ستيف كول مؤلّف كتب عدّة نالت استحسانًا كبيرًا، من ضمنها إصداره الأخير بعنوان The Achilles Trap: Saddam Hussein, the United States and the Middle East, 1979–2003 (فخّ أخيل: صدام حسين والولايات المتحدة والشرق الأوسط، 1979-2003). هو حائزٌ على جوائز عدّة، من ضمنها جائزتَي بوليتزر. تشمل كتبه الأخرى Ghost Wars: The Secret History of the CIA, Afghanistan, and Bin Laden, from the Soviet Invasion to September 10, 2001 (الحروب السرية: التاريخ السري لوكالة الاستخبارات المركزية، وأفغانستان، وبن لادن، من الغزو السوفياتي حتى 10 أيلول 2001) الصادر عن منشورات Penguin في العام 2001، وDirectorate S: The C.I.A. and America’s Secret Wars in Afghanistan and Pakistan, 2001–2016 (المديرية إس: وكالة المخابرات المركزية وحروب أميركا السرية في أفغانستان وباكستان، 2001-2016) الصادر عن منشورات Penguin في العام 2018، وOn the Grand Trunk Road: A Journey into South Asia (طريق الجذع الكبير: رحلة في جنوب آسيا) الصادر عن منشورات Penguin في العام 1993. كان كول سابقًا عميد كليّة الصحافة في جامعة كولومبيا، وكاتبًا في مجلّة نيو يوركر، ورئيس مركز "نيو أميركا" للأبحاث من العام 2007 إلى العام 2012. أجرت "ديوان" مقابلة معه في منتصف نيسان/أبريل الجاري لمناقشة كتابه الأخير.
مايكل يونغ: لقد أصدرتَ للتوّ كتابك "فخّ أخيل: صدام حسين والولايات المتحدة والشرق الأوسط، 1979-2003". بعد أن تشرح لنا العنوان، هل يمكنك أن تطلعنا على حجّة كتابك، وتخبرنا ما الجديد الذي أضفته إلى موضوعٍ سبق أن كُتِب الكثير عنه على مرّ السنين؟
ستيف كول: استند كلٌّ من صدام حسين ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى أسطورة أخيل لشرح كيف تصوَّرَ كلٌّ منهما نقاط ضعف الآخر. اعتقد صدام أن الولايات المتحدة كانت متردّدة جدًّا في تكبّد خسائر بشرية بعد صدمة حرب فيتنام إلى حدّ أنها لن تجتاح العراق بريًّا أبدًا. وما عزّز اعتقاده هذا أيضًا كان الضربات المحدودة التي شنّتها إدارة كلينتون في تسعينيات القرن الماضي. أما في ما يتعلّق بالجانب الأميركي، فالرؤساء الأميركيون المتعاقبون اعتقدوا أن ثمّة طريقة معقولة لإزاحة صدام عن السلطة عبر استراتيجية "الرصاصة الفضّية" المتمثّلة في اختلاق انقلاب. لكن افتراضات كلا الجانبَين كانت خاطئة، وقد عكست سوءَ تفاهمٍ أوسع بين هذَين الطرفَين المتخاصمَين، وساهمت أيضًا على وجه خاص في تشكيل غزو العام 2003.
لقد انجذبتُ إلى هذا الموضوع لأن جزءًا مهمًّا من جذور غزو العام 2003، والحرب الكارثية التي أعقبته، بقي غير مفهوم. صحيحٌ أن الباحثين والصحافيين تطرّقوا مرارًا وتكرارًا إلى فشل الاستخبارات الغربية في إدراك أن صدام لا يمتلك أسلحة دمار شامل، أو حتى معرفة أيّ أسرار متبقّية عمّا فعله في الماضي بحلول منتصف التسعينيات. ومواضيع مثل إقناع الجمهور الغربي بغزو العام 2003 هي أيضًا مألوفة. لكنّ سؤالًا آخر بالأهمية نفسها ظلّ إلى حدٍّ كبير من دون إجابة: لمَ ضحّى صدام بحُكمه الطويل، ونظامه، وفي نهاية المطاف حياته، من أجل أسلحة لم يكن يمتلكها؟ كيف ولماذا ساعد في إرساء الانطباع بأن لديه أسلحة خطيرة بينما لم يكن لديه؟
يمكن الإجابة على هذه الأسئلة بفضل الكمّ الكبير من المواد التي جرت مصادرتها من النظام العراقي عقب الغزو. تتضمّن هذه المواد آلاف الساعات من التسجيلات من الدائرة الداخلية لصدام، إضافةً إلى ملايين الصفحات من الوثائق من داخل رئاسته. أحسن الباحثون استخدام بعض هذه المواد بعد أن بدأ نشرُها حوالى العام 2007، إلا أن الوثائق سُحِبَت بعد ذلك ولم تَعُد متاحة. لذا، رفعتُ دعوى قضائية بموجب قانون حرية المعلومات، واستطعت الحصول على مجموعة من المواد، بما فيها مناقشات لم تُنشَر من قبل دارَت داخل نظام صدام. يوسّع هذا الأرشيف الجديد، إلى جانب المقابلات والمواد الأخرى، فهمَنا لأسباب وجذور واحدٍ من أكثر الأحداث اضطرابًا في الشرق الأوسط خلال العقدَين الماضيَين، وواحدةٍ من أكثر المغامرات السياسية الخارجية الأميركية تكلفةً في فترة ما بعد الحرب الباردة.
مايكل يونغ: ثمّة موضوع يتكرّر في كتابك، وهو تميُّز العلاقة الأميركية العراقية بانعدام التفاهم المتبادل. هل يمكنك أن تشرح كيف تجلّى ذلك عشية الغزو الأميركي في العام 2003، حينما اقتنعت إدارة بوش، على نحو خاطئ، بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل؟
ستيف كول: كما قلتَ أنت، الإجابة على هذا السؤال تتكرّر في الكتاب بأكمله، وتُفسّر كيف تطوّر فقدان الثقة وسوء التفاهم هذان طوال ما يزيد عن عقدَين من الزمن، بدءًا من فترة التعاون شبه السرّي بين الولايات المتحدة والعراق خلال الثمانينيات، وصولًا إلى عقد العداء بينهما في التسعينيات. إذا أردنا أن نختار السبب الأبرز ربما وراء تطوّر سوء التفاهم هذا، فيجب على الأرجح أن نبدأ بصيف العام 1991. عقب الغزو العراقي للكويت واحتلالها، وحرب التحرير التي تَلَتْهما بقيادة الولايات المتحدة، أصدرت الأمم المتحدة قرارات تفرض عقوبات على نظام صدام، وتُطالِبه بالتخلّي عن أسلحة الدمار الشامل والصواريخ بعيدة المدى. واستعدّ المفتّشون للوصول إلى العراق من أجل تنفيذ نزع السلاح. أُصيب صدام فعليًا بالذعر في ذلك الصيف، فأمَرَ، سرًّا إلى حدًّ كبير، صهرَه حسين كامل بالإشراف على تدمير جميع مخزونات أسلحة الدمار الشامل، وإخفاء المنشآت والصناعات ذات الاستخدام المزدوج، لئلّا يجد المفتّشون ما يبحثون عنه. نفّذ كامل ما أُمِر به، ولكنه لم يُبقِ على أيّ سجلّات عن عملية التدمير الكبيرة والمتسرّعة لأسلحة الدمار الشامل. ثم واصل هو وشخصيات رئيسة أخرى في نظام صدام الكذب على المفتّشين بشأن تاريخ برامجهم، مُدّعين البراءة. أثارت هذه الحادثة ارتباكًا عميقًا داخل حكومة صدام، والأهمّ من ذلك، في أذهان المفتّشين المتحيّرين في أمرهم. فمن جهة، لم يجد هؤلاء أيّ أسلحة دمار شامل، ومن جهة أخرى، استطاعوا أن يروا أن العراقيين تستّروا على الأمور، وكذبوا مرارًا بشأن أنشطتهم. رسّخ ذلك قناعةً بأن صدام لا يمكن الوثوق به، واستمرّت هذه القناعة حتى العام 2003، حتى بعد فشل عمليات التفتيش المكثّفة في إيجاد أيّ أثر لأسلحة محظورة.
لماذا سار صدام في هذا المسار الوخيم؟ أراد أن يتحرّر من العقوبات في أسرع وقت ممكن. لقد ظنّ أنه ربما سيجتاز هذا الامتحان بنجاح، أو يحظى على الأقلّ بما يكفي من التقدير، إذا لم يجد المفتّشون أيّ أسلحة محظورة، ما سيسمح لروسيا وفرنسا بالبدء في الدعوة إلى تخفيف العقوبات ضدّ العراق في مجلس الأمن. ثمّ إنه ما كان ليحتمل التعرّض للإذلال العلني. لم يُرِد أن يَعمَد مفتّشون بمعاطف المختبر البيضاء والحافظات إلى عرض عملية نزع سلاحه علنًا، فذلك كان ليهينَه أمام شعبه والعالم العربي، لا بل يكشف أيضًا عن ضعفه، وبالتالي يستدعي هجوم الأعداء في الداخل والخارج. فقد كان صدام يرى القوة بمنتهى الوضوح من منطلق الغالب والمغلوب؛ إن بدوتَ ضعيفًا، انقضّ عليك أعداؤك حتمًا.
مايكل يونغ: تنظر إلى صدام حسين نظرةً تصحيحيةً إلى حدٍّ ما، ليست مؤيّدة له ولكنها أكثر إدراكًا للقيود التي واجهها، وما حفّزه بالفعل طوال السنوات التي تتطرّق إليها في الكتاب. ما الخلاصات الرئيسة التي توصّلت إليها عن الرجل، وما الانطباعات عنه التي شعرت بأنها تحتاج إلى تصحيح، ولمَ اخترت القيام بذلك؟
ستيف كول: كان هدفي أنسنة صدام لا تلميع سمعته، لكي نستطيع أن نفهم بشكل أفضل كيف تصرّف، ولماذا تصرّف على هذا النحو. وشعوري كان أن صدام اعتُبِر، في الولايات المتحدة على الأقلّ، دكتاتورًا كرتونيًا، ونرجسيًا أُحادي البُعد مثيرًا للضحك، بقي في السلطة عن طريق الترهيب لا غير. أما صدام الذي عرفتُه من خلال المواد الجديدة، فكان أشدّ تعقيدًا، وينطوي لحسن الحظّ على جوانب أكثر إثارةً للاهتمام يمكن الكتابة عنها. لقد كان يتمتّع بدهاء شديد في ما يتعلّق بالسلطة، وكان حتى ذي بصيرة مذهلة، قادرًا على استشراف كيف تتحوّل السلطة وتعمل في العلاقات بين قوى متوسّطة مثل العراق، وقوى كبرى مثل الولايات المتحدة. ولكنه كان أيضًا في حيرة شديدة بشأن الولايات المتحدة والعالم، عالقًا في إيديولوجيا القومية العربية الخاصة بالستينيات، وفي معاداة السامية، ونظريات المؤامرة المتشابكة. عندما يسمعه المرء في التسجيلات، يعتبره تارةً لامعًا، وطورًا مجنونًا. وبصفتي كاتبًا، كنت أيضًا ممتنًّا لحسّه الفكاهي، ووجدت ولَعَه بوسائل الراحة البرجوازية أمرًا طريفًا، وهما سمتان يبدو أن رفاقه أيضًا كانوا يقدّرونهما.
مايكل يونغ: بالحديث عن وجهات النظر التصحيحية، أُلقي الكثير من اللوم في الولايات المتحدة، على مرّ السنين، على أحمد شلبي لمساهمته في تقديم ذريعةٍ للحرب عبر تزويده إدارة بوش بمصادر معلومات كاذبة. ولكن إذا أردنا أن نؤدّي دور محامي الشيطان، هل نستطيع القول إن شلبي اتّبع في نهاية المطاف أجندته الخاصة، وكان على قدرٍ كافٍ من الذكاء ليستغلّ الرغبات القوية لأولئك داخل الإدارة، وعلى رأسهم الرئيس، الذين أرادوا إزاحة صدام حسين عن السلطة؟
ستيف كول: أتّفق معك في ذلك. لم يبذل جهدًا كبيرًا لإخفاء مصالحه الشخصية أو أنشطته، مثل تعاونه السرّي مع إيران، ما بيَّنَ بوضوح أنه كان يلعب لعبته الخاصة. كان لشلبي سجلٌّ حافل كمهندس لعملية احتيال مصرفي ضخمة في الأردن، وبحسب خبرتي كصحافي، عندما يصادف المرء محتالين بهذا الحجم، يرى أنهم عمومًا لا يغيّرون طرقهم، حتى بعد القبض عليهم ومعاقبتهم.
مايكل يونغ: لمَ كانت إيران قادرةً على استغلال الوضع ما بعد الحرب في العراق أكثر من الولايات المتحدة، ولمَ كانت واشنطن عمياء إلى حدّ أنها لم تستطع أن ترى كيف كان غزو العام 2003 ليؤدّي إلى تعزيز قدرة إيران الإقليمية؟ ففي نهاية المطاف، كان قرار الولايات المتحدة الأوّلي ببناء علاقات مع العراق خلال الحرب الإيرانية العراقية يهدف إلى ضمان عدم تحقيق إيران مكاسب إقليمية عبر هزيمة القوات العراقية.
ستيف كول: كانت إيران قادرة على استغلال الوضع بعد الحرب في العراق بشكل أفضل لأن مخطّطات الاحتلال الأميركية كانت سيّئة الإعداد والتصميم. ومع ذلك، لست متأكّدًا من وجود "مخطّط احتلال جيّد" كان من شأنه أن يضعف النفوذ الإيراني، نظرًا إلى أن الدولة البعثية تهشّمت بفعل الغزو، وأن سكان العراق الشيعة رحّبوا بإحياء عقيدتهم ونفوذهم، اللذَين كانت إيران حريصة على دعمهما. لماذا لم تتوقّع إدارة بوش هذه المحصّلة؟ لا يزال هذا الأمر لغزًا إلى حدٍّ ما. يبدو أن الإيديولوجيين في الإدارة أقنعوا أنفسهم بأن إنشاء أول حكومة عربية ديمقراطية فعلية في الشرق الأوسط سيحمي العراق نوعًا ما من الأعمال التخريبية الإيرانية. ولكن الأمور لم تَسِر على هذا النحو.
مايكل يونغ: تُنهي كتابك بعملية شنق صدام حسين. من وجهة نظر أميركية، يُعَدّ غزو العراق اليوم على نطاق واسع فشلًا، ولكن ألم يكن ثمّة فائدة ضمن المنطقة نفسها من تنحية رجلٍ قتل مئات الآلاف من الناس؟ لاحظتُ أنك لم تتناول هذا السؤال في الكتاب، الأمر الذي أراه مثيرًا للفضول، نظرًا إلى أن المنطقة بأسرها انتفضت ضدّ طغاتها بدءًا من العامَين 2010-2011.
ستيف كول: لا شكّ في أن العالم والمنطقة أفضل حالًا من دون صدام حسين في السلطة. ربما كان عليّ أن أقرّ بذلك في التقييم الموجز لتكاليف الحرب الذي قدّمتُه في خاتمة الكتاب. قد أكون قاومت فعل ذلك من دون وعي، لأن هذا التبرير غالبًا ما استخدمه مهندسو حرب العام 2003 الذين ليسوا على استعداد لتحمّل مسؤولية أيّ خطأ ارتُكِب.