومة السياسية العراقية بشكل كبير. يُذكر أن الاحتجاج الأول قد أُقيم في 1 تشرين الأول/أكتوبر في بغداد. وسيشكّل ذلك فرصة أمام الصدريين للعودة إلى ساحات الاحتجاج.
منذ أن أقدم الصدر على سحب نوابه من البرلمان العراقي، بدا واضحًا أن التيار الصدري يحاول تحقيق تقارب مع حراك تشرين بهدف تعزيز قوته الاحتجاجية وزيادة نفوذ الصدريين من خلال التهديد بإسقاط أي حكومة لا يحظون فيها بتمثيل من خلال قوة الشارع. تعارض معظم المجموعات المنضوية في حراك تشرين التعاون مع الصدريين، لكن لا تتشارك جميعها هذا الموقف. ومن المرجح أن يثير التعاون بين هذَين الطرفَين رد فعل عدائيًا من الإطار التنسيقي الشيعي والجماعات شبه العسكرية المتحالفة معه التي تعتبر أي تسوية بين الصدر وحراك تشرين بمثابة تهديد كبير للاستقرار السياسي. لكن، سيؤثّر هذا الرد في الغالب بالدرجة الأكبر على أفراد حراك تشرين، الذين يشكّلون هدفًا أضعف وأقل خطورة للإطار التنسيقي الشيعي وحلفائه.
يونغ: كيف تقرأ مستقبل العلاقة بين مقتدى الصدر وإيران؟ في الماضي، سعى الإيرانيون إلى قصّ جناحَيه، لكنه لطالما حرص على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع طهران. هل تعتقد أن هذا قد يتغيّر في المستقبل؟
روبن-ديكروز: سعى الصدر مرارًا إلى إعادة تشكيل علاقة تياره مع إيران خلال السنوات القليلة الماضية. فبعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، سافر إلى إيران، لكن خططه الواضحة الرامية إلى الاضطلاع بدور مركزي أكثر في الكتلة الإسلامية الشيعية قوبِلت بالرفض. وبدا أن الصدر حاول من جديد أن يثبت أهمية تياره الاستراتيجية الفريدة لإيران من خلال اللجوء إلى العنف لسحق حراك تشرين في العام 2020، وهو أمر لم تتمكن المجموعات شبه العسكرية الأكثر ارتباطًا بالحرس الثوري الإسلامي الإيراني من تحقيقه آنذاك، على الرغم من استخدامها العنف الشديد. مع ذلك، ترفض إيران المساعدة في تأسيس كتلة سياسية إسلامية شيعية محورها الصدر، إذ تفضّل الحفاظ على توازن بين القوى والتحالفات السياسية المتنافسة (بما فيها الفصائل السنيّة والكردية). وغالب الظن أن تستمر في اعتماد هذه الاستراتيجية. أتوقع أن يؤدّي التوصل إلى حل بشأن الاتفاق النووي مع إيران إلى اضطلاع طهران بدور نشِط أكثر في محاولة تنظيم المشهد السياسي الشيعي في العراق، ما سينطوي على إبرام اتفاق مع الصدر.