المصدر: Getty
مقال

على مشارف نقطة الغليان؟

يبدو وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو الجديدة مصمّمين على إعادة تنظيم الوضع القائم في الضفة الغربية.

نشرت في ٢٣ يناير ٢٠٢٣

لم يهدر وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية التي تشكّلت حديثًا، وقتهم قبل أن يعمدوا إلى تحويل مواقفهم المتشدّدة إلى أفعال. فقد وقّع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بعد مرور عشرة أيام على تسلّمه منصبه الجديد، مرسومًا يقضي بحجب 40 مليون دولار من العائدات الضريبية المستحقّة للسلطة الفلسطينية، معلنًا: "طالما أن السلطة الفلسطينية تشجّع الإرهاب وطالما أنها عدو، فليست لديّ مصلحة في أن تستمر بالوجود".

وفي خطوة أكثر استفزازًا، قام وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير بجولة في الحرم القدسي الشريف بُعيد تسلّمه منصبه، بحماية من قوات الشرطة الإسرائيلية التي يتولّى الإشراف عليها راهنًا. وأصدر بن غفير أيضًا أمرًا بفرض قيود جديدة على السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مستهدفًا بذلك مجموعة تحظى بدعم واسع في المجتمع الفلسطيني. وتعهّد سموتريتش وبن غفير باتّخاذ مزيدٍ من الخطوات لتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والتصدّي للتطلعات الوطنية الفلسطينية.

ليس بالأمر الجديد أن تتّخذ الحكومات الإسرائيلية إجراءات مناهِضة للفلسطينيين، ولكن يبدو أن هؤلاء الوزراء اليمينيين المتطرّفين ليسوا عازمين فحسب على تحدّي الخطوات الفلسطينية التي يعارضونها، إنما أيضًا على إعادة تنظيم الوضع القائم في الضفة الغربية. والحال أن المبدأ الموجِّه للحكومة الجديدة هو أن "الشعب اليهودي يملك حقًّا حصريًا وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء أرض إسرائيل"، وهي لغةٌ لم يسبق أن استخدمتها أي حكومة من قبل.

في ضوء سيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية التي تمارس السلطة الحكومية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإشراف بن غفير على الشرطة التي تنفّذ القانون الإسرائيلي في القدس، قد تظهر نقاط احتكاك كثيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تهدئة الانتقادات وأعلن أنه هو مَن يتسلّم زمام الأمور، ولكن لدى وزراء اليمين المتطرف السلطة والنزعة لتوجيه دفة جدول الأعمال في ما يتعلق بالفلسطينيين. ويشكّل تزامن شهر رمضان الفضيل مع عيد الفصح اليهودي في مطلع نيسان/أبريل نقطة تفجّر خطيرة محتملة. يبدو أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني سيعود بقوّة إلى جدول الأعمال الدولي بعد تراجع الاهتمام به في الأعوام الأخيرة.

تنظر القيادة الفلسطينية في رام الله إلى جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأنه تهديد وجودي للسلطة الفلسطينية، مشيرةً إلى تصريحات سموتريتش عن حجب العائدات الضريبية. حتى الآن، اتّسم رد الفعل الفلسطيني بالحذر. فقد أصدرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينيةبيانًا حادّ اللهجة، وسعت للحصول من مجلس الأمن الدولي على إدانة للجولة التي قام بها بن غفير. ولكن لم يصدر عن الاجتماع الذي عقدته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله أي قرار بتعليق التنسيق الأمني أو اتّخاذ خطوات أخرى للحدّ من التعاملات مع إسرائيل.

اقتصر ردّ حماس أيضًا على التصريحات الحادّة النبرة. لقد أطلقت مجموعة فلسطينية صاروخًا واحدًا من غزة بعد زيارة بن غفير إلى الحرم الشريف، لكنه لم يصل إلى الأراضي الإسرائيلية، ولم يستدعِ بالتالي ردًّا. وأصدرت الحكومات العربية بيانات عالية النبرة أيضًا، ولكن الاجتماعات مع الوفود الإسرائيلية والأميركية للسير قدمًا بالاتفاقات الإبراهيمية استُكمِلت كما هو مقرّر.

يخشى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومستشاروه المقرّبون من أن تؤدّي الاضطرابات الواسعة في الضفة الغربية، في نهاية المطاف، إلى إلحاق الأذى بالفلسطينيين أكثر منه بإسرائيل، وأن تهدّد استمرارية عباس في الحكم وخلافته. لا تملك القيادة في رام الله الكثير من الأوراق الجيّدة التي يمكن أن تستخدمها ردًّا على الاستفزازات الإسرائيلية، ويجرّ ضعف السلطة الفلسطينية مزيدًا من الضعف، إذ تتسبّب ردود فعلها الفاترة بتقويضها أكثر فأكثر في عيون الرأي العام الفلسطيني، ما يُحدث حلقة مفرغة من الضعف والانحلال. تسعى حركة حماس، من جهتها، إلى الحفاظ على الهدوء في غزة لتجنّب حرب مدمّرة أخرى مع إسرائيل، لكنها ترغب بشدّة في تأجيج الاضطرابات في الضفة الغربية من أجل تكبيد إسرائيل الخسائر وإضعاف خصومها في رام الله بشكل أكبر.

لكن مع أن يأمل عباس يأمل باحتواء الوضع، ثمة احتمالٌ قوي بأن يتعاظم التململ الشعبي ردًّا على خطوات استفزازية إضافية من المتشدّدين في إسرائيل، بغض النظر عن آراء القيادة. فالرأي العام الفلسطيني يشعر أصلًا بالتململ بسبب المواجهات شبه اليومية بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والمقاتلين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية، ما يسفر عن سقوط أعداد متزايدة من الضحايا في صفوف الفلسطينيين. من شأن أي خطوة استفزازية جديدة في الحرم الشريف أو أي استهداف إضافي للسجناء الفلسطينيين أن يثير حساسيات شديدة ويُطلق بسهولة شرارة صدامات واسعة.

لم تركّز السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن منذ تسلّمه منصبه قبل عامَين، على الشرق الأوسط، وحوّلت أنظارها بدلًا من ذلك نحو المنافسة مع الصين وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. وسعى بايدن أيضًا إلى تجنّب الخلافات العلنية مع إسرائيل، والتي أثّرت سلبًا على إدارة أوباما. ولكن تطرف الحكومة الإسرائيلية الجديدة واحتمال حدوث تدهور حاد في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية يتطلّبان من واشنطن إيلاء هذه القضية اهتمامها من جديد.

من الواضح أن إدارة بايدن مدركة للمشكلات المحتملة التي تلوح في الأفق، وتحضّر لسلسلة من الزيارات الرفيعة المستوى إلى القدس ورام الله، منها زيارة لوزير الأمن القومي جايك سوليفان وأخرى لوزير الخارجية أنطوني بلينكن، لحثّ الأفرقاء على ضبط النفس. وقد أدلى بلينكن برأي صريح أيضًا، قائلًا إن الولايات المتحدة "ستستمر في إبداء معارضة لا لبس فيها لأي أعمال من شأنها تقويض آفاق حل الدولتين، بما يشمل على سبيل المثال لا الحصر، توسيع المستوطنات؛ واتخاذ خطوات لضم الضفة الغربية؛ والإخلال بالوضع القائم التاريخي في الأماكن المقدّسة؛ والهدم والطرد؛ والتحريض على العنف".

لكن الخطابات والزيارات المتقطّعة لن تكون كافية للحؤول دون الانهيار التام للأوضاع، والذي بات خطرًا محدقًا. ولا أمل بسحب الطرفَين عن شفا الهاوية إلا من خلال مساعي دبلوماسية نشطة تبذلها الولايات المتحدة. لذا، ينبغي على إدارة بايدن الانخراط على المستوى الدولي، ولا سيما مع شركاء إسرائيل الجدد في العالم العربي، لإرساء مجموعة من الحوافز والمثبطات من أجل دفع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى خفض منسوب التشنّج ودرء المواجهة.

تتيح الاتفاقات الإبراهيمية أمام إسرائيل مثلًا، إمكانية الانخراط بشكل أكبر في المنطقة، ولكن لا يمكن للاتفاقات أن تزدهر وتنمو إذا كانت الإجراءات الإسرائيلية تقود إلى صدامات على خلفية النزاع على الأماكن المقدّسة في القدس، أو إلى فوضى واسعة في الضفة الغربية. بالمثل، يمكن أن يستفيد الفلسطينيون من الحصول على دعم سياسي واقتصادي أكبر من العالم العربي، لكن ذلك لن يتحقق إذا لم تستطع منظمة التحرير الفلسطينية أن تنظّم نفسها لحكم شعبها بفعالية وشرعية.

علاوةً على ذلك، يجب أن تحاول الولايات المتحدة إرساء حوار مستمر على الأرض يشارك فيه الطرفان لمعالجة المشكلات السياسية والأمنية التي تتفاقم يوميًا. في حين أن التوصّل إلى حلٍّ دائم للنزاع أمرٌ متروك للمستقبل، يجب وضع آليةٍ في الحال لمعالجة المشكلات قبل أن تصبح مستعصية أكثر. لن يكون ذلك سهلًا، ولا سيما في ظل وجود مثل هذه الحكومة المتشددة في إسرائيل، ولكن من الضروري أن تمارس الولايات المتحدة الدبلوماسية الاستباقية في هذه اللحظة بالذات تجنّبًا لتفاقم الأوضاع في الأسابيع والأشهر المقبلة، وحفاظًا على بصيص من الأمل بأن هذَين الشعبَين قد يعيشان بسلامٍ معًا في المستقبل.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.