المصدر: Getty
مقال

ما النتائج التي سيفضي إليها انزلاق المشهد السياسي الإسرائيلي نحو اليمين المتشدّد؟

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن.

نشرت في ٩ نوفمبر ٢٠٢٢

جوشوا ليفير | محرّر مساهم في مجلة Jewish Currents وعضو في مجلس تحرير مجلة Dissent

في حال أدّت حكومة يمينية متطرّفة برئاسة بنيامين نتنياهو اليمين الدستورية - مع الإشارة إلى أن مفاجآت اللحظة الأخيرة ليست أمرًا غريبًا في السياسة الإسرائيلية - سيكون الفلسطينيون على جانبَي الخط الأخضر أول المتأثّرين بتداعيات ذلك. ففي الضفة الغربية المحتلة، يرجَّح أن تتعامل الإدارة اليمينية بقسوة أكبر مع التصعيد الأخير للمقاومة الفلسطينية المسلحة. علاوةً على ذلك، ستحظى مصالح المستوطنين، الذين طالبوا الجيش الإسرائيلي بالتخلّص من المقاتلين الشباب في نابلس وجنين، بتمثيل جيّد، إذ إن 10 أعضاء في الكنيست من أصل 64 يقيمون في مستوطنات إسرائيلية. وتضمنت حملة أحد قياديي ثاني أكبر كتلة في الائتلاف المحتمل، إتامار بن غفير، جزئيًا وعدًا "بإطلاق يد" القوات الإسرائيلية أكثر في قمع التظاهرات في إسرائيل والأراضي المحتلة. وتضمنت مطالب حزبه في مفاوضات الائتلاف تغيير قواعد الاشتباك الخاصة بالشرطة الإسرائيلية ومنحها الغطاء القانوني لاستخدام القوة بغية القتل.

أما على المستوى السياسي المؤسسي، فالأولوية الأساسية لشركاء نتنياهو في الائتلاف هي تقويض توازن القوى بين السلطتَين التشريعية والقضائية من خلال تمرير مشروع قانون تجاوز المحكمة من شأنه أن يمكّن الكنيست من إعادة تمرير أي قانون تردّه المحكمة العليا، التي يراها يمينيون كثيرون على أنها تحمي بصورة مفرطة حقوق الأقليات غير اليهودية، وأنها تشكّل عقبة في وجه الأجندة اليمينية المتشدّدة حول الأراضي. ومن شأن تمرير مثل هذا الإجراء أن يحوّل الإثنوقراطية الليبرالية الشكلية في إسرائيل ضمن الخط الأخضر إلى نظام غير ليبرالي على نحو سافر. علاوةً على ذلك، سيكون بمثابة مقدّمة لجهود طموحة أكثر لتضييق الخناق على المعارضين، وهي تدابير تعتبرها المحكمة العليا على الأرجح بمثابة انتهاك للقوانين الأساسية لإسرائيل، على غرار الحظر الصريح للأحزاب الفلسطينية العربية في الكنيست، وترحيل الناشطين الفلسطينيين والإسرائيليين المناهضين للاحتلال، وحظر رفع العلم الفلسطيني.

ومن نتائج السياسية المحتملة التي تلبّي رغبات الأحزاب اليمينية المتطرّفة والتقليدية هي تعزيز استثمار الدولة في بناء المستوطنات، والتحضير لعملية ضمّ أجزاء إضافية من الضفة الغربية، وزيادة التمويل المخصّص لمدارس "يشيفا" اليهودية الدينية والمؤسسات التعليمية القومية الدينية، وربما تراجع بعض المكاسب التي حقّقها مجتمع الميم، فضلًا عن تكثيف الهجمات على التيارات اليهودية غير التقليدية.

قليلةٌ هي المؤشرات الدالة على أن هذه الحكومة اليمينية ستواجه تداعيات دولية ملموسة، حتى لو شرعت في عملية إعادة تشكيل شبه ثورية للدولة الإسرائيلية. الجدير بالذكر أن قادة دول العالم، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، هنأوا نتنياهو على عودته إلى السلطة. مع ذلك، وفي إطار الخلافات بين التيارات السياسية اليهودية، لا شكّ أن حكومة نتنياهو المقبلة ستعمّق الانقسامات بين المؤيّدين لإسرائيل بصورة غير مشروطة ومعارضي النظام الحالي.


 

ديانا بوتو | محامية فلسطينية وزميلة في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي

للمرة الخامسة خلال ثلاث سنوات، شهدت إسرائيل انتخابات تشريعية مؤخرًا وُصفت بشكل تبسيطي للغاية على أنها بين المعسكر المؤيّد لنتنياهو والمعسكر المعارض له، ما يلمح ضمنيًا لغير الملمّ بالسياسات الإسرائيلية بأن المعسكر "المعارض" لنتنياهو تقدّمي مقارنةً بالمعسكر "المؤيّد" له. لكن في الحقيقة، لم تكن هذه الانتخابات عن نتنياهو إطلاقًا، بل عن الإمعان في محو الهوية الفلسطينية وصعود الفاشية في إسرائيل.

ليس أمرًا جديدًا أن يعمد السياسيون الإسرائيليون إلى استعراض عضلاتهم على حساب الفلسطينيين من أجل الحصول على المزيد من الأصوات الانتخابية. فقد رأينا ذلك مع أفيغدور ليبرمان الذي هدّد "بقطع رقاب الفلسطينيين" غير المخلصين ]لإسرائيل[، وترحيل المواطنين الفلسطينيين (وهذه الكلمة مرادف تلطيفي لممارسة التطهير العرقي بحقهم) من أجل التصدّي "للتهديد الديمغرافي" الذي نطرحه نحن الفلسطينيون. ورأينا ذلك أيضًا مع نفتالي بينيت الذي تفاخر "بقتل الكثير من العرب"، ومع أيليت شكد التي نعتت الأمهات الفلسطينيات بأنهن "أفاعٍ". مهّدت هذه الظروف لصعود إتامار بن غفير الذي قال إن بطله هو باروخ غولدشتاين، الرجل الذي نفّذ مجزرة بحق 29 مصليًا فلسطينيًا في المسجد الإبراهيمي في الخليل.

لا شكّ أن صعود الفاشية يشير إلى أن الحكومة المقبلة ستنتهج سياسات سيتكبّد الفلسطينيون ثمنها غاليًا. فأحزاب اليمين المتطرف تطالب، كما سنرى، بزيادة وتيرة الاستيطان وإصدار مزيد من التشريعات العنصرية ضد الفلسطينيين في إسرائيل، وطبعًا تنفيذ المزيد من الهجمات ضد الفلسطينيين. وفيما يحدث كل ذلك، سيبقى الإسرائيليون منشغلين بما إذا كانت المجموعات الدينية تتلقى المزيد من المزايا المالية أو ما إذا ازدادت القيود الدينية. إن التنافر بين الحياة التي يعيشها الإسرائيليون والتأثيرات المدمّرة التي تلحقها خياراتهم الانتخابية بالفلسطينيين – والتي تفاقمت على مر السنوات – سيستمر، ومعه الانشغال "بإخراج نتنياهو من منصبه"، بدلًا من التصدّي للمشكلة الكبرى المتمثّلة في المخططات الإسرائيلية العنصرية والاستعمارية.


 

يارا عاصي | أستاذة مساعدة في قسم الإدارة والمعلوماتية الصحية العالمية في جامعة سنترال فلوريدا، حائزة على منحة فولبرايت لإجراء بحوث في الضفة الغربية، وباحثة زائرة في مركز أف أكس بي للصحة وحقوق الإنسان، وزميلة غير مقيمة في المركز العربي واشنطن العاصمة.

لم تشكّل نتائج الانتخابات الأخيرة مفاجأة حتى للأشخاص الذين لا يتابعون عن كثب السياسة الإسرائيلية. فقد كانت، من نواحٍ عدّة، تجسيدًا للمنحى الذي كانت تسلكه السياسات الإسرائيلية بعد انطلاق عملية أوسلو في منتصف التسعينيات، وتأكيدًا على عدم وجود نسبة يُعتدّ بها من السياسيين الإسرائيليين أو الناخبين تؤمن بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة أو بمنح الفلسطينيين حقوقًا متساوية داخل دولة واحدة. وعلى الرغم من محاولة بعض السياسيين الإسرائيليين الجدد على الأقل التأكيد على عدد من هذه المبادئ في خطاباتهم، لم تتطابق سياساتهم معها على الإطلاق.

ولأن السياسة الإسرائيلية سعت منذ فترة طويلة السيطرة على الأراضي المحتلة من دون تحمّل مسؤولية تجاهها، ومواصلة توسيع المستوطنات، وتشديد القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين، ومنح حصانة لمرتبكي أعمال العنف، من المستبعد أن يتغيّر هذا النهج تجاه الفلسطينيين بشكل كبير على المدى القريب. بل سيزداد دعم هذه الممارسات ويُفتح النقاش مجدّدًا حول ضمّ الأراضي وحتى طرد الفلسطينيين. لكن السؤال الحقيقي الوحيد هنا هو ما ستكون استجابة المجتمع الدولي لذلك. فحتى الآن، لم يكن سجله ناصعًا في ما يتعلق بمحاسبة إسرائيل على انتهاكات القانون الإنساني الدولي، تمامًا ممواقف بعض الدول الخارجية حول قضايا مثل المستوطنات. وفي ظل غياب الغطاء الذي يوفره السياسيون أصحاب الخطابات المعتدلة، كيف سيبرّر المجتمع الدولي إجراءات هذه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ناهيك عن الدعم العسكري والدبلوماسي لها؟ ما لم يتم تغيير النهج المعتمد تجاه إسرائيل، سيصبح أصعب على المجتمع الدولي التحدث عن حقوق الإنسان والتحذير من تنامي الحكم القمعي في دول أخرى من العالم.

وإن ردّ المجتمع الدولي من خلال التزام الصمت، كما هو متوقّع، أعتقد أن التحوّل نحو اليمين المتطرّف سيصبح أكثر حدّة، وسيؤدي إلى تداعيات تلقي بظلالها ليس على الفلسطينيين وحسب بل على مجموعات مهمّشة أخرى في جميع أنحاء العالم، فيما يسقط القناع عن الهواجس العالمية بشأن حقوق الإنسان بالتلاشي.


 

شاؤول ماجد | أستاذ في السياسات اليهودية في كلية دارتموث، ومؤلّف كتاب Meir Kahane: The Public Life and Political Thought of an American Jewish Radical (مائير كاهانا: الحياة العامة والفكر السياسي ليهودي أميركي راديكالي) (منشورات جامعة بريستون، 2021)

ستشكّل هذه الانتخابات على الأرجح منعطفًا لإسرائيل، ليس فقط في ما يتعلق بسياساتها اليمينية المتطرّفة، بل أيضًا بتنامي نفوذ التيار التقليدي المتشدّد. ومن الصعب في هذه المرحلة رؤية إسرائيل تتراجع لتتّخذ موقفًا أكثر اعتدالًا أو ليبرالية، نظرًا إلى الإرادة الحالية للناخبين. لكن ما أغفل الجميع عن ملاحظته هو حقيقة أن الحزب اليساري الحقيقي الوحيد، ميرتس، لم يحظَ بأي تمثيل داخل الكنيست، ما يعني أن الصوت اليساري غاب تمامًا عن الكنيست.

على صعيد النتائج الفورية، سيوضع أخيرًا حلّ الدولتَين على الرف، إذ لم يعد بإمكان أحد طرح هذا الخيار على أنه قابل للتطبيق. وسيزداد عدد المستوطنات بسرعة، وستُقدَّم حوافز مالية للانتقال إليها، وسيتمّ بالتدريج ضمّ أراضٍ إضافية من الضفة الغربية. وسيختفي الخط الأخضر، مع العلم بأن جزءًا كبيرًا منه سبق أن تلاشى. باختصار، سينتهي الاحتلال كما نعرفه.

ليس واضحًا بالنسبة لي ما سيكون موقف اليهود الأميركيين الليبراليين إلى حدٍّ كبير. فهل سيواصلون دعم إسرائيل التي لم تعد تمثّل قيمهم، وهو أمر مرجَّح، أم أنهم سيبدأون بنأي أنفسهم عنها؟ غالب الظن أن المسيحيين الصهاينة سيعزّزون دعمهم لهذه الحكومة الجديدة سياسيًا وماليًا. ويُرجَّح أيضًا أن تواصل الحكومة الأميركية دعمها لإسرائيل، بغضّ النظر عمّا تقرّر فعله. لكن ماذا سيفعل الفلسطينيون؟ لم يتّضح ذلك بعد، إذ يتمّ حشرهم في الزاوية أكثر فأكثر، وتتضاءل الخيارات المتاحة أمامهم يومًا بعد يوم.

أعتقد أن هذا التحوّل اليميني سيستمر لفترة قبل أن يعتدل أو ينحسر. لا يشكّل هذا الأمر مفاجأة، بل هو نتيجة متوقعة منذ فترة طويلة. ولم يعد الأمر يقتصر على المستوطنين، فمعظم الإسرائيليين اختاروا إلى حدٍّ كبير تبنّي سردية الاستيطان. وفي ظلّ غياب التدخّل الخارجي، سترتفع وتيرة مصادرة الأراضي وستصبح الحياة اليومية للفلسطينيين أسوأ يومًا بعد يوم. لقد قام الناخبون الإسرائيليون بالاختيار، ولا يملكون لا الرغبة ولا الحافز لتقديم أي تنازلات.


 

مروان المعشّر | نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

سلّطت نتائج الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الأخيرة الضوء على حقيقة واضحة ولا تقبل الجدل، وهي أن الصراع العربي الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة بعيدًا عن المساعي السابقة تحقيق حل الدولتَين. من الآن وصاعدًا، سيكون على الفلسطينيين والعالم أجمع التعامل مع قضية حقوق الفلسطينيين، ومع التهديد الذي يطرحه نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد)، بالنسبة إلى المجتمع الدولي على نحو خاص، بدلًا من الشكل الذي قد يأخذه الحل الدبلوماسي المحتمل.

إذا كانت الآمال معقودة في السابق على تحقيق معجزة إعادة إحياء عملية سلام من شأنها التوصّل إلى حلّ دبلوماسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي تبدّدت تمامًا الآن. على الأرجح، سيكون حزب الليكود الذي يترأسه بنيامين نتنياهو على يسار سائر أعضاء الائتلاف، وسيضم أشخاصًا مثل إتامار بن غفير وبتسلال سموتريتش، اللذين يطلقان صراحةً دعوات عنصرية ومخالفة للقانون الإسرائيلي، بالطرد الجماعي للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.

لم يعد سينايو الأبرتهايد مجرّد تهديد تلوح في الأفق، بل أضحى واقعًا ملموسًا تتبنّاه الحكومة الإسرائيلية صراحةً أو ضمنًا. ويجادل البعض أن المجتمع الدولي، الذي لم يصدر عنه سوى كلام لا طائل منه تجاه عملية السلام خلال السنوات الأخيرة، والذي غضّ الطرف عن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي المستمر والقوانين التمييزية بحق الفلسطينيين، يتحمّل قدرًا من المسؤولية عن الوضع الذي وصلنا إليه اليوم.

السؤال الذي ينبغي طرحه في المستقبل هو ما إذا سيبقى المجتمع الدولي على موقفه غير المجدي المتمثّل بدعم عملية سلام ميتة والتغافل عن عنصرية إسرائيل ومتابعة نهجه الحالي في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية، أو ما إذا سيعيد النظر في مقاربته للصراع للاعتراف بحقوق الفلسطينيين السياسية والإنسانية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.