المصدر: Getty
مقال

تعثُّر الدبلوماسية في اليمن

يُنذر انهيار الهدنة التي دامت ستة أشهر بمزيد من التدهور لبلد أنهكه الصراع.

نشرت في ١٩ أكتوبر ٢٠٢٢

انهارت مطلع تشرين الأول/أكتوبر هدنة أُبرمت في اليمن بوساطة الأمم المتحدة ودامت ستة أشهر، بعد تمديدها مرتَين، حين فشل الطرفان المتناحران الأساسيان، أي الحوثيين والحكومة اليمنية، في الاتفاق على شروط تمديد جديد. أجرت "ديوان" مقابلة مع أحمد ناجي، الباحث غير المقيم في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تركّز أبحاثه على الشؤون اليمنية، لسؤاله عن أسباب انهيار الهدنة والتداعيات المحتملة التي قد تترتب على اليمن والجوار.

مايكل يونغ: لمَ فشل الطرفان في تجديد الهدنة؟

أحمد ناجي: حتى نعرف لماذا فشل تجديد الهدنة ينبغي طرح السؤال بطريقة أخرى. فمن المهم أن نسأل لمَ وافق طرفا النزاع، بعد سبع سنوات من القتال، على الهدنة من الأساس؟ وللإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من معرفة الدوافع الحقيقية للأطراف المتصارعة. فالهدنة لم تكن أساسًا وليدة إحساس هذه الأطراف بصحوة ضمير فجأةً، وقرارها وقف القتال والتركيز على التصدّي للكارثة الإنسانية في اليمن. بل كان السبب الذي دفعهم إلى الموافقة على الهدنة مختلفًا تمامًا: وهو الإنهاك.

أتى هذا الإنهاك من جمود خطوط المعارك، خصوصًا في مأرب وشبوة، بين جماعة أنصار الله المدعومة من إيران (المعروفة باسم الحوثيين) من جهة، ومختلف القوات الموالية للحكومة اليمنية والمدعومة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى. علاوةً على ذلك، شعرت الرياض وأبو ظبي بالتهديد من هجمات الحوثيين المتزايدة على المنشآت النفطية في أراضيهما، ما جعلهما حريصتان على قبول الهدنة.

خلال الهدنة، عمد الحوثيون إلى إعادة ترتيب صفوفهم، وتجنيد مقاتلين إضافيين، وتعزيز مواقعهم على خطوط المواجهة الأمامية كافة. لقد شعروا أن الهدنة منحتهم فرصة لرفع جهوزيتهم العسكرية، وانعكس ذلك في سلسلة من العروض العسكرية نظموها لاستعراض قوتهم وترسانتهم. على الجانب الآخر، بدا الوضع مختلفًا. فعلى الرغم من أن السعودية والإمارات تمكنتا من ضمّ عدد من الفصائل المناهضة للحوثيين في إطار مجلس القيادة الرئاسي، الذي جرى تشكيله حديثًا وعُلّقت عليه الآمال بحكم اليمن. لكن مع مرور الوقت، بدأت بعض هذه المجموعات التقاتل في ما بينها. ففي شبوة مثلًا، وقعت اشتباكات عنيفة بين فصائل المجلس الموالية للسعودية وتلك المدعومة من الإمارات.

إدراكًا منهم لكل هذا، رفع الحوثيون السقف عاليًا خلال المفاوضات حول تجديد الهدنة، واضعين شروط جديدة، شملت التزام المجلس بدفع رواتب العسكريين وموظفي الخدمة المدنية المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وإعادة فتح مطار صنعاء بالكامل، الذي يعمل راهنًا بقدرة محدودة، ورفع القيود المفروضة على الشحنات التي تدخل ميناء الحديدة. (يشار هنا إلى أن التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية، الذي تدخّل في اليمن في العام 2015، كان فرض حصارًا على البلاد، ما يعني أنه على الرغم من أن مطار صنعاء وميناء الحديدة يخضعان لسيطرة الحوثيين، إلا أن عملياتهما تأثرت بشدّة). وفي الوقت نفسه، واصل الحوثيون رفض فتح الطرق المؤدية إلى تعز ومنها، وهو ما كان من المفترض أن يفعلوه بعد التوقيع على الهدنة أول مرة في نيسان/أبريل. وباتت استراتيجية الحوثيين التفاوضية تتمثّل في المطالبة بالمزيد والتنازل عن القليل.

يونغ: ما تأثير انهيار الهدنة على دور السعودية والإمارات في اليمن؟

ناجي: تمتّعت الهدنة بأهمية ملحوظة للغاية بالنسبة إلى السعودية والإمارات على السواء. فخلال ستة أشهر، أوقف الحوثيون هجماتهم العابرة للحدود ضدّ الدولتَين. صحيحٌ أن انتهاء الهدنة سيُعيد حالة انعدام الأمن إلى المنطقة، لكنه لا يعني بالضرورة العودة إلى نزاع مسلّح شامل.

من جهة، لا يبدو الحوثيون مهتمين بتصعيد ملحوظ خصوصًا مع تزايد التحديات الداخلية، فهم يسعون إلى مواصلة الضغط على مجلس القيادة الرئاسي والتحالف الذي تقوده السعودية لقبول مطالبهم، وإن لزم الأمر من خلال تنفيذ عمليات عسكرية صغيرة النطاق وفي أماكن محددة. ومن جهة أخرى، تعمد السعودية والإمارات على السواء إلى تغيير استراتيجيتهما، واللجوء إلى النأي بالنفس عن السياسة اليمنية والاعتماد بصورة أكبر على وكلائهما المحليين الذين عززوهم خلال السنوات السبع الماضية. وحتى لو اندلع النزاع مرة أخرى، من المستبعد أن يصطدم السعوديون والإماراتيون بشكل مباشر مع الحوثيين، إذ إنهم حريصون على تجنّب أي ردّ عسكري عابر للحدود قد يصدر عن الجماعة.

يونغ: كيف تصف موقع مجلس القيادة الرئاسي على ضوء التحديات الداخلية والخارجية؟

ناجي: كان الهدف من تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وضع حدّ لأعمال القتال بين المجموعات المناهضة للحوثيين وتوحيد جهودها. وباعتباره مجلسًا جامعًا، ضمّ أكبر الفصائل المناهضة للحوثيين، وأحدث لفترة معيّنة نوعًا من توازن القوى بينها. لكننا شهدنا مؤخرًا توترات وانقسامات ومواجهات عسكرية بين بعض فصائله. علاوةً على ذلك، أحدث عجز المجلس عن تحسين الخدمات العامة وتخفيف وطأة الأزمة الإنسانية خيبة أمل لدى آلاف اليمنيين. وفي الوقت الراهن، قد يكون المجلس على موعد مع اختبار جديد. ففي حال اندلع النزاع المسلّح من جديد، ولو ضمن نطاق محدود، سيتوقف مصير المجلس السياسي على الأداء العسكري لهذه الفصائل، ومدى قدرتها على التنسيق في ما بينها.

يونغ: هل نحن على مشارف مرحلة تصبح فيها حرب اليمن دائمة والاهتمام الدولي بإنهائها شبه معدوم؟

ناجي: خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدنا تنامي اهتمام المجتمع الدولي بالصراع في اليمن. وبدا واضحًا أن عددًا كبيرًا من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، بما فيها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تريد تهدئة الوضع في البلاد. وربما رجّح ذلك الكفّة لصالح تنفيذ الهدنة. لكن المشكلة هي أن مثل هذا الاهتمام الدولي يتعاطى مع اليمن من منظور ضيّق. فقد دفعت الحاجة الملحة إلى إنتاج مستقر للطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية عددًا كبيرًا من الدول إلى السعي لضمان عدم استمرار النزاع في اليمن ليطال السعودية والإمارات، وهما من أكبر الدول المنتجة للنفط. أضف إلى ذلك أن مثل هذا النهج، الذي يبدو أنه يركّز على اليمن، لا يلبي لا من قريب ولا من بعيد احتياجات اليمن نفسه.

في الواقع، حين تنحسر أهمية اليمن بالنسبة إلى المجتمع الدولي، وفي حال حدوثه، قد يتراجع بالتالي الاهتمام بأزمته الإنسانية والسياسية. وستترتب على ذلك آثار كارثية، فعلى الرغم من أن النزاع المسلح قد لا يشتعل من جديد بشكل كامل، ستتواصل الأزمة الإنسانية وربما تزداد سوءًا. وفي مثل هذه السيناريو، يكمن الخطر في أن يعامل الآخرون اليمن كما عوملت دولة الصومال المجاورة، أي كدولة فاشلة لا أمل بخلاصها.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.