المصدر: Getty
مقال

ردّ القوات اللبنانية

يعلّق مارك سعد، في مقابلة معه، على مقال نُشر على "ديوان" وانتقد السلوك السياسي للحزب.

نشرت في ٢١ أغسطس ٢٠٢٣

إثر صدور المقال الذي كتبته الأسبوع الماضي عن القوات اللبنانية، موجِّهًا فيه انتقادات لإخفاقها في التصرّف على أساس أنها تمتلك أكبر كتلة نيابية مسيحية، طلب الحزب حق الردّ. وهذا عرفٌ سائد في لبنان، وقد استجابت "ديوان" للطلب. ولكن بدلًا من نشر الردّ في مقال موازٍ للمقال الذي نشرناه، ارتـأينا أن يكون في صيغة مقابلة مع مارك سعد، المسؤول عن الإعلام الأجنبي في حزب القوات اللبنانية.

مايكل يونغ: طلب حزب القوات اللبنانية حق الردّ على مقالي الأخير الذي اعتبرت فيه أن الحزب، وعلى الرغم من أن لديه أكبر كتلة مسيحية في مجلس النواب، يخفق في معظم الأحيان في التصرّف على هذا الأساس. ما الذي تعترضون عليه في هذا القول؟

مارك سعد: غالبًا ما نسمع دعوات للسير بسياسة الصفقات، حيث يتشارك جميع الأفرقاء في الحكومة المكاسب والمنافع التي تؤمّنها لهم مناصبهم. لكن حزب القوات اللبنانية عمل بلا كلل لرفض هذا النهج، ولترسيخ الأخلاقيات والمناقبية في ممارستنا وممارسة الآخرين لمهامهم. لا سياسة من دون قيَم وأخلاقيات وتوجّه واضح يُسترشَد به. هذا الأسلوب القائم على الصفقات في السياسة والعمل الإداري هو ما دفع ببلادنا إلى حالة التدهور التي تشهدها راهنًا، وأدّى إلى استنزاف حسابات المودعين في المصارف، وتدمير اقتصادنا. لذلك، لا ينبغي الحكم على عمل حزب القوات اللبنانية استنادًا إلى مكاسب قصيرة الأمد لن تؤدّي سوى إلى تقويض ركائز البلاد أكثر فأكثر. يكفي النظر إلى التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر. لقد حقّق مكاسب قصيرة الأمد للحزبَين، ولكنه دفع بالبلاد في مسار يقود إلى زوالها. يتحمّل حزب القوات اللبنانية، بصفته الكتلة الأكبر في مجلس النواب، مسؤولية ترسيخ هذه القيم وتقديم مثال يُحتذى به. لا نسعى وراء مكاسب شخصية، بل نريد وضع البلاد على المسار الذي يقودها إلى الخلاص.

يونغ: قال سمير جعجع إن الدخول في حوار مع حزب الله سيكون مضيعة للوقت لأنه لن يقود إلى أي مكان. ولكن هل يمكنكم تجنّب الحوار مع الحزب الذي قد يكون الأكثر نفوذًا في لبنان، ولا سيما بعد حادثة الكحالة الأسبوع الماضي، في وقتٍ تُعتبَر القنوات المفتوحة مع جميع الأطراف أمرًا ضروريًا لتفادي مزيد من التوتّرات؟

سعد: حزب القوات اللبنانية هو من أشدّ الدعاة إلى الحوار. فنحن نعتبر أن الحوار أساسي ولا بدّ منه كي يتمكّن لبنان من تجاوز أزمته الراهنة. ولكن لا يمكن إجراء أيّ حوار مع أفرقاء يرفضون مبادئه الأساسية ويمتنعون عن الالتزام بنتائجه. وحزب الله هو أحد هؤلاء الأفرقاء. لقد تعامل بلامبالاة مطلقة مع جولات الحوار الثنائية والمتعددة الأطراف التي أُجريت معه. ولم تسفر سنوات من المحادثات عن أي نتيجة. كان رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري من أشدّ المؤمنين بالحوار. وقد التقى شخصيًا بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، لكن جهوده باءت بالفشل في نهاية المطاف. واغتيل الحريري إلى جانب 22 شخصًا آخر في وسط بيروت.

أبدى المواطنون والسياسيون اللبنانيون أيضًا ترحيبهم بجولات الحوار مع حزب الله. لكن الحزب لم يتلزم مطلقًا بأيّ من البنود التي جرى الاتفاق عليها. لقد ضحّى رئيس الوزراء السابق سعد الحريري بالأكثرية التي فاز بها في مجلس النواب كي يستثمر في الحوار مع حزب الله. وفي المقابل، واجه مزيدًا من الاغتيالات، وتعطيل عمل المحكمة الخاصة بلبنان، والفراغ السياسي لأشهر وسنوات، وفي نهاية المطاف قام بتعليق عمله السياسي.

الفريق الوحيد الذي استفاد من الحوار مع حزب الله كان التيار الوطني الحر. ولكن الثمن كان باهظًا. فقد سلّم التيار الوطني الحر السيطرة على الدولة إلى الحزب مقابل مكاسب صغيرة في الحكم والمناصب والتعيينات. وبدلًا من أن يتحوّل حزب الله إلى فريق سياسي منزوع السلاح، بحسب الوعود التي أطلقها التيار، زاد مخزونه من الأسلحة ومنح غطاء للسياسيين الفاسدين. لقد شدّد حزب الله قبضته على السلطة وأحكم سيطرته على الدولة التي يديرها بطريقة تخدم مصالحه، وليس مصالح الشعب اللبناني. وفقًا لنظرة حزب الله إلى الحوار، ينبغي على اللبنانيين الانصياع لأوامره والعمل على تأمين مصالحه، حتى لو كانت تتعارض مع مصالح الشعب اللبناني. دفع حزب القوات اللبنانية باتجاه الحوار مع جميع الأطراف التي تشاركه مخاوفه في ما يتعلق بمصير دولة لبنان ومستقبلها. وعلى الرغم من ذلك كلّه، لا يزال حزب الله يعتبر لبنان منصّة لتنفيذ أجندته، ولا يتعامل معه على أنه دولة.

يونغ: ثمة مفاوضات مستمرة بين التيار الوطني الحر وحزب الله حول الرئيس العتيد للبلاد، صوّر خلالها الحزب التيار الوطني الحر على أنه الحزب المسيحي الأبرز. ولكن القوات اللبنانية حصلت على عدد أكبر من الأصوات في انتخابات العام 2022، ولديها بالتالي أكبر كتلة مسيحية في البرلمان. من خلال امتناعكم عن الحوار مع حزب الله، ألستم تسمحون له وللتيار الوطني الحر بتهميشكم وتهميش ناخبيكم بحيث ينجحون في تطويقكم؟

سعد: ليس حزب الله الحَكَم في تحديد مَن يمثّل اللبنانيين. له الحرّية في أن يختار التحالف أو الالتقاء مع أي حزب سياسي يريده، إنما لا يمكنه أن يفرض على الأشخاص مَن يمكنه أو لا يمكنه أن يكون ممثّلًا لهم. قال اللبنانيون كلمتهم وأعلنوا بوضوح عن معارضتهم لسياسات حزب الله وممارساته. لكن يبدو أنه عاجز عن القبول بنتائج الانتخابات النيابية للعام 2022 التي خسر فيها الأكثرية. حتى ضمن فريقهم، تخلّوا عن التيار الوطني الحر ودعموا مرشّحًا آخر للرئاسة شعبيته أقل بكثير من شعبية رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل. لا يؤمن حزب الله بالديمقراطية، بل يؤمن بسلطة السلاح.

لم يصوّت اللبنانيون لحزب القوات اللبنانية كي يقيم علاقات ودّية مع حزب الله أو يتنافس مع رئيس التيار الوطني الحر على كسب ثقة الحزب. فالناس منحونا، نحن وقوى المعارضة، ثقتهم لتصويب الأمور وإصلاح السياسة في لبنان. يريد اللبنانيون أن يروا بلادهم تسلك طريق التعافي. وهم لا يكترثون لمصالح حزب الله، وقد أثبتت التطورات الأخيرة أن معارضتهم لممارسات الحزب الهمجية تزداد أضعافًا مضاعفة يومًا بعد يوم. بين الشعب والحزب، نختار الشعب. وسنقف إلى جانب الشعب اللبناني لتحقيق أهدافه والنهوض بلبنان ليستعيد مكانته المستحقّة.

يونغ: في ضوء حادثة الكحالة التي تسببت بزيادة الشرخ بين عدد كبير من المسيحيين وحزب الله، هل سيكون سهلًا على رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، التوصل إلى اتفاق مع حزب الله حول الرئيس، ولا سيما إذا كان ذلك يعني موافقة باسيل على مرشح الحزب، سليمان فرنجية، الذي يعتبر مسيحيون كثر أنه لا يمثّل طائفتهم؟

سعد: لسنا في موقع يخوّلنا التحدّث أو التكهّن بالنيابة عن التيار الوطني الحر. لدينا قيمنا ومعتقداتنا الخاصة التي توجّه أعمالنا ومواقفنا. لقد أظهرت حادثة الكحالة أن انطباعات المسيحيين وردود أفعالهم تنسجم مع مواقف القوات اللبنانية. سلّطت هذه الحادثة الضوء على الاستياء المتعاظم الذي يشعر به اللبنانيون، من الطوائف المسيحية وغير المسيحية على السواء، إزاء مشروع حزب الله وسلوكه. الناس مستعدّون لمواجهة الحزب، على الرغم من توازن القوى غير المتكافئ بين المجموعات المدنية المدعومة بالقوانين والدستور والتنظيم المدجّج بالسلاح الذي ينفّذ أجندة خارجية واضحة. نعتقد أن اللبنانيين يبحثون عن رئيس حقيقي مستعد لمواجهة حزب الله بالقدر نفسه من الشجاعة التي يتحلّون بها. لذلك، على كل حزب أن يبني مواقفه استنادًا إلى توجّهات الناس.

ينبغي على التيار الوطني الحر، شأنه في ذلك شأن أي فريق آخر، أن يختار بين إبرام صفقة مع حزب الله تتيح لهذا الأخير فرض مرشّحه على اللبنانيين كلّهم، وبين الدعوة إلى الالتزام بالديمقراطية والعمليات الدستورية التي تتيح انتخاب رئيس يمثّل مصالح الشعب. أما القوات اللبنانية فقد اتّخذت موقفًا واضحًا في هذا الصدد. ويقع على عاتق الآخرين، ومنهم التيار الوطني الحر، تحديد موقفهم.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.