المصدر: Getty
مقال

قمة تطبيعية جديدة

ما من سبب مقنع يدفع الأردن والجانب الفلسطيني إلى حضور مؤتمر لن يصب في صالحهما.

نشرت في ٢٢ فبراير ٢٠٢٣

ما زال موضوع التطبيع من عدمه مع إسرائيل يأخذ حيزًا كبيرًا في النقاشات السياسية والفكرية في العالم العربي. وعلى الرغم من توقيع مصر والأردن لمعاهدتَي سلام مع إسرائيل منذ عدة عقود، فإن التطبيع معها لم ينجح في التغلغل بين الأوساط الشعبية في كلا البلدَين، وبقي في مجمله ضمن دائرة السلام بين الحكومات، ريثما يتم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، أو هذا ما كان يُفترض.

وقد برّرت كلٌّ من مصر والأردن موضوع التطبيع بأنه حافز لإسرائيل يدفعها لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، والقبول بدولة فلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية. فكانت كل المشاريع الاقتصادية المشتركة، التي بقي الجزء الأكبر منها على الورق، وكأنها عوامل مساعدة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثّل في إقامة الدولة الفلسطينية.

وبقي المشروع الدولي الذي باركه مؤتمر مدريد أولاً، ثم اتفاقية أوسلو ثانيًا، يأمل في تحقيق ما أصبح يدعى بحل الدولتَين، ويدعم أية جهود تطبيعية بين الدول العربية وإسرائيل، على أساس أن هذه الجهود تصب في مصلحة الفلسطينيين كما إسرائيل، ما دامت تؤدي إلى ممارسة الجانب الفلسطيني لحق تقرير مصيره في النهاية. أما إسرائيل التي وقّعت اتفاقية أوسلو، فقد أبقت نيتها إنهاء الاحتلال غامضة على أحسن تقدير، بينما دفعت باتجاه التطبيع مع الدول العربية، من دون ربطه بالتقدم على المسار الفلسطيني بأي صورة من الصور.

هذا هو الحال التاريخي للصراع. فلننظر إلى واقع الحال اليوم، إسرائيل لا تبدي أي غموض في موضوع إنهاء الاحتلال، وقد أعلنت في مرات كثيرة لا تحصى أنها لن تنسحب من القدس أو غور الأردن أو الجولان أو أراضي المستوطنات، وأن جل ما يستطيع الجانب الفلسطيني أن يأمله هو حكم ذاتي لا يصل مستوى الدولة على أراض تشكل أقل من سبعين في المئة من الضفة الغربية وغزة، ولا تشمل بطبيعة الحال القدس وغور الأردن والمستوطنات. هذا الموقف اليوم يمثل الجانب "المعتدل" في الحكومة الإسرائيلية، لأن الموقف المعلن للجانب الآخر "المتشدد" في الحكومة هو الاحتفاظ بكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل ومحاولة التخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عن طريق التهجير، أو الطلب من الأردن ومصر إدارة شؤونهم.

إذًا، شعار التطبيع من أجل انهاء الاحتلال لا يجد آذاناً صاغية لدى اسرائيل، التي تريد التطبيع من أجل السلام، ذاك السلام الذي يقفز عن ويتجاهل أية اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني. هدف إسرائيل الواضح والمعلن اليوم هو سلام إقليمي لا يتضمن الفلسطينيين بالضرورة، ولا إنهاء الاحتلال، سلام إذعاني نتيجته الحتمية قتل حل الدولتَين والتوصّل إلى حل يفرضه الواقع على حساب الأردن. من هذا المنطلق، ما الهدف من مؤتمر النقب 2؟ تعددت الأهداف بحسب الدول المشاركة. من باب التذكير، حضر مؤتمر النقب الأول ثلاث من بين أربع دول وقعت اتفاقيات "إبراهيمية" مع إسرائيل، وهي البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب (لم تحضر الدولة الرابعة وهي السودان)، إضافةً إلى إسرائيل ومصر والولايات المتحدة.

أما دول الاتفاقات الإبراهيمية، فقد وقعت هذه الاتفاقيات من دون أي ذكر لمبدأ الأرض مقابل السلام، ومن الواضح اليوم أن هذا ليس هدفها من وراء الاتفاقيات، وأن كل الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة منذ توقيع الاتفاقيات لم تنجح، لا في تقويض الموقف الإسرائيلي، أو ثنيها عن المضي قدمًا في موضوع التطبيع. تبرّر هذه الدول موقفها من حضور المؤتمر على هذا الأساس، فغاياتها من التطبيع ثنائية بحتة، لا علاقة لها بالتقدم على المسار الفلسطيني. لم تخفِ هذه الدول نواياها منذ البداية، بغض النظر عن درجة اتفاقنا او اختلافنا مع هذه المواقف.

هدف الولايات المتحدة واضح أيضًا، فهي مقتنعة بأن لا مجال اليوم لأي تقدم في المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وليس في نيتها حتى المحاولة. وضمن موقفها المعلن في محاولة الحفاظ على تهدئة طويلة المدى "ريثما تتوفر الظروف لاستئناف المفاوضات على أساس حل الدولتَين"، وهو بذاته هدف باتت استحالته واضحة، فإنها تحاول تكوين انطباع بأن شيئًا إيجابيًا يحدث على الأرض من تقارب عربي-إسرائيلي بات وكأنه الهدف وليس الوسيلة لحل مستدام للقضية الفلسطينية.

ضمن هذا المنطق الأمريكي، نقرأ نية الولايات المتحدة الاستمرار في رعاية هذه المؤتمرات، فهي تساهم في إعطائها غطاءً دوليًا تعتقد أنه يصرف النظر عن عجزها عن إحداث تقدم جدي لإنهاء الصراع، عوضًا عن استمرارها في دعم حكومة عنصرية باعتراف قطاعات واسعة من الإسرائيليين أنفسهم عدا العالم الخارجي. ولكن الولايات المتحدة اليوم لا تريد الاكتفاء برعايتها لهذه المؤتمرات، بل تضغط وبقوة لانضمام الجانب الفلسطيني والأردن لمؤتمرات النقب، بدءًا من المؤتمر المقبل في المغرب.

ما هي المصلحة الفلسطينية في الذهاب؟ هل هي خطوة تساهم في إنهاء الاحتلال؟ يأتي الجواب على هذا السؤال اليوم من الإسرائيليين أنفسهم. هل هي خطوة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية وبالتالي تثبيت وجودهم على الأرض، كما يقول بعض مؤيدي الذهاب؟ نذكر جميعًا وعود بيريز وحكومات إسرائيلية كثيرة بذلك لم يتحقق أي منها. فتحسين الوضع الاقتصادي تحت الاحتلال بدعة إسرائيلية أثبتت الأيام عدم جدواها. هل هي لتلميع صورة إسرائيل المتآكلة أمام العالم، بعد أن باتت ممارساتها العنصرية واضحة أمام الجميع؟ وماذا عن الأردن الذي يتعرض اليوم لضغوط أميركية هائلة للذهاب؟ لأي غرض يذهب؟ لتلميع صورة دولة بات واضحًا أنها أصبحت تمثل تهديدًا وجوديًا له؟ هل لأجل مكاسب اقتصادية لم يحصل عليها حتى مع توقيعه اتفاقية سلام مع إسرائيل قاربت عامها الثلاثين؟ وهل يعلو إرضاء الأردن للولايات المتحدة على أمنه الوجودي؟ وهل الأردن عاجز عن إقناع الولايات المتحدة أن ذهابه أمر غير مقبول شعبيًا بالمعايير كافة؟

نعم، تتعدد أسباب حضور دول مؤتمر النقب لمثل هذه المنتديات، لكن لا يبدو أن ثمة اسبابًا مقنعة لحضور الأردن والجانب الفلسطيني. إن كانت الولايات المتحدة تحاول تلميع صورة إسرائيل بكل الوسائل، من دون جني أية ثمار فلسطينية أو أردنية، فهذه مهمة من الأنجع للأردن والجانب الفلسطيني تفويتها.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.