المصدر: Getty
مقال

الخروج من المنزل

لا تزال المرأة في السعودية تواجه تحدّيات وعوائق، ولكن قيود الماضي بدأت تخفّ.

 نجوى ياسين
نشرت في ١٣ يونيو ٢٠٢٣

استضافت السعودية فعاليات قمة فوربس الشرق الأوسط للسيدات للعام 2023، برئاسة صاحبة السمو الأميرة نورة بنت فيصل آل سعود، وذلك من 21 إلى 23 أيار/مايو الماضي. وقد شاركت في القمّة نساءٌ من ميادين الأعمال، والتكنولوجيا، والرعاية الصحية، والموضة، والسفر والسياحة وغيرها، لتسليط الضوء على التقدّم الذي تُحرزه المرأة في السعودية، والتحديات التي ما زالت تواجهها، والفرص المتاحة أمامها في المملكة. وشكّلت القمة، من خلال تركيزها على قضايا مثل تعزيز قدرات المرأة وحسّ القيادة والابتكار، منبرًا فعّالًا لتبادل الأفكار، وتوطيد الروابط، والتحفيز على التغيير الإيجابي.

واجهت النساء في السعودية، طوال سنوات كثيرة، قيودًا شديدة على مشاركتهن في الحياة العامة وتحصيلهن العلمي، وحصولهن على فرص العمل، وخضعن لقوانين الوصاية التي فرضت عليهن طلب الإذن من أنسبائهن الذكور لمزاولة أنشطة مختلفة، منها السفر، والدراسة، وحتى الحصول على الرعاية الصحية. كذلك، لم يكن يُسمَح للمرأة قبل العام 2018 بقيادة السيارة، ما شلّ حركتها واستقلاليتها بشكل كبير.

كانت هذه الأعراف الاجتماعية متجذّرة وراسخة بقوّة في تفسيرات المعتقدات الدينية المحافظة. لذا، اقتصرت أدوار النساء إلى حدٍّ كبير على الحيّز الخاص، ولم يحظَين إلا بفرص محدودة للتعليم والارتقاء المهني. وقد عرقلت هذه القيود الإمكانيات الكامنة لدى أعداد لا حصر لها من النساء، فحالت دون مساهمتهن بشكل كامل في تحديث المجتمع السعودي وتقدّمه.

فضلًا عن ذلك، ينطوي السياق التاريخي للأعراف الاجتماعية التقليدية في السعودية على قواعد وقوانين لباس صارمة قوّضت حرّية المرأة في التعبير عن ذاتها وعن فردانيتها. ومن الأمثلة البارزة في هذا الصدد فرض ارتداء المرأة للعباءة، وهي عبارة عن جلباب أسود واسع، في الأماكن العامة. وقد فُرِض هذا اللباس عليها لعقود طويلة، ما حدّ من خياراتها في مجال الموضة وتبنّي أسلوبها الشخصي، ولا سيما أن فريضة ارتداء العباءة متجذّرة بعمق في الأعراف الثقافية والدينية.

لكن في الأعوام الأخيرة، انطلقت السعودية في مسارٍ تغييري تحوّلي، متّخذةً خطوات مهمّة نحو تحقيق الاستقلالية الذاتية للمرأة. وقد هدفت الإصلاحات التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تفكيك الحواجز القائمة منذ وقت طويل، وتوفير فرص أكبر للنساء كي يشاركن في مختلف قطاعات المجتمع. وتشمل هذه الإصلاحات رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وتعزيز آفاق حصول النساء على التعليم وفرص العمل، وتخفيف قوانين الوصاية عليهن.

خاضت المملكة تحوّلات لافتة، إذ أبدت تساهلًا أكبر في قواعد اللباس ومنحت المرأة حرّية متزايدة في اختيار هندامها. وشجّعت مبادرات على غرار "مبادرة قواعد اللباس" على المزيد من التساهل في تنفيذ قوانين اللباس الصارمة، ما أتاح للمرأة التعبير عن نفسها من خلال لباسها، إنما مع مواصلة التقيّد بالأعراف الاجتماعية. إذًا، منحت هذه المبادرة المرأة خيار ارتداء عباءات أكثر تلوّنًا وأناقة، فأضفت لمسةً من الموضة والإبداع على أزيائها.

وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز،تضاعفت تقريبًا نسبة النساء اللواتي يعملن خارج المنزل، من نحو 18 إلى 32 في المئة، خلال الأعوام الخمسة الماضية، وتؤكّد الإحصاءات الرسمية أن هذه النسبة آخذةٌ في الارتفاع. تعمل النساء اليوم على سبيل المثال مسؤولات جمركيات في مطار الملك خالد الدولي في الرياض، ومديرات للعلاقات العامة مع العملاء في المصارف، ومضيفات في المطاعم.

إضافةً إلى التغييرات التي شهدتها أمكنة العمل، بات الحيّز العام أقل تشدّدًا في الفصل بين الجنسَين. ففي المقاهي في الرياض، مثل Overdose (وشعاره: "الكافيين هو مخدّري المفضّل")، أصبح بإمكان الزبائن من الرجال والنساء احتساء القهوة بالحليب مع بعضهم البعض في أجواء مختلطة.

بات متاحًا للنساء أيضًا حضور بعض المباريات الرياضية في الملاعب، بعدما كان ذلك ممنوعًا قبل سنوات عدة. ولم يعد يُفرَض عليهن استخدام مداخل منفصلة عن الرجال، على الرغم من أن هذه المداخل لا تزال موجودة في بعض المنشآت. وبات بإمكانهن أيضًا التقدّم بطلب الحصول على جواز سفر، والسفر بمفردهن، وإعالة أنفسهن.

تلتزم السعودية بتفسيرٍ صارم للشريعة الإسلامية، ما أثّر على الإطار القانوني والاجتماعي الذي حُدِّدت بموجبه حقوق المرأة. غالبًا ما يُستشهَد بالشريعة الإسلامية، على النحو الذي تُطبَّق في السعودية، من أجل تبرير القيود المفروضة على المرأة. فنظام الوصاية الذي لا يزال قائمًا على الرغم من بعض الإصلاحات التي أُدخلت عليه في الآونة الأخيرة، يفرض على المرأة الحصول على إذن من الرجل - الذي هو غالبًا والدها أو زوجها، إنما في بعض الحالات ابنها - من أجل الزواج واتخاذ قرارات أساسية في حياتها. ولكن في حزيران/يونيو 2021، أُقِرّ تعديل نظام المرافعات الشرعية، ما منح النساء المطلّقات أو الأرامل أو العازبات الحق في العيش بطريقة مستقلة من دون طلب الإذن من الأوصياء عليهن.

مع أن السعودية قطعت أشواطًا كبيرة في الأعوام الأخيرة نحو تعزيز حقوق المرأة والنهوض بها، لا تزال تعترضها جملةٌ من التحدّيات التي تعوّق تقدّمها في البلاد، ومنها استمرار ممارسات التمييز بين الجنسَين، وانتشار الصور النمطية المرتبطة بذلك. فالتنميط الذي يضع المرأة بصورة أساسية في خانة الزوجة أو الأم، بدلًا من اعتبارها فردًا يتمتّع بمهارات وتطلّعات متنوّعة، يمكن أن يعرقل مساعي النهوض بالمرأة في مجالات التعليم والعمل والمناصب القيادية.

لقد أجرى ولي العهد تحسينات بارزة من أجل الحدّ من ممارسات التمييز والفصل بين الجنسَين، ولكن تعديل القوانين على الورق لا يكفي وحده، بل يجب أن يقترن أيضًا بتغيّرٍ في الأعراف والمفاهيم الاجتماعية. فالثقافة السعودية رسّخت في عقول الرجال الاعتقاد القائل بأن النساء أدنى مرتبة منهم. وهكذا، يحاول الأنسباء الذكور في الكثير من الأحيان عرقلة تنفيذ القوانين التي تمنح المرأة الحرّيات اللازمة. لذا، ينبغي إلغاء نظام الوصاية الذكوري على نحو كامل لضمان سيطرة المرأة على حياتها كي تتمكّن من اغتنام الفرص نفسها كما الرجل.

أدّت قمة فوربس الشرق الأوسط للسيدات، بوصفها محفّزًا للتغيير الإيجابي، دورًا محوريًا في تعزيز إيصال صوت المرأة، والنهوض بحقوقها، والمساهمة في التحوّل الذي يشهده بالفعل المشهد الاجتماعي والثقافي السعودي. وشكّلت القمة، من خلال وقْعها وتأثيرها، شعلة أمل وإلهام من شأنها أن تضيء مسار التقدّم المستمر للمرأة سواء داخل السعودية أم خارجها. قد يكون هذا التقدّم تدريجيًا، ولكن النساء السعوديات يخضن بجرأة غمار هذا المسار نحو التغيير.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.