المصدر: Getty
مقال

نساءٌ بالألوان

فُرضت قيود جديدة على لباس المرأة اليمنية، لكن تراث البلاد يروي قصة أكثر تعقيدًا.

 دعاء محمد
نشرت في ٢ فبراير ٢٠٢٣

يُعدّ فرض قيود على المرأة اليمنية وطريقة لبسها ظاهرة متكرّرة، ولم يشكّل القرار الذي اتّخذه الحوثيون بإلزام محلات العباءات النسائية ببيع الملابس الطويلة والسوداء سوى أحدث مثال على ذلك. وهو يُعدّ محاولة جديدة من الحوثيين لتقييد حرية النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، بعد اتّخاذ تدابير مثل إغلاق مساجد عدة تصلّي فيها النساء، وفرض قيود على تنقلهن داخل البلاد، والفصل بين الجنسَين بشكل صارم في الجامعات والأماكن العامة.

برّر الحوثيون اتّخاذ هذه التدابير بأنها تهدف إلى حماية "الهوية الإسلامية" لليمن. لكن ذلك أثار حفيظة الناشطين الحقوقيين وغيرهم على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين ذكّروا متابعيهم بأن النساء اليمنيات ارتدَين تاريخيًا ملابس ذات ألوان زاهية، وخير دليل على ذلك الملابس الملونة من تهامة وريمة وزبيد وصنعاء وصعدة. إذًا، بدلًا من حماية التراث أو الهوية الإسلامية لليمن، يُرغم الحوثيون النساء على ارتداء ملابس لا تعبّر عن ماضيهن إلا بشكل انتقائي.

لطالما سعى المسؤولون في اليمن إلى إرغام النساء على ارتداء ملابس معيّنة في الأماكن العامة. فقد حرص أنصار الإيديولوجيات السياسية الإسلامية على ضمان أن تعبّر ملابس النساء عن تعريفهم الخاص "للحشمة في الإسلام". فخلال القرن العاشر مثلًا، فُرض على النساء لأول مرة ارتداء الستارة في صنعاء خلال عهد أول إمام زيدي في اليمن، الهادي يحيى بن الحسين. وكان القماش يُستورد أصلًا من إندونيسيا، ثم من الهند، ويُلبَس مع حجاب يغطي الوجه ويُسمّى المَغمُق، وتزيّنه أشكال ألماسية باللونَين الأحمر والأبيض. وكان المظهر يمنيًا بامتياز.

في المقابل، باتت الألوان شبه معدومة خلال الفترة التي حكمت فيها الإمبراطورية العثمانية اليمن، إذ ارتدت النساء آنذاك ما يُسمّى بالشرشف، الذي يتألف من جزأَين سوداوَين بالكامل، الأول يغطي الجزء العلوي من الجسم ويُسمّى الخمار أو الحجاب، والثاني يغطي الخصر حتى القدمَين ويُسمّى التنورة. لكن سرعان ما اختفى هذا الزيّ مع ظهور العباءة في اليمن أواخر ثمانينيات القرن الماضي، التي تُعتبر شكلًا "حديثًا" من أشكال اللباس، لكنها ليست يمنية الأصل، بل تم استيرادها من دول الخليج العربي، إذ تأثير الوهابية قويًا في بعض الأماكن. وكانت العباءات في الأساس سوداء اللون، حتى لو عُرضت لاحقًا بعضٌ من العباءات الملوّنة في الأسواق، ما أظهر مجدّدًا ميل اليمنيات للعودة إلى الألوان المألوفة لهنّ.

شكّلت العباءة من نواحٍ عدّة خطوةً إلى الوراء بالنسبة إلى اليمنيات. فخلال السبعينيات والثمانينيات، عقب الانتفاضة التي اندلعت في شمال البلاد ضدّ الإمامة، بدأت النساء بارتداء ملابس متنوّعة وملوّنة، سواء مع الحجاب أو من دونه. تُحكى أخبار كثيرة عن أن النساء اليمنيات كنّ يذهبن إلى العمل أو الجامعة وهنّ يرتدين ما يشأن من لباس، طالما أنه كان محتشمًا. في هذا السياق، تحدّثت الصحافية سهير السمّان عن سنوات طفولتها في تعز، حين كانت النساء يرتدين أزياء متنوّعة في مجتمع متقبّل ومسالم إلى حدٍّ كبير، مضيفةً أن الوضع استمر على هذا المنوال إلى حين ظهور العباءة، ما شكّل برأيها "انتكاسة".

وعلى الرغم من أن اليمنيات ارتدَين تاريخيًا الملابس ذات الألون المبهجة، غالبًا ما فُرض عليهن سياسيًا ارتداء لباس قيل إنه يُعبّر عن "هويتهن"، ولا سيما في المدن الكبرى. صحيحٌ أن ثمة نوعًا من الحرص على ارتداء الأزياء التقليدية، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سبق أن تمتعت المرأة اليمنية بأي هامش من الحرية في اختيار ملابسها؟ وإن كانت لديها حرية الاختيار، فهل ستختار العباءة أم الستارة أم مزيجًا من الاثنتَين أم سترفض كليهما؟ الواقع أن هذا الخيار هو خيارها هي ويتعيّن عليها وحدها حلّ هذه المعضلة.

يثير هذا الموضوع تساؤلات حول ما يشكّل فعلًا الهوية اليمنية للنساء. وإن استندنا إلى أمثلة من الماضي، فسنرى أن مفاهيم الهوية فُرضت على النساء من دون الأخذ بآرائهن. إذًا، في نهاية المطاف، تتمثّل معركة النساء اليمنيات الحقيقية في اكتساب القوة، والنضال في سبيل الهوية التي يخترنها لأنفسهن.

لم يكن اليمن وسكانه يومًا عرقًا واحدًا أو لونًا واحدًا، وهذا تنوّع يجب الاعتزاز به لا طمسه. لطالما رافقت النساءَ اليمنيات الألوانُ والمجوهرات، والأهم من هذا كلّه الشغف، سواء في المدن والقرى اليمنية أو في جميع أنحاء العالم. ثمة الكثير من التراث اليمني قابل للاندثار، وقد حدث ذلك، لكن الأكيد أن ما من إيديولوجيا يمكن أن تدوم فترة طويلة بما يكفي لإكمال تلك المهمة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.