المصدر: Getty
مقال

هل من المحتمل أن يستخدم الحرس الثوري الاحتجاجات الراهنة في إيران ليحلّ محل النظام الديني الحاكم؟

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن.

نشرت في ١٩ يناير ٢٠٢٣

سانام فاكيل | نائب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، وزميلة أبحاث رئيسة في المعهد، حيث تقود مشاريع حول الشؤون الإيرانية والخليجية.

بلغت التكهّنات بشأن استيلاء الحرس الثوري الإيراني على الحكم أبعادًا جديدة خلال الأشهر التي تخلّلتها احتجاجات كبرى عمّت مختلف أنحاء إيران منذ أيلول/سبتمبر 2022. نظرًا إلى أن القيادة السياسية لا تبدي أي استعداد لإجراء الإصلاحات أو للتوصّل إلى تسويات مع مجموعات المتظاهرين، من المُلفت أن الناس قد ينظرون إلى الحرس الثوري الإيراني كبديل معقول من شأنه أن يضع الجمهورية الإسلامية على سكة التحوّل إلى دولة عسكرية حامية ذات توجّه ليبرالي اجتماعي.

صحيحٌ أن قوات الحرس الثوري الإيراني ليست مجموعة واحدة، بل تتألف من فصائل متنوعة، بيد أنها لا تزال تكنّ الولاء للمرشد الأعلى علي خامنئي. تُعدّ قيادة خامنئي وشرعيته على ارتباط وثيق بالنفوذ الكبير والمتنامي الذي يتمتع به الحرس الثوري على المستويات الاقتصادية والعسكرية والإقليمية. على غرار خامنئي، لدى الحرس الثوري رؤية مطبوعة بنزعة الارتياب وذات توجّه أمني تتمحور حول حماية الجمهورية الإسلامية من شبح الانقسام الداخلي والتدخل الخارجي. لذا، دعمت هذه المؤسسة بقوة الرد القمعي الشرس على الاحتجاجات، والذي تخلّلته خمس عمليات إعدام وآلاف الاعتقالات، باعتباره الوسيلة الفضلى لصون أمن الجمهورية الإسلامية واستقرارها. نظرًا إلى هذا الولاء وعلاقة الاعتماد المتبادل، لا يمكن لمثل هذا التغيير في النظام أن يطرأ على الأرجح إلا عَقِب وفاة خامنئي.

لا ينبغي على أولئك الذين يتوقون إلى تغيير النظام أن ينظروا إلى هذا الاحتمال على أنه الحل السياسي أو الاقتصادي السحري لإيران. بل من شأنه أن يشكّل تكملةً للسياسات القومية السلطوية والعدائية التي يدعمها الحرس الثوري أصلًا في مختلف أرجاء المنطقة.


 

سعيد غولكار | أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية في جامعة تينيسي في مدينة تشاتانوغا، وزميل بارز غير مقيم متخصّص في سياسات الشرق الأوسط في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية وفي معهد توني بلير للتغيير العالمي في المملكة المتحدة.

من المستبعد أن تحلّ قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني محل المؤسسة الدينية لأسباب عدّة. فالحرس الثوري يفتقر إلى هيكلية مؤسسية، إلى جانب النفوذ الديني القوي عليه، وتَشاركه معتقدات إيديولوجية مع رجال الدين. تمّ تأسيس الحرس الثوري الإسلامي في العام 1980 بهدف حماية النظام الديني، وشكّل منذ ذلك الحين أداة استخدمها رجال الدين لتحييد التهديدات المُحدقة بالنظام الديني، ومن ضمنها الانقلابات والتدخلات الخارجية والانتفاضات الشعبية.

كانت قوات الحرس الثوري، منذ نشأتها، خاضعة لسيطرة المرشد الأعلى، الذي كان آنذاك آية الله روح الله الخميني، والآن آية الله علي خامنئي. وقد تنامت هذه السيطرة بشكل كبير بعد أن تولّى خامنئي منصب المرشد الأعلى في العام 1989. فمنذ ذلك الحين، يختار هو بنفسه قادة الحرس الثوري. ولا يمكن كذلك ترقية أي شخص في الرتب العليا من الحرس الثوري إلا بعد الحصول على موافقة المكتب العسكري للمرشد الأعلى.

علاوةً على ذلك، تخضع قوات الحرس الثوري للرقابة من المرشد الأعلى ومكتبه على المستويَين السياسي والإيديولوجي. وهي في الوقت نفسه تحت إشراف هيئتَي مراقبة متوازيَتين: ممثلية الولي الفقيه في الحرس الثوري، وجهاز مكافحة التجسّس التابع لقوات الحرس الثوري، والمتواجد على جميع المستويات، بدءًا من هيئة الأركان المشتركة لهذه القوات ووصولًا إلى كل فصيل فيها. تخضع الهيئتان لإشراف المرشد الأعلى بصورة مباشرة. فيهدف جهاز مكافحة التجسّس إلى ضمان ولاء الحرس الثوري للقائد. ويضطلع ممثلو خامنئي في الحرس الثوري بمهام شبيهة بدور المفوضين السياسيين في الاتحاد السوفياتي، إذ يتولون مسؤولية التلقين السياسي لعناصر الحرس الثوري والموافقة على مؤهلاتهم الإيديولوجية والسياسية في مرحلتَي التجنيد والترقية.

أدّى التلقين العقائدي المكثّف والمتواصل لعناصر الحرس الثوري، على غرار حملات التطهير الكثيرة داخل هذه القوات منذ تولّي خامنئي منصبه في العام 1989، إلى تأسيس قوة مسلحة ترتكز إلى الإيديولوجيا الإسلامية، وعلى وجه الخصوص مبدأ ولاية الفقيه. ثمة قول شائع مفاده أن عناصر الحرس الثوري هم رجال دين ببزات الحرس الخضراء.

على الرغم من تنامي قوة الحرس الثوري خلال العقود القليلة الماضية، إن فكرة إطاحته بالمؤسسة الدينية واستبدالها بنظام عسكري ذي إيديولوجيا قومية هي مجرّد تفكير رغبوي. فالحرس الثوري والمؤسسة الدينية هما وجهان لعملة واحدة، تمامًا مثل الإله جانوس في الأساطير الرومانية.


 

نادر هاشمي | مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في كليّة جوزيف كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر.

يحضرني هنا قول لمارك توين ردًّا على تقارير عن وفاته: "الشائعات حول موتي فيها الكثير من المبالغة". فاحتمال أن تؤدي الاحتجاجات الإيرانية الراهنة إلى سيطرة الحرس الثوري الإيراني على الحكم في الجمهورية الإسلامية ضئيل للغاية.

ينبغي على التكهنات المطّلعة حول هذه المسألة أن تنظر في هيكلية السلطة القائمة في إيران. فالسلطة تمارَس من أعلى الهرم، أي بدءًا من المؤسسة الأكثر هيمنةً في الدولة الإيرانية - مكتب المرشد الأعلى – نزولًا إلى سائر مؤسسات الدولة، ومن ضمنها قوات الحرس الثوري. ينتقي المرشد الأعلى علي خامنئي بعناية القادة البارزين في الحرس الثوري ثم يعيّنهم في مناصب جديدة كل بضع سنوات لضمان الولاء للنظام. إذًا، هذه العلاقة قائمة على التبعية الشديدة.

إذا افترضنا أن الحرس الثوري قرّر تنفيذ انقلاب، فما الإيديولوجيا السياسية التي قد يستند إليها؟ من الصعب تصوّر خيار غير ديني. فثمة خبرة تاريخية وسياسية تجمع بين الحرس الثوري ورجال الدين الحاكمين، رسمت معالمها الثورة والحرب والعقوبات والانتقاد الغربي. ومن هذا المنطلق، فإن إسقاط الحكم الديني من شأنه أن يقوّض الرؤية الشيعية المشتركة المتجذّرة في تفوّق رجال الدين، والتي تجمع بين مختلف القواعد الإيرانية المتشدّدة والمحافِظة. ومن دون هذا الرابط الجامع، فسوف تتداعى أركان الجمهورية الإسلامية.

كذلك، تسهم مصادر متنوعة للنفوذ في دعم الجمهورية الإسلامية. ونذكر منها، إضافةً إلى الحرس الثوري، المؤسسات الخيرية الاجتماعية (البُنياد)، والحوزات العلمية، وجمعيات أسر شهداء الحرب الإيرانية العراقية، وغيرها من مختلف شبكات المحسوبيات غير الرسمية المتغلغلة عميقًا في المجتمع. ومن شأن استيلاء الحرس الثوري على الحكم أن يتسبّب بخسارة قواعد الدعم هذه.

مع ذلك، ستواجه إيران قريبًا أزمة خلافة، إذ إن الخامنئي قد يموت خلال العقد المقبل، وستحمل هوية خلفه تأثيرات كبرى على مستقبل قوات الحرس الثوري نظرًا إلى أنها تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني. في هذا السياق، قد يفرض الحرس الثوري نفسه سياسيًا، ليس من أجل الإطاحة بالنظام الديني، بل لضمان وصول مرشّح ديني يؤمّن الاستمرارية ويحافظ على الوضع السياسي القائم.

باختصار إذًا، ليست قوات الحرس الثوري هي التي تتحكّم برأس هرم النظام الديني الإيراني، ومن المستبعد أن تغيّر الاحتجاجات الراهنة هذا الواقع.


 

بورزو دراغاهي | زميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي ومراسل الشؤون الدولية في صحيفة الإندبندنت.

تطرّقت بعض النقاشات مؤخرًا إلى احتمال حدوث استيلاء عسكري لعناصر من الحرس الثوري الإسلامي على الحكم بعد أشهر من الاحتجاجات. في ظل هذا السيناريو الافتراضي، ستعمد قوات الحرس الثوري الإيراني، أو "سپاه" كما يُشار إليها في إيران، إلى تهميش رجال الدين المحافظين النافذين، والتخلّص من الكثير من متطلّباتهم وفتاواهم الإيديولوجية والدينية المتزمتة وغير الشعبية، بما فيها الحجاب الإلزامي، وتحويل الجمهورية الإسلامية إلى ما يشبه نظامًا دكتاتوريًا عسكريًا تقليديًا، على غرار نظام الشاه رضا خان، القوزاقي والعقيد السابق الذي استولى على الحكم في إيران في العام 1921.

ونظرًا إلى تقدّم المرشد الأعلى علي خامنئي في السنّ وصعوبة التنبؤ بالأحداث بعد وفاته، ستكون الأبواب مفتوحة على جميع الاحتمالات. لكن سيناريو "سپاه خان"، أو سيطرة الحرس الثوري على الحكم، مستبعد على ضوء عدد من الوقائع الاجتماعية والسياسية والاستراتيجية الإيرانية.

في بادئ الأمر، تتداخل المؤسستَين العسكرية والدينية في إيران إلى حدٍّ كبير. ويجري التحقّق بدقة شديدة من الأشخاص الذين يتم تعيينهم في الرتب العليا في القوات المسلحة الإيرانية لضمان ولائهم الإيديولوجي، ويُعدّ التلقين الديني جزءًا من تعليمهم الأساسي. والجدير بالذكر أن عددًا كبيرًا من رجال الدين قد شغلوا مناصب رفيعة المستوى في القوات المسلحة على مدى العقود السابقة، ومن ضمنهم خامنئي نفسه خلال الحرب العراقية الإيرانية. بالنسبة إلى الحرس الثوري، إن التخلّص من "الملالي" هو، من نواحٍ عدة، بمثابة التخلّص من أنفسهم.

علاوةً على ذلك، تشكّل قوات الأمن الداخلي الأهم للنظام مزيجًا هجينًا دينيًا وعسكريًا. فقوات الباسيج شبه العسكرية هي شبكة عسكرية ودينية واجتماعية تعمل تحت إمرة الحرس الثوري. إن التقوى المستقيمة باسم ممثّل الله على الأرض تدفع هؤلاء الرجال إلى ممارسة العنف والتضحية في شوارع إيران. من غير الواضح ما قد يفعله هؤلاء الرجال، غير المستقرين اجتماعيًا في الكثير من الأحيان، إذا ما حاول قائد عسكري فاسد وسكّير حلّ هذه القوات أو أمر عناصرها بمهاجمة منفذّي الإضرابات أو المتظاهرين.

إضافةً إلى ذلك، تُعدّ الميليشيات الإيرانية في الخارج موالية للمرشد الأعلى. وثمة خطر أن تؤدي زعزعة الإطار الديني الإيراني إلى إقصاء الأدوات الاستراتيجية الخارجية الأكثر فعاليةً التابعة للحرس الثوري: فالقوى اللبنانية والعراقية والأفغانية التي تسهم في توسيع نطاق نفوذ طهران الجيوسياسي، لا تزال مواليةً بشدّة للمرشد الأعلى، ويُفترض أنها ستمتثل لخلفه.

سواء كان الحرس الثوري يؤمن بشرعية القيادة الدينية الإيرانية وحرمتها أم لا، غالب الظن أنه سيسعى إلى الحفاظ عليها. فهي تخدم مصالحه في النهاية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.