المصدر: Getty
مقال

أعداءٌ لأعداء بعضهما البعض

يشرح نيكيتا سماغين، في مقابلة معه، أسباب التقارب الروسي الإيراني وحدوده.

نشرت في ١٤ ديسمبر ٢٠٢٢

نيكيتا سماغين خبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية حول السياسات الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط. عمل لمدة ثلاث سنوات كمراسل الشؤون الأجنبية في طهران، وكتب عن العلاقات الدولية في مجلات أكاديمية ووسائل إعلامية متنوعة باللغات الإنكليزية والروسية الفارسية. أجرت "ديوان" مقابلة معه في مطلع كانون الأول/ديسمبر للاطّلاع على رأيه حول العلاقات بين روسيا وإيران، في وقت تعمل الدولتان على تحسين تعاونهما وتمدّ طهران موسكو بالطائرات المسيّرة في حربها ضدّ أوكرانيا.

مايكل يونغ: يبدو أن العلاقات بين روسيا وإيران تحسنّت بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. هلّا تشرح لنا العوامل الأساسية التي ساهمت في ذلك؟

نيكيتا سماغين: شهدت العلاقات الروسية الإيرانية تحسّنًا مطّردًا خلال السنوات القليلة الماضية، بحيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدَين بحلول نهاية العام 2021 على سبيل المثال رقمًا قياسيًا وصل إلى 4 مليارات دولار، ومنحت الحرب في أوكرانيا زخمًا إضافيًا للعلاقات بين الجانبَين. والسبب الرئيس في ذلك هو أن البلدَين يواجهان عقوبات، فيما تتعامل روسيا أيضًا مع مساعي الدول والشركات الغربية الرامية إلى عزلها. في هذا الإطار، تتضاءل فرص موسكو في تحقيق التعاون الاقتصادي وتعتبر أن علاقاتها مع إيران هي وسيلة للالتفاف حول العقوبات. لهذا السبب، شهدنا عددًا كبيرًا من المسؤولين الروس الرفيعي المستوى يزورون طهران، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين شخصيًا، ونائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، ووزير الخارجية سيرغي لافروف. علاوةً على ذلك، قام المئات من روّاد الأعمال الروس، الذين لم يفكروا يومًا بالتعامل مع إيران، بزيارة طهران.      

سبق أن نتج عن تعزيز هذا التعاون الثنائي بعض المبادرات المهمة، مثل تصدير السيارات إلى روسيا، وتزويدها بقطع غيار الطائرات، فضلًا عن توقيع مذكرة تفاهم بين شركة غازبروم وشركة النفط الوطنية الإيرانية لاستثمار حوالى 40 مليار دولار في قطاع النفط والغاز الإيراني.

المثير للاهتمام أن هذا التقارب التاريخي تزامن مع مواجهة الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلدَين تحديات غير مسبوقة وغير متوقعة. فإيران تواجه أزمة شرعية حادة، وسط احتجاجات واسعة داخل البلاد وخارجها. وإن دلّت الديناميكيات الراهنة على شيء فإنما تدلّ على أن النظام القائم لم يعد قادرًا على الحفاظ على الاستقرار. علاوةً على ذلك، تسبّبت الاحتجاجات والإجراءات التي اتّخذتها الدولة لاحتوائها، على غرار قطع شبكة الإنترنت، ببروز صعوبات اقتصادية واجتماعية جديدة. أما بالنسبة إلى روسيا، فقد أدّت التعبئة العسكرية الأخيرة إلى زوال عقد اجتماعي قائم منذ فترة طويلة بين الدولة والمواطنين، قوامه نأي المواطنين بأنفسهم عن السياسة مقابل عدم تدخّل الدولة في حياتهم الخاصة، وشكّل ذلك حجر الأساس لاستقرار النظام السياسي الروسي.

لكن المشاكل التي تواجه النظامَين الروسي والإيراني لا تشير بالضرورة إلى انهيار الدولتَين. بل يُرجّح أن يخوض كلٌّ منهما مرحلة انتقالية معقّدة. لكن التحديات الداخلية الجديدة تحدّ من آفاق إقامة علاقات تجارية فعّالة بين البلدَين، والتعاون في المجالات الاقتصادية أو البنى التحتية. وفي الوقت نفسه، تفضي هذه التحديات إلى بروز تصوّر لدى النخب السياسية في روسيا وإيران بأن الدولتَين بحاجة إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى. لذا، غالب الظن أن التعاون الأمني والعسكري سيتكثّف في المستقبل.

يونغ: اعتبر كثيرون أن اعتماد روسيا على الطائرات المسيّرة الإيرانية في حرب أوكرانيا مؤشّر ضعف. في وقتٍ تسعى موسكو إلى إظهار أن غزوها لأوكرانيا هو بمثابة ولادة جديدة لها، ألم يقوّض هذا المؤشّر الواضح لاعتمادها على إيران الصورة التي تحاول إظهارها؟

سماغين: أصبحت الحرب في أوكرانيا حملة ترويجية كبيرة للأسلحة الإيرانية. لقد سمعنا كثيرًا قبل هذا العام عن اهتمام الإيرانيين بشراء طائرات أو أنظمة صواريخ دفاعية روسية. لكن حدث العكس خلال العام الجاري، إذ إن روسيا هي التي تشتري الأسلحة الإيرانية الآن. حتمًا، يخبرنا ذلك أكثر حول قوة روسيا العسكرية ومدى قدرتها على خوض صراع حديث وشامل. في الواقع، شكّل المسار الراهن للصراع في أوكرانيا ضربة قاسية لسمعة روسيا كقوة عسكرية رائدة. لذلك، لا يُعدّ اعتمادها على الطائرات المسيّرة الإيرانية بأهمية مسائل أخرى، مثل انسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون. في ظل هذه الظروف، لا أعتقد أن موسكو ستقلق كثيرًا حيال مدى تأثير تعاونها مع إيران على صورتها، إذ إن أمامها تحديات كثيرة أخرى يتعيّن عليها مجابهتها.

يونغ: نشرتَ مؤخرًا مقالًا على مدوّنة "بوليتيكا" الصادرة عن زملائنا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ذكرتَ فيه أنه على الرغم من أن روسيا وإيران وسّعتا نطاق تعاونهما في مجال الغاز، ثمة عقبات عدّة تعترض هذا المشروع. ما المشاكل الرئيسة التي يواجهها الجانبان في هذا الشأن؟

سماغين: يبدو أن روسيا جادّة للغاية في تعاونها مع إيران في مجال الغاز. ويُعدّ ذلك تحولًا كبيرًا لأن شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم كانت تملك في السابق مكتبًا في طهران، لكنه كان شكليًا ليس إلا. فلم يكن الطرف الروسي راغبًا في تعريض مشاريعه الغربية للخطر من أجل بناء علاقات مع إيران الخاضعة لعقوبات. أما اليوم، فلم يعد هذا الأمر يطرح مشكلة لموسكو. وثمة بعض المشاريع المشتركة التي يمكن أن تكون مثمرة، أبرزها بيع الغاز الروسي عبر إيران إلى الدول المجاورة. لكن لا يمكن اعتبار هذه المشاريع مهمة. الفكرة الجريئة المتمثّلة في استثمار روسيا 40 مليار دولار في قطاع الغاز الإيراني تعترضها عقبات عدّة، أبرزها العقوبات وعدم وجود التكنولوجيا الضرورية.  

على سبيل المثال، أثار محلّلون في القطاع شكوكًا حول حقلَين إيرانيَين رئيسَين تعتزم روسيا المساعدة في تطويرهما - وهما حقلَي فارس الجنوبي وكيش - بسبب نوع الأنابيب المطلوبة. يستلزم الأمر الحصول على نوع لا يصنّع في أي من الدولتَين، ولا يمكن استيراده من أوروبا أو اليابان بسبب العقوبات. علاوةً على ذلك، تعتزم إيران بناء محطات خاصة بها للغاز الطبيعي المُسال بمساعدة روسيا، لكن ذلك لن يكون سهلًا. فلم تقم أي منهما ببناء محطة غاز طبيعي مُسال تعمل بكامل طاقتها حتى الآن، وستواجهان صعوبات كثيرة في ذلك بسبب عزلتهما التكنولوجية. يُضاف إلى ذلك أن قطاع الغاز الإيراني يواجه أزمة حادة، ولن يصبّ في مصلحة روسيا أن تتمكّن إيران من إخراج نفسها من هذا الوضع. فالدولتان لا تزالان متنافسَتين في مجال الغاز، لا شريكتَين. وطالما أن أوروبا لا تستطيع الاستثمار في إيران بسبب العقوبات، ستحاول موسكو الاستفادة من هذا الوضع والحصول على بعض النفوذ في قطاع الغاز الإيراني. لكن الأكيد أن الإيرانيين مدركون تمامًا لهذه النوايا، ومن الصعب أن تكتفي طهران بدور الشريك الصغير لفترة طويلة.

يونغ: نظرًا إلى الحرب في أوكرانيا والتقارب بين روسيا وإيران، هل لا يزال من الواقعي الحديث عن إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران؟ أُدرك أن توقعات حدوث ذلك متدنية للغاية راهنًا، لكننا شهدنا تحولًا في علاقات روسيا مع إيران ودول أخرى من مجموعة الدول الخمس زائد ألمانيا، فهل يعني ذلك أن الصيغة المُتفاوض عليها مع إيران حول برنامجها النووي أصبحت بائدة؟

سماغين: وصل الاتفاق النووي إلى طريق مسدود بسبب الخلافات بين إيران والولايات المتحدة. أدّت الاحتجاجات الراهنة في إيران والإجراءات التي اعتمدتها الدولة لقمعها إلى إضافة بُعد إيديولوجي إلى أجندة إعادة إحياء الاتفاق النووي، فبات من المستحيل على الدول الغربية اعتماد نهج سياسي واقعي في تعاملها مع القضايا الإيرانية. وقد ساهمت الطائرات المسيّرة الإيرانية في تعزيز صورة إيران كدولة قادرة على تهديد الأمن الدولي. ليست روسيا السبب في فشل الاتفاق النووي، لكنها في ظل الظروف الراهنة، لن تبادر إلى إحيائه. فليس من مصلحة موسكو أن تُرفع العقوبات عن طهران ويُسمح للنفط والغاز الإيرانيَين بالتدفّق إلى الأسواق العالمية. لذا من المستبعد جدًّا تخيّل إعادة إحياء الاتفاق النووي بأي شكل من الأشكال في المستقبل المنظور.

يونغ: كيف سيؤثّر التقارب الروسي الإيراني على علاقة موسكو مع إسرائيل ودول الخليج؟

سماغين: قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت روسيا من بين شركاء إسرائيل الأساسيين في الشرق الأوسط. ويشكّل التقارب بين موسكو وطهران تهديدًا كبيرًا للتعاون الروسي الإسرائيلي. على خلاف إيران، أدانت إسرائيل أفعال روسيا في أوكرانيا. ستحاول موسكو الحفاظ على علاقاتها مع الطرفَين، إلا أن هذا الأمر بات أصعب بكثير الآن. نظرًا إلى السياق الراهن، ستكون روسيا أكثر استعدادًا من ذي قبل لأخذ المصالح الإيرانية في المنطقة في الحسبان.

لا تتأثر العلاقات الروسية مع دول الخليج بشكل مباشر نتيجة تقاربها مع إيران. وسيكون ذلك رهنًا بالمصالح البراغماتية لهذه الدول مع موسكو وقدرة الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، على التأثير في سياساتها.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.