المصدر: Getty
مقال

أنقرة الغاضبة

تزيد تركيا الضغوط على الاتحاد الوطني الكردستاني، مندِّدةً بروابطه مع قوات سورية الديمقراطية.

 فلاديمير فان ويلغنبرغ
نشرت في ١٥ مايو ٢٠٢٣

بعد تحطّم مروحيّة على متنها مقاتلون أكراد سوريون في دهوك في 26 آذار/مارس، فرضت تركيا حظرًا على جميع الرحلات من السليمانية وإليها عبر مجالها الجوّي. وقد أقدمت على هذه الخطوة لأنها اتّهمت الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب الأساسي في السليمانية، بالسماح لأعضاء قوات سورية الديمقراطية (قسد) باستخدام المطار. وفقًا للأتراك، هذه القوات هي بمثابة وكيل لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة تنظيمًا إرهابيًا. ولكن قوات سورية الديمقراطية دأبت باستمرار على إنكار هذا الرابط، تمامًا مثلما فعلت الولايات المتحدة. وكان شرفان كوباني، قائد وحدات مكافحة الإرهاب في قوات سورية الديمقراطية، من بين الأشخاص الذين قضوا في تحطّم الطائرة، وهو ابن شقيقة مظلوم عبدي، القائد العام لـ"قسد".

سلّطت هذه الحادثة الضوء على العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني وقوات سورية الديمقراطية. وقد أثارت هذه الروابط قلقًا شديدًا لدى تركيا، في تطوّرٍ ليس الأوّل من نوعه. ففي الفترة الممتدة من 2017 إلى 2019، حظرت تركيا أيضًا الرحلات إلى السليمانية، انطلاقًا من اعتبارها أن الاتحاد الوطني الكردستاني يدعم حزب العمال الكردستاني. ولكن رُفِع الحظر بعدما شنّ الاتحاد الوطني الكردستاني حملة واسعة ضد أنشطة حزب العمال الكردستاني وأغلق المكاتب التابعة لأحد فروعه، على الرغم من مواصلة الاتحاد الوطني الكردستاني دعمه للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية الخاضعة لسيطرة الأكراد (أي المنطقة المعروفة بروج آفا).

في العام 2021، حلّ بافل طالباني مكان ابن عمّه لاهور طالباني في موقع الزعيم الأوحد للاتحاد الوطني الكردستاني، بعدما اتُّهِم لاهور بمحاولة تسميمه. على الرغم من التغيير على مستوى القيادة، ظلّ من غير المؤكّد ما إذا كان بافل سيُبقي على روابط الاتحاد الوطني الكردستاني مع قوات سورية الديمقراطية. كان لاهور، الذي تولّى سابقًا منصب مدير مجموعة مكافحة الإرهاب في الاتحاد الوطني الكردستاني وجهاز زانياري الذي هو بمثابة وكالة الاستخبارات التابعة للحزب، قد أجرى زيارة علنية إلى شمال سورية. ولكن بافل شارك أيضًا في اجتماعات مع قوات سورية الديمقراطية في الماضي، وحتى إنه أطلق اسم مدينة كوباني السورية على ابنه، وهي المدينة حيث حاربت التنظيمات الكردية السورية تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014.

جاء التغيير في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني وسط شائعات انتشرت في البداية عن أن تركيا تعارض لاهور طالباني وتدعم تولّي شخصٍ جديد قيادة الحزب. وألقى لاهور نفسه باللوم على الحزب الديمقراطي الكردستاني وتركيا، وزعم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى قتله. وأفادت مصادر أخرى أيضًا أن أنقرة راضية عن المنعطف الذي سلكته الأحداث.

على الرغم من استيلاء بافل طالباني على مقاليد السلطة في الحزب، لا مؤشّرات حتى الآن على أن ذلك سيقوّض روابط الاتحاد الوطني الكردستاني مع قوات سورية الديمقراطية. ولكن في العام 2021، مارس عبدي ضغوطًا لدى المسؤولين الأميركيين لدعم لاهور طالباني، خشية أن يُنهي بافل العلاقة بين الجانبَين. وقد تبدّدت شكوكه حين طمأنه بافل إلى أن الروابط مع الاتحاد الوطني الكردستاني سوف تستمر. قال لي مصدر شارك في الاجتماعات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية ما مفاده: "يريد مظلوم العمل مع أي شخص يتزعّم الاتحاد الوطني الكردستاني، سواء كان لاهور طالباني أو بافل طالباني".

في كانون الأول/ديسمبر 2022، أجرى بافل طالباني زيارة علنية لأوّل مرة إلى روج آفا، حيث التحق بقائد التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية، الجنرال ماثيو ماكفارلين. هناك، التقى بعبدي وغيره من كبار المسؤولين في قوات سورية الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو الحزب المسيطر في روج آفا. وقد بدا أن المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سوران جمال طاهر، يؤكّد على هذا التقارب، حين قال لي إن تنظيمه دعم القتال ضد الدولة الإسلامية تحت إشراف التحالف الدولي بعدما اجتاح التنظيم أجزاء عدة في كردستان. أضاف طاهر: "كان التعاون مع الأكراد في [كردستان التركية]، أو [كردستان السورية]، أو أي مكان آخر إلزاميًا في المعركة ضد [الدولة الإسلامية]. ندعم أيضًا حقوق جميع الأجزاء في كردستان، بما في ذلك روج آفا".

في 7 نيسان/أبريل، شنّت تركيا هجومًا بطائرة مسيّرة في جوار مطار السليمانية ضد موكب كان عبدي في عداده. كان ذلك بمثابة تحذير إلى التحالف المحارِب للدولة الإسلامية من مغبّة دعم قوات سورية الديمقراطية، ولا سيما أن الجسر الجوّي بين السليمانية وشمال شرق سورية يشكّل مصدرًا رئيسًا للإحباط بالنسبة إلى أنقرة، إذ يتيح لقوات سورية الديمقراطية الالتفاف على معبر فيش خابور الحدودي ومطار إربيل، وكلاهما خاضعان لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني. يُشار إلى أن الروابط التي تجمع تركيا بالحزب الديمقراطي الكردستاني أفضل بكثير من روابطها مع الاتحاد الوطني الكردستاني.

شرح مصدر طلب عدم الكشف عن هويته وكان مشارِكًا في الاجتماعات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية: "يخضع [معبر فيش خابور] للتشنجات السياسية. ومطار السليمانية هو من أبرز نقاط العبور لمسؤولي قوات سورية الديمقراطية من أجل التوجّه إلى مطارات عدة". على سبيل المثال، أوردت المراسلة أمبرين زمان، في تقرير نشره موقع المونيتور في 3 أيار/مايو، أن عبدي توجّه في الآونة الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة برفقة بافل طالباني. علاوةً على ذلك، زار مسؤولون أكراد سوريون أخيرًا أوروبا عن طريق مطار السليمانية.

أشار سبنسر بلاك، وهو باحث مقيم في سورية يعمل لدى مكتب روج آفا للإعلام، إلى أن "السليمانية، التي هي العاصمة الإدارية للاتحاد الوطني الكردستاني، تكتسي أهمية دبلوماسية لقوات سورية الديمقراطية التي تسعى إلى توطيد علاقاتها مع الاتحاد الوطني الكردستاني"، مضيفًا: "مطار السليمانية الدولي هو المدخل الرئيس إلى الأراضي الخاضعة لحكم الاتحاد الوطني الكردستاني، ما يجعله هدفًا ذات أولوية عالية للاستخبارات التركية حين يجتمع قياديون من قوات سورية الديمقراطية ومن الاتحاد الوطني الكردستاني".

أضاف بلاك أن الاستخبارات التركية صعّدت هجماتها في السليمانية. فإلى جانب الهجوم بالطائرة المسيّرة على المطار، أسفر هجومٌ آخر بطائرة مسيّرة في إقليم كلار في محافظة السليمانية في حزيران/يونيو 2022، مثلًا، عنمقتل المسؤول السوري الكردي، فرحات شبلي.

تحدّث الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، بدران شيا كرد، عن المعارضة التركية الطويلة الأمد للدعم الذي يقدّمه الاتحاد الوطني الكردستاني للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية وقوات سورية الديمقراطية، قائلًا: "سعوا طوال سنوات إلى تقويض هذا الاتفاق من خلال وسائل متعددة، والدليل على ذلك الهجوم الإرهابي الأخير على مطار السليمانية الذي شنّه النظام في أنقرة". وتابع: "كان الهدف الأساسي للهجوم إضعاف العلاقة بين ثورتنا والاتحاد الوطني الكردستاني ودفع الأمور في اتجاه أكثر عدائية وتصادمية. على الرغم من ذلك، بقي الاتحاد الوطني الكردستاني ثابتًا في موقفه المشرّف، وفضّل إعطاء الأولوية لقوّة علاقتنا ومتانتها مقدِّمًا إياها على جميع المحاولات التركية لحَرف هذه العلاقة عن مسارها".

في ضوء تدهور العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية، زاد المسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية و"قسد" اعتمادهم على السليمانية، بدلًا من إربيل، في أسفارهم إلى الخارج. ويأتي تدهور العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية في ظل التوغّلات العسكرية الواسعة التي شنّتها تركيا منذ العام 2019 ضد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق. في العام 2020، اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني وحدات حماية الشعب، وهي الجناح العسكري في حزب الاتحاد الديمقراطي، بمهاجمة قوات البشمركة التابعة له قرب الحدود السورية. ولكن وحدات حماية الشعب أنكرت الأمر. لذلك، يواجه المسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية وقوات سورية الديمقراطية صعوبة أكبر في زيارة إريبل، أو استخدام معبر فيش خابور. هذا فضلًا عن أن محادثات الوحدة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي المدعوم من الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية عُلِّقت في العام 2020 بسبب احتدام التشنجات.

قدّم التحالف الدولي لمحاربة الدولة الإسلامية الدعم لقوات سورية الديمقراطية. ولكن ذلك تسبب أيضًا باحتكاك بين التحالف والحزب الديمقراطي الكردستاني، نظرًا إلى أن معظم الدعم اللوجستي الذي يقدّمه التحالف لشمال سورية يمرّ عبر مطار إربيل. وكان التحالف يُسيّر أيضًا رحلات جوية مستأجرة تنقل مسؤولين من قوات سورية الديمقراطية والاتحاد الوطني الكردستاني بين سورية والسليمانية، منها مثلًا الرحلة التي أقلّت لاهور طالباني لدى زيارته كوباني في العام 2016. لكن تحطّم المروحيّة يُظهر أن قوات سورية الديمقراطية تسيّر أيضًا بصورة أُحادية رحلات بين شمال شرق سورية والسليمانية. وقد أُفيد بأن رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، طلب من الولايات المتحدة وقف هذه الرحلات.

أخبرني العقيد المتقاعد مايلز بي. كاغينز، الباحث البارز غير المقيم في معهد نيولاينز والمتحدث السابق باسم قوات التحالف الدولي، أن "قوات العمليات الخاصة الأميركية قد شجّعت ونسّقت في الكثير من الأحيان" العلاقة بين مجموعة مكافحة الإرهاب في الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية. وشدّد على أن هذه الروابط كانت استجابةً سريعة بهدف محاربة الدولة الإسلامية في العام 2014. بدأت مجموعة مكافحة الإرهاب وقوات العمليات الخاصة الأميركية التنسيق الميداني في سورية في العام 2014، ولا يزال ذلك متواصلًا حتى اليوم. وأضاف كاغينز: "إذًا، كان ثمة اتصال مستمر بين المستشارين في سورية ومستشاري مجموعة مكافحة الإرهاب".

أدّى الاتحاد الوطني الكردستاني كذلك دورًا بارزًا في فتح قنوات التواصل بين وحدات حماية الشعب والجيش الأميركي لتنسيق الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في كوباني عندما حاصر المدينة في أيلول/سبتمبر 2014. خلال ندوة نظّمها معهد نيولاينز ومعهد السلام الكردي في 9 أيار/مايو، أشار قائد القيادة المركزية الأميركية السابق، الجنرال جوزيف فوتيل، إلى تعرّف الجيش الأميركي إلى قيادة وحدات حماية الشعب خلال معركة كوباني، "خاصة ]من خلال[ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومقرّه ]السليمانية[". وذكر فوتيل أن "شركاءنا في السليمانية فتحوا قنوات الاتصال بيننا وبين القائد مظلوم ]عبدي[ وسائر القادة والضباط، عن طريق قوات العمليات الخاصة المبتكرة جدًّا. ونجحنا في بلورة نظام اتصالات قائم بشكل كبير على الهواتف المحمولة والإنترنت، ما أتاح لنا دعمهم في دفاعهم عن كوباني".

ترقى العلاقة بين الولايات المتحدة ومجموعة مكافحة الإرهاب إلى العام 2002، حين حارب الاتحاد الوطني الكردستاني جماعة أنصار الإسلام الكردية الإسلامية، وتشكّلت مجموعة مكافحة الإرهاب بدعم أميركي. إذًا، أقام الاتحاد الوطني الكردستاني علاقة شبيهة بين قوات سورية الديمقراطية والأميركيين لمحاربة الجهاديين في سورية.

أبدى بلاك، الباحث في مكتب روج آفا للإعلام، ملاحظة قريبة من ملاحظة فوتيل، إذ أخبرني أن "قوات سورية الديمقراطية والاتحاد الوطني الكردستاني تجمعهما شراكة عسكرية قائمة منذ أولى مراحل الحرب ]في سورية["، مضيفًا أن الاتحاد الوطني الكردستاني "دعم قوات سورية الديمقراطية في معارك عدة، من ضمنها ]معارك[ كوباني ومنبج ودير الزور". وعلى مدى الشهرَين الفائتَين، نفّذت مجموعة مكافحة الإرهاب أيضًا عمليّتَين مشتركتَين اثنتَين مع قوات سورية الديمقراطية في سورية. لكن العلاقة التي تجمع الاتحاد الوطني الكردستاني مع وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية تعود إلى ما قبل المعارك ضدّ الدولة الإسلامية في العام 2014. فقد دعم حزب صغير مؤيّد للاتحاد الوطني الكردستاني وحدات حماية الشعب في معركة رأس العين ضدّ المتمرّدين المدعومين من تركيا.

أجرى نائب رئيس وزراء إقليم كردستان في العراق، قوباد طالباني، محادثات مع المسؤولين الأتراك لرفع الحظر الجوي المفروض على السليمانية. لكن حتى الآن، لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الاتحاد الوطني الكردستاني وتركيا. ويُرجَّح أن تُستأنف المحادثات بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في 14 أيار/مايو.

أخبرني المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سوران جمال طاهر، أن "مسألة التدخل التركي كانت قرارًا أُحاديًا، ولم نتوصل إلى حلٍّ لها بعد. ولا يجب أن تؤثر هذه المسألة على مواطني كردستان والسليمانية. فنحن بحاجة إلى علاقات جيدة مع الدول المجاورة". مع ذلك، حتى بعد مهلة تموز/يوليو، قد تمدّد تركيا الحظر الجوي، الذي صبّ حتى الآن في صالح مطارَي إربيل وكركوك.

يحيط الغموض بمستقبل العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية، وسيعتمد ذلك على نتيجة الانتخابات التركية، إضافةً إلى المفاوضات اللاحقة مع أنقرة. وقد تختلف طبيعة هذه المفاوضات وفقًا لمن سيتولّى الحكم، سواء حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان أو حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليجدار أوغلو. إذا خسر أردوغان، قد يسهّل ذلك حلّ مشكلة تركيا مع الاتحاد الوطني الكردستاني. وإلّا، فسيضطر الاتحاد إلى البحث عن طرق بديلة لتلك التي كانت تعبر المجال الجوي التركي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.