قوبلت تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش الأخيرة، وهو يتحدث أمام منظمة يهودية متطرّفة وراء منصة وضع عليها خريطة الأردن وفلسطين معًا وكأنها تمثّل إسرائيل، كما تراها هذه المنظمة ويراها هو، بردّة فعل عنيفة وغاضبة من الأوساط الرسمية والشعبية. وقد بدا واضحًا أن سموتريتش لا يقيم وزنًا ليس للمعاهدة الأردنية الإسرائيلية فقط، بل للدولة الأردنية بأكملها، وهو يحيي المطالب الإسرائيلية المتطرّفة السابقة في إقامة وعد بلفور على كامل الأراضي الأردنية كما الفلسطينية.
قبل ذلك، خرج علينا وزير آخر في الحكومة الإسرائيلية هو إيتمار بن غفير ليقول، إن ما يحدث في الأردن يبقى في الأردن، وذلك ردًا على ما اتفق عليه من مقررات في قمة العقبة الأمنية، بما في ذلك احترام إسرائيل للدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية في القدس. وقبل ذلك كان بن غفير قد اقتحم مرارًا حرم المسجد الأقصى تحت حماية الجنود الإسرائيليين، بينما اعترضت الشرطة الإسرائيلية طريق السفير الأردني حين حاول دخول المسجد الأقصى.
وفي ضوء تهديدات سموتريتش وبن غفير، يبقى السؤال حول كيفية تعامل الأردن مع إسرائيل بعد كل هذه الانتهاكات من أعضاء بارزين في الحكومة الإسرائيلية. ولعلّه أصبح واضحًا أن النفي المتكرر للحكومة الإسرائيلية لكون هذه الممارسات تمثّل الموقف الرسمي لإسرائيل، فإن مواصلة هذه الانتهاكات بعد كل نفي رسمي يجعل التطمينات الإسرائيلية غير ذات قيمة. كما يجعل من ردة الفعل الأردنية الرسمية والشعبية غير كافية لمواجهة هذه الغطرسة الإسرائيلية المتكررة. وللإجابة على ما ينبغي فعله تجاه هذه الممارسات الإسرائيلية، لا بد من الإجابة على بعض الأسئلة التي تتردد على أفواه الناس ولا تجد لها جوابًا بعد من الحكومة الأردنية.
ولعل السؤال الأهم هو كيف تقيّم الحكومة الأردنية هذه التصريحات؟ هل تعتقد أنها تمثّل شخصيات رعناء داخل الحكومة الإسرائيلية وبالتالي لا تقيم لها وزنًا؟ هل تدخل الحكومة الأردنية في حساباتها إمكانية أن تمثل هذه التصريحات سياسة إسرائيلية متدرجة تهدف إلى حل الصراع على حساب الأردن بالتدريج؟ وإن كان الحال كذلك، أفليس من المفترض ألا تكتفي الحكومة الأردنية بالنفي الإسرائيلي المتكرر الفاقد لأي قيمة؟
هل تعتقد الحكومة الأردنية أن سياسة التكيّف التي تنتهجها مع إسرائيل قادرة على تليين الموقف الإسرائيلي، أو حمل نتنياهو على لجم الأعضاء المتطرّفين داخل حكومته، ما يجعل رد فعلها ليّنًا مقارنة بالموقف الرسمي الإسرائيلي، الذي يردّد التزامه بالمعاهدة يومًا ليخرقها في اليوم الذي يليه؟ أليست رغبة نتنياهو في البقاء خارج السجن أهم لديه من أي شيء آخر بما في ذلك المعاهدة الأردنية الإسرائيلية؟ هل تقتصر المواقف الإسرائيلية على إيديولوجيا متطرّفة من بعض العناصر الرعناء داخل الحكومة، أم أن ثمة إيديولوجيات أخرى يؤمن بها رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه، وإن كان أسلوبه "أكثر نعومة" من أسلوب بعض أعضاء حكومته؟ ماذا تعني اتفاقيات الغاز والمياه والتعاون الأمني مع إسرائيل؟
هذه أسئلة لم يعد باستطاعة الحكومة الأردنية تجاهلها. فماذا يعني أن تُنتهك المعاهدة الإسرائيلية من إسرائيل بشكل متكرر ليتم الرد الفعلي، لا اللفظي، من خلال تعظيم التعاون الاقتصادي والأمني مع إسرائيل؟ هل تعتقد الحكومة الأردنية حقًا أن مثل هذا التعاون سيلجم إسرائيل عن محاولتها الاحتفاظ بكامل الأرض والتخلص ممن تستطيع من الفلسطينيين؟ هل يمثّل الموقف الأردني بالاشتراك في قمتَي العقبة وشرم الشيخ استجابةً لضغوط أميركية باتت معلنة، وهل الأردن عاجز عن إفهام الإدارة الأميركية، وهي التي تأخذ اليوم موقفًا سلبيًا متزايدًا من حكومة نتنياهو، أن سياسة التكيّف هذه تخلق مسافة واسعة بين الموقفَين الرسمي والشعبي قد لا يحمد عقباها؟
وأخيرًا، أما حان الوقت لمراجعة وطنية لمجمل العلاقة الأردنية الإسرائيلية؟ ولماذا تتحمل الحكومة كامل وزر هذه العلاقة؟ ألسنا بحاجة لحوار وطني مسؤول حول هذه العلاقة يشترك فيه الجميع، من المؤيدين والمعارضين للعلاقة، علّ الكثير من الأمور الغامضة تتضح للجميع بدلًا من سياسات تبدو متناقضة وذات نتائج غير مفهومة.
مطلوب اليوم سياسة أردنية جديدة تجاه إسرائيل تتبلور بعد مراجعة شاملة وتشاركية للعلاقة، يتم فيها وضع الإيجابيات والسلبيات كافة على الطاولة، وتشمل تقييم العلاقة الاقتصادية والسياسية ومقارنتها مع المخاطر الوجودية التي تمثلها إسرائيل اليوم على الأردن. لا نريد أن نكتفي بالإدانة فينطبق علينا مثل الأعرابي حين قال: أشبعتهم شتمًا وفازوا بالإبل.