المصدر: Getty
مقال

نصر الله ينعى العاروري

تحليل مقتضب من باحثي كارنيغي حول الأحداث المتعلقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نشرت في ٥ يناير ٢٠٢٤

ماذا حدث؟

اغتيل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس وقائد الحركة في الضفة الغربية، في قلب ضاحية بيروت الجنوبية التي تُعدّ معقلًا لحزب الله. وعلى الإثر، حبس اللبنانيون أنفاسهم، وساورهم القلق من أن تؤدّي هذه العملية إلى تصعيد كبير في النزاع مع إسرائيل، الذي بقي في الغالب محصورًا في المنطقة الحدودية الجنوبية.

تناول أمين عام حزب الله حسن نصر الله في كلمة ألقاها يوم 3 كانون الثاني/يناير عملية اغتيال العاروري، وفاجأ المراقبين بما لم يقله. في الواقع، لم يختلف خطابه كثيرًا عن الخطابَين السابقَين منذ اندلاع الحرب على غزة، على الرغم من نبرته الأعلى هذه المرة. لقد شدّد نصر الله على أن ما حصل في غزة أثبت أن النظام الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، غير قادرٍ على حماية المدنيين، وعرَض الرؤية الاستراتيجية الموحّدة بين المجموعات المسلحة الموالية لإيران في ساحات لبنان وسورية والعراق واليمن. وجادل بأن هذه المجموعات، وإن كانت مرتبطة بإيران، فهي أيضًا مستقلة عنها. يُشار أيضًا إلى أن نصر الله لم يهدّد بتوسيع رقعة الصراع مع إسرائيل، بل توعّد فحسب بأن حزب الله يحتفظ بحق الردّ في الزمان والمكان المناسبَين.


 

أين تكمن أهمية هذه المسألة؟

تنطوي عملية اغتيال العاروري على رسائل بالغة الرمزية لحزب الله، ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى موقع الاغتيال، وليس إلى شخص العاروري، علمًا أن هذا الأمر مهمٌّ أيضًا. فهذه الغارة هي الأولى من نوعها على ضاحية بيروت الجنوبية منذ حرب تموز/يوليو 2006. لقد كان العاروري عضوًا في تحالف يجمع المجموعات المسلحة المقرّبة من إيران، وصلة وصلٍ بين حماس وحزب الله في لبنان. مع ذلك، لم يكن أهمّ من رضي موسوي، القيادي البارز في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي اغتالته إسرائيل في دمشق يوم 25 كانون الأول/ديسمبر 2023. وقد وصفت بعض وسائل الإعلام موسوي بأنه المنسّق الأساسي بين فيلق القدس والنظام السوري. وعلى نحو مماثل، أسفرت غارة إسرائيلية عن مقتل عباس رعد، نجل محمد رعد رئيس الكتلة النيابية لحزب الله في البرلمان، والرجل الثاني في سلّم قيادة فرقة الرضوان، وهي من قوات النخبة في حزب الله. إن اغتيال هاتَين الشخصيتَين لم يدفع حزب الله إلى تعديل استراتيجيته الرامية إلى تفادي توسّع الصراع على الحدود اللبنانية الجنوبية. لذا، من غير المفاجئ أن نصر الله لم يطلق وعودًا بتصعيد العمليات العسكرية عقب اغتيال العاروري.

مع ذلك، أعربت إسرائيل من خلال استهداف ضاحية بيروت الجنوبية عن استعدادها المتواصل للخوض في مسار تصعيدي خطير من شأنه توسيع رقعة الصراع الدائر في غزة، ما قد يؤدّي إلى إشعال حرب إقليمية وربما عالمية كبرى. ولا شكّ من أن توسيع نطاق الغارات الإسرائيلية التي تضرب المنطقة يشير إلى هذا الاحتمال. فعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، خرقت إسرائيل قواعد الاشتباك التي أُرسيت بعد حرب 2006، إذ وسّعت دائرة النزاع من خلال تنفيذ غارات جوية على أهداف أبعد من المنطقة الحدودية، وصلت إلى عمق 40 كيلومترًا تقريبًا داخل الأراضي اللبنانية. كذلك عمدت إسرائيل إلى قتل عشرات المدنيين والصحافيين، إذ نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا أشارت فيه إلى أن الاعتداءات ضدّ الصحافيين قد تكون متعمّدة. هذا وتسبّبت الحرب بنزوح ما يزيد عن 74 ألف لبناني من المناطق الحدودية، فيما أجْلَت إسرائيل ما لا يقلّ عن 70 ألف إسرائيلي من الشمال. وأعرب بعض المسؤولين الأميركيين عن قلقهم من أن يحاول الجيش الإسرائيلي استخدام الأسلحة الأميركية التي تُرسَل إليه في صراعٍ مع لبنان.


 

ما هي التداعيات على المستقبل؟

عبّر خطاب نصر الله عن المعضلة الرئيسة التي يواجهها حزب الله، وهي تحديدًا كيفية الردّ على اغتيال العاروري من دون جرّ لبنان إلى صراع أوسع نطاقًا وأشدّ تدميرًا. ليس لحزب الله ولا لإيران مصلحة في محصّلة كهذه، فهما يدركان الأثر العميق الذي خلّفه هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر على النفسية الإسرائيلية، وعلى العقيدة العسكرية الإسرائيلية. ما يقلقهما على وجه الخصوص هو أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى تغيير قواعد الاشتباك على طول حدودها مع لبنان، بل تصرّ أيضًا على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي قد يرغم حزب الله على إعادة نشر قواته بعيدًا عن الحدود، ما يضعف بالتالي مكانته في البلاد.

لقد شنّت إسرائيل هجومًا عدوانيًا غير متكافئ على غزة، قُتِل فيه حتى الآن ما يصل إلى 22000 فلسطيني، وأُبيدَت أحياء ومجتمعات بكاملها. وأبدى الكثير من البلدان الوازنة المقرّبة من إسرائيل قبولًا ضمنيًا بهذا الهجوم، ومن ضمنها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة. لذا، لا يزال من غير الممكن التنبّؤ بالخطوات التي ستتّخذها إسرائيل في لبنان، خصوصًا في ظل قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يسعى إلى الحفاظ على بقائه السياسي والسيطرة على أزمته السياسية الداخلية من خلال تنفيذ عمليات عسكرية في أماكن أخرى.

في هذا السياق، قد تتواصل عمليات إسرائيل التصعيدية، ما لم تمارس الولايات المتحدة ضغطًا كبيرًا عليها لكبح عملياتها في لبنان. في المقابل، يخشى حزب الله أن مسار الصراع في غزة وأيّ تسوية سياسية تقلّل من دور حماس، قد يدفعان إسرائيل إلى تحويل تركيزها باتّجاه لبنان، ما يستلزم انخراطًا عسكريًا أكثر منهجيةً مع إسرائيل. وهذا تحديدًا ما تنادي به الأصوات المؤثّرة داخل المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل. واستعدادًا لهذا الاحتمال، يُبقي حزب الله الساحة اللبنانية المحلية نصب عينيه، ساعيًا إلى تعزيز موقعه في النظام السياسي.

في الوقت الراهن، لا بدّ من ترقّب المسار الذي ستؤول إليه مهمّة المبعوث الأميركي آموس هوكستين الذي تَوسّط في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ومن المقرّر أن يصل إلى إسرائيل اليوم للمساعدة في تهدئة التوتّرات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وثمّة أيضًا مؤشّرات على أنه يعتزم وضع اللمسات الأخيرة على ملفّ ترسيم حدود لبنان البرّية مع إسرائيل، وقد يسعى أيضًا إلى المساهمة في كسر الجمود السياسي بشأن انتخاب رئيس الجمهورية. وسيكون من المهمّ أن نرى ما إذا سيتمّ التوصّل إلى صفقةٍ ما تلبّي كلًّا من هدف إسرائيل المتمثّل في الحفاظ على أمن سكان حدودها الشمالية، ورفض حزب الله التنازل عن مصالحه الحيوية. إذا ما استطاع حزب الله ضمان انتخاب رئيسٍ للجمهورية يكون مُطَمئنًا له، فقد يسهّل ذلك تقديمَه تنازلات في المفاوضات مع هوكستين.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.