المصدر: Getty
مقال

دعم فلسطين في جامعات الولايات المتحدة

بات الصوت العربي الأميركي والشبابي مؤثرًا إلى درجة أنه قد يحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية.

نشرت في ٣٠ أبريل ٢٠٢٤

إبان حرب فيتنام في ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، كان للاحتجاجات الطلابية الأميركية ضد الحرب أثرٌ كبيرٌ على مسارها. شهدت الجامعات الأميركية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة احتجاجات واسعة ضد حرب فيتنام من قبل الطلاب والأساتذة شملت مظاهرات وإضرابات واعتصامات للاحتجاج على استمرارها. وشكّلت هذه الاحتجاجات جزءًا رئيسًا من الحركة الأميركية الشعبية المضادة للحرب، وساهمت كذلك في زيادة الوعي حول الأثر الضار للحرب وضرورة إنهائها. من الممكن أنه لم يكن لهذه الاحتجاجات دور مباشر في إنهاء حرب فيتنام، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في تكوين الرأي العام الأميركي، وفي التأثير على قرارات الإدارات الأميركية المتعلقة بتلك الحرب. ولا تزال أحداث جامعة كنت في ولاية أوهايو في العام 1970 عالقة في أذهان الأميركيين حين أطلق الحرس الوطني الأميركي النار على طلاب كانوا يقومون باحتجاجات سلمية ضد الحرب فقتلوا أربعة منهم. كان لتلك الحادثة أثر كبير لدى الرأي العام، ما أسهم في النهاية في إنهاء الحرب خلال العام 1975.

تشهد الولايات المتحدة احتجاجات مماثلة اليوم ضد العدوان الإسرائيلي على غزة ونصرة للقضية الفلسطينية. وفي حين أن أعداد المحتجين لم تصل بعد إلى الاحتجاجات الطلابية ضد حرب فيتنام، فإنها في تزايد ملحوظ، وذلك على الرغم من القمع الأكاديمي والسياسي ضد هذه الاحتجاجات السلمية. وتتميز هذه الاحتجاجات بأنها تجري اليوم في أعرق الجامعات الأميركية مثل ييل وهارفارد وبنسلفانيا ونيويورك ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وغيرها. نتحدث عن أرقى الجامعات الأميركية التي لا تخيف طلابها المحتجين كل الإجراءات الأكاديمية التي اتُخذت وتُتخذ ضدهم بما في ذلك الطرد، ولا يخيفهم أيضًا الضغط السياسي الذي أدى إلى استقالة رئيستَي جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا.

وعلى الرغم من ازدواجية المعايير الواضحة في التعامل مع هذه الاحتجاجات والأصوات المتشددة في الكونغرس التي تبرر الحملة ضد الاحتجاجات بأن هدفها ليس تقييد الحريات الأكاديمية وإنما حماية الطلاب اليهود والوقوف ضد الشعارات "اللاسامية"، فإن هذا الصوت الطلابي يكبر كل يوم، معترضًا على إبادة جماعية للفلسطينيين لا تُقارن لا بحماية الطلاب اليهود الذين لم يتأذَ أحد منهم حتى اليوم، ولا بالتهديد المضحك باللاسامية كلما انتقد البعض سياسات الدولة الإسرائيلية.

ما نشهده من احتجاجات اليوم داخل الجامعات الأميركية مهم للغاية، وقد يكون له نفس تأثير الاحتجاجات الطلابية في الستينيات والسبعينيات، فلم يعد الجيل الجديد داخل المجتمع الأميركي مقتنعًا بهذا التأييد الأعمى لإسرائيل حتى عندما تتهم دوليًا بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. ما يزيد من أهميتها أنها تحدث داخل المجتمع الأميركي، بل داخل أعرق الجامعات الأميركية التي لا يدخلها إلّا المتفوقون من الطلاب.

يقودني ذلك للعودة مرة أخرى للصوت العربي الأميركي الذي بات، وللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، مؤثرًا إلى درجة قد يحسم فيه نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك بسبب تواجده في ولايات عدّة يحتاجها الرئيس الأميركي بايدن لإعادة انتخابه، ويفصله فيها عن منافسه ترامب عدد قليل من الأصوات.

نظرة للخارطة الانتخابية الأميركية وفق آخر استطلاعات الرأي تُظهر أن لبايدن اليوم حوالى 226 صوتًا انتخابيًا بينما لترامب حوالى 235 صوتًا انتخابيًا. يحتاج الفائز لـ270 صوتًا للظفر بالرئاسة. تتركز الحملة بشكل أساسي اليوم على ست ولايات فاز بها جميعها بايدن بأغلبية ضئيلة في العام 2020، تشكّل بمجموعها 77 صوتًا انتخابيًا موزعة كالآتي: بنسلفانيا 19 صوتًا، وميشغان 15 صوتًا، وويسكونسن 10 أصوات، وجورجيا 16 صوتًا، وأريزونا 11 صوتًا، ونيفادا 6 أصوات. بمعنى آخر، يحتاج بايدن لـ44 صوتًا من أصل الـ77 صوتًا للفوز بالرئاسة بينما تظهر الاستطلاعات أن كل هذه الولايات إما غير محسومة أو تميل للحزب الجمهوري. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المرشح المستقل روبرت كينيدي بدأ باستقطاب عدد لا يُستهان به من جيل الشباب الذي صوّت لبايدن في الانتخابات الأخيرة، يظهر بوضوح أن بايدن يواجه مشكلة حقيقية في إعادة انتخابه، وأن الصوت العربي الأميركي له تأثير واضح لم يكن موجودًا في السابق.

ماذا يعني كل ذلك؟ لم تكن الولايات المتحدة معنيةً بشكل كبير في تاريخها بحقوق الإنسان والديمقراطية خارج أراضيها وخاصة عندما يتعلق الموضوع بإسرائيل. لذا فالاحتجاجات العالمية ضد الحرب على غزة ليس لها وزن كبير في التأثير على صانع القرار الأميركي، لكن الوضع يختلف حين تكون تلك الاحتجاجات داخلية. قد لا تقود تلك الاحتجاجات إلى تغيير كبير في موقف الرئيس الأميركي هذا العام، ولكن التغييرات التي تحدث في المجتمع الأميركي اليوم بالنسبة إلى الجيل الشبابي مضافًا إليها موقف العرب الأميركيين المتزايد في وقوفه الصلب المؤيد للقضية الفلسطينية ستجعل أي مرشح رئاسي مستقبلي مضطرًا لأخذ الصوت العربي الأميركي كما الصوت الشبابي على محمل الجد، وبخاصة المرشح الديمقراطي.

هذه تطورات هامة لا يجب التغاضي عنها، وجميعها ستصب مستقبلًا في صالح القضية الفلسطينية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.